الشيخ علي حمادي العاملي
تثبتُ اليوم نظريةُ الصين أكثر، لا تعطوا الولايات المتحدة أسباب الحروب فهي تعتاش عليها. إمبراطورية “العم سام” لم نعرفها يومًا بشخصيةٍ لا ترتبط باحتلالٍ أو غزوٍ أو هيمنةٍ أو إجرامٍ حربيٍّ أو اقتصاديٍّ أو بيئيٍّ أو غير ذلك، منذ خطة مارشال بعد الحرب الأوروبية حين تحوّل الصراع على سيادة أوروبا إلى انبطاح القارة العجوز أمام الفرعون الأميركي الذي لم يحتج فعلاً إلى استخدام السلاح الذرّيّ، إلا ليوصل رسالةً أنه القطب الأوحد وعلى العالم أجمع أن يسجد له.
إيران لم تكن يومًا خارج دائرة الأطماع الأوروبية والأميركية، حين انكفأت بريطانيا وروسيا عنها، وضع الرجل الأبيض قدمه التي داست جماجم ملايين السكّان الأصليين في القارة الأميركية، وضعها في الخليج الفارسي، وهو يحاول أن يؤسّس لإمبراطورية تسعى لكي يكون لها أسطول في كل بحر، وقاعدة في كل برّ، وحصّة من كل ثروة، وسطوة على كل دولة، وهيمنة في أيّ سلطة.. ولم يتصوّر “البيتُ الأسود” أن يقف في وجهه رجل من أقصى المدينة متّكئٌ على عصا اليقين، فيضرب بها بحار العزم ليفجّر ثورةً ما تزال إلى اليوم عقبة الشيطان الأكبر الذي استطاع أن يفرض جيوشه وقواعده وأوكار سفاراته في كل مكان تقريبًا إلا في حدود النمر الفارسي.
مرّت الجمهورية الإسلامية الفتيّة ذات الحضارة العريقة لآلاف السنين، والرافعة لشعار الإسلام الأصيل منذ التقطَ “سلمانُ الفارسي المحمّدي” إشاراتٍ ذاتَ أبعادٍ سماوية يشعرُ بها ويدركها أولو الألباب، مرّت بتحديات وصعوبات، منذ الحرب المفروضة، إلى بذل تضحيات ضخمة وحصار مستمرّ ثمنَ دعمها لفلسطين والقدس، إلى ملفها النووي الذي تحدّت به كل العالم، ودخلت ذلك المحفل من باب العلم والإبداع الذاتي، فأصبحت دولةً قوية ومقتدرة.
تحديات اليوم من نوع آخر. بعد استشهاد القائد قاسم سليماني وقادة كبار في المحور المشتعل من غزة إلى صنعاء، ومن الليطاني إلى البحر الأحمر، كانت الجمهورية الإسلامية حاضرة تسند حلفاءها فيزداد الضغط عليها بأساليب الحصار المختلفة، وصولاً إلى استشهاد السيد رئيسي وتبدل الوضع في سوريا.
على أبواب تسلم “ترامب” للسلطة، وهو المعروف بولائه المطلق للحركة الصهيونية، واحتمالات سماحه للعدو الصهيوني بالتهوّر ومحاولة ضرب برنامج إيران النووي السلمي، تستعدُّ الجمهورية الإسلامية لمواجهة تحديات جديدة. “اقتدار 1403” واحدة من رسائل الجمهورية الإسلامية الإيرانية في مناوراتها الأخيرة أننا لا نرضخ للتهديدات. أرادت قيادة الثورة أن يرى العالم كله، وبالخصوص أعداء الثورة، بعضًا من بأس وإمكانايات وجهوزية قواتها المسلحة.
سياسة “الضغط الأقصى” التي يلوّح بها ترامب وإدارته لا جديد فيها سوى التسمية ربما. أكثر من أربعين سنة والحصار مستمرٌّ من الإدارات الأميركية المتعاقبة على أحلام إسقاط الجمهورية وخدمة الصهاينة والأنظمة الرجعية والدكتاتورية التي تدور في فلكها التسلّطي والخاضعة لهيمنتها.
كانت إيران تُعدّ ما استطاعت من قوّة، وقائدها الامام سماحة آية الله العظمى السيد علي الخامنئي يوصي شعبَه بالصبر “إن تصبروا وتتّقوا لا يضركم كيدُهم شيئًا”. وتسمية المناورة بحد ذاتها تؤكّد أنها عنوان مواجهة التهديدات الجديدة للعدو، استعداداتٌ بدأت منذ حطّ مفجّر الثورة قدمه الراسخة على أرض مطار طهران في رحلة تغيير العالم..بدأت حين جهر بقوله المشهور: “ما مي توانيم”، “نحن قادرون”.. ووصلت اليوم إلى فضاء الـ”اقتدار”.