وكما كان متوقعاً، منحت الصفقة ترامب، المعروف، منذ أيام عمله كمطوّر عقاري في نيويورك، بأنه «رجل الصفقات»، سبباً لـ«التفاخر» بـ«إنجازه» المبكر؛ إذ أعلن في منشور عبر وسائل التواصل الاجتماعي، الأربعاء، أن «الاتفاق لم يكن ليحدث لولا انتصارنا التاريخي» في الانتخابات. وعلى أي حال، فالأكيد أن ترامب أزال، من طريقه، أحد أكثر النزاعات الدولية تعقيداً، والذي كان سيلقي بظلاله على بداية فترته الرئاسية الثانية، ما سيتيح له بدء عهده بـ«مشاكل أقل»، في حال صمود الاتفاق.
على أنّه طبقاً لمراقبين، وعلى الرغم من التحسن الذي شهدته، أخيراً، العلاقات بين ترامب ورئيس حكومة العدو، بنيامين نتنياهو، فإنّ القلق لا يزال يخيم على أذهان القادة الأجانب، وكذلك في “إسرائيل”، ونقاشاتهم إزاء التصرفات القادمة للرئيس المنتخب، ولا سيما أن الأخير تباهى، في غير محطة، بكونه «مجنوناً»، فيما يبدو أنّ الصفقة الأخيرة «خيّبت آمال» بعض أنصار “إسرائيل”، الذين كانوا يتوقعون دعماً أميركياً أكبر في عهد ترامب، يتيح إنهاء الحرب وفقاً لـ«شروط تل أبيب». وفي هذا السياق، يرد في تقرير نشرته مجلة «Pittsburgh Jewish Chronicle» الأميركية، والتي تعنى بشؤون اليهود، أنّ كثيرين كانوا يأملون أن تتبنى إدارة ترامب القادمة نهجاً مختلفاً تماماً عن الإدارة السابقة، وسياسات أقوى تهدف بشكل أساسي إلى فك «الأصفاد» عن “إسرائيل”، ما يمكّن «الجيش الإسرائيلي من القضاء على (حماس) في غزة، في حال عدم إطلاق سراح جميع الرهائن فوراً، ومن دون قيد أو شرط»، لافتةً إلى أنّه كان من المفترض أن تكون «حماس» وحدها من تتعرض لضغوط شديدة، وبأساليب عدة، من إدارة ترامب.
وعلى الرغم من ذلك، فإن الوضع حالياً، طبقاً للصحيفة، مختلف تماماً؛ إذ إنّ “إسرائيل” تتعرض، مرة أخرى، لضغوط من الولايات المتحدة، «لتنفيذ اتفاق كارثي مع كيان إرهابي، كان ينبغي القضاء عليه منذ زمن بعيد»، مشيراً إلى أنّ «حماس ممزقة، لكنها لا تزال نشطة في غزة»، فيما «الوقت مناسب لإنهاء مهمة القضاء عليها بالكامل»، وإطلاق سراح جميع «الرهائن» الإسرائيليين، «من دون الإفراج عن الإرهابيين الفلسطينيين من السجون الإسرائيلية»، على حدّ تعبيرها. وتردف الصحيفة أنّ «المفاوضات تحفز الإرهابيين على تكرار الفظائع التي ارتكبوها، وربما تزيد من مخاطرهم، بعدما أدركوا أن استراتيجيتهم قادرة على تحقيق أهدافهم وقضيتهم»، كما أن المفاوضات تُكسب «حماس» شرعية سياسية، وترقى بها إلى مستوى «المحاور المشروع»، على الصعيدين الوطني والدولي. وبحسب أصحاب هذا الرأي، فإنّ الاتفاق الأخير هو بمثابة انتصار لكل من بايدن وترامب، لكنه حتماً ليس كذلك بالنسبة إلى “إسرائيل”. وفيما يعتزم ترامب إيصال فكرة أنّ «قلق (حماس) من وصوله، دفعها إلى الموافقة على إطلاق سراح الرهائن»، فإن الواقع «مختلف عن ذلك»، نظراً إلى أنّ الاتفاق «مفيد لـ(حماس) ومضرّ بإسرائيل»، التي تعرضت لضغوط «أكبر» للقبول به.
وبالتوازي مع التوصل إلى وقف إطلاق النار، بدأ العديد من المراقبين يتساءلون عن مصير نتنياهو، الغارق في مشاكلة الداخلية والخارجية. وفي هذا الإطار، يرد في تقرير نشرته «فورين بوليسي» أنّه على الرغم من توجيه ضربات متكررة إلى «حماس»، فإنّ “إسرائيل” لم تفعل شيئاً لضمان وجود خليفة للحركة في غزة على المدى الطويل؛ ونتيجة لذلك، قد «تجدّد المجموعة نفسها ببطء»، وتستعيد نفوذها في القطاع. ويضاف إلى ما تقدّم، أنّ الصعوبات السياسية التي يواجهها نتنياهو، الذي يحاكم حالياً بتهمة الفساد، تضعه في موقع ضعف، ما يزيد من المخاطر المترتبة على أي تحرك لا «يرضي أعضاء ائتلافه». كما أنّ رئيس وزراء الاحتلال سيتعرض للمحاسبة حول الإخفاقات المرتكبة على خلفية السابع من أكتوبر، بما فيها دوره في السماح لـ«حماس» ببناء نفسها، وإعطاؤه الأولوية لـ«الساحات الأخرى».
وبصورة أعم، لم يعد بإمكان نتنياهو منع الدعوات إلى تشكيل لجنة تحقيق حول الهجوم، بذريعة أن البلاد في «حالة حرب». وبحسب المصدر نفسه، فإنّ “إسرائيل” استنفدت خياراتها في هذه الحرب، فيما قتل زعيم أو مجموعة أخرى متوسطة المستوى من مقاتلي «حماس»، لن يؤثر فعلياً في «قوة المنظمة». كما قد تكون للغضب الدولي الذي واجهته “إسرائيل”، بما فيه تراجع الدعم بين الشباب والديموقراطيين في الولايات المتحدة، تكاليف طويلة الأجل عليها. وأما المستفيد الأول، بحسب أصحاب هذا الرأي، فسيكون ترامب، الذي مارس «ضغوطاً كبيرة على نتنياهو لقبول الصفقة»، في وقت تدرك فيه “إسرائيل” أهمية إقامة علاقات وثيقة مع الإدارة القادمة، والحاجة إلى «كسب رضاها».
من جهته، أفاد موقع «ذي كونفرسيشن» الأميركي بأنّه فيما تدهورت قدرات «حماس»، فإنها «لم تدمَّر»، مشيراً إلى أنّه على الرغم من حقيقة أن القضاء التام على «حماس» كان أحد أهداف حرب نتنياهو، إلا أنّ الحركة لا تزال موجودة. وعليه، سيجادل النقاد، بحسب الموقع الأميركي، بأنّ نتنياهو فشل في تحقيق أهدافه الحربية، وأنه طالما أن «حماس» لا تزال نشطة، فإن العديد من الإسرائيليين سيظلّون متخوّفين من أن تكون لديها القدرة على «إعادة بناء نفسها، وتهديد “إسرائيل” مرة أخرى».