يشهد المشهد السياسي في أرمينيا تحولاً جذرياً مع توجه الحكومة نحو الاندماج في الاتحاد الأوروبي، في خطوة تثير جدلاً واسعاً على المستويين المحلي والدولي، خاصة مع تداعياتها المحتملة على العلاقات مع روسيا والاتحاد الاقتصادي الأوراسي.
في 9 يناير، وافقت الحكومة الأرمنية على مسودة قانون يمهد الطريق لبدء عملية انضمام البلاد إلى الاتحاد الأوروبي. وقد حاول رئيس الوزراء نيكول باشينيان تجنب تحمل مسؤولية تداعيات هذا القرار من خلال اقتراح إجراء استفتاء شعبي حول العضوية في الاتحاد الأوروبي.
الموقف الغربي
رغم الترحيب الغربي بقرار يريفان، إلا أن هناك حذراً في التعامل مع هذا التوجه. وتثار تساؤلات حول توقيت القرار الأرميني نحو التوجه الأوروبي، خاصة في ظل تأجيل جورجيا لمسارها الأوروبي، وانتظار مولدوفا، واشتعال الحرب في أوكرانيا. ويطرح التساؤل: هل كانت تجربة فنلندا مصدر إلهام ليريفان؟
صرحت أنيتا هيبر، المتحدثة باسم دائرة العمل الخارجي الأوروبي، أن المفوضية الأوروبية تعتزم دراسة المشروع القانوني المقدم من الحكومة الأرمنية لبدء عملية الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي. وأضافت: “سنقوم بتحليل هذا المشروع القانوني ومناقشته مع الحكومة الأرمنية.”
المخاوف من التداعيات
يعتبر هنريك دانيليان، رئيس منظمة شباب الحزب الجمهوري الأرميني المعارض، أن عام 2025 سيكون عام انهيار الاقتصاد والأمن وكذلك عام الركود لأرمينيا. وقال دانيليان: “بدأت حكومة باشينيان من خلال طرح مسألة العضوية في الاتحاد الأوروبي أجندة مدمرة لأرمينيا ستكون لها عواقب وخيمة. لا يمكن لأرمينيا أن تكون عضواً كاملاً في الاتحاد الأوروبي والاتحاد الاقتصادي الأوراسي في نفس الوقت. سيؤدي تقليص العلاقات مع الاتحاد الاقتصادي الأوراسي إلى زيادة حادة في أسعار الطاقة والمواد الغذائية وانخفاض بنسبة 80% في صادرات البضائع الأرمنية. سيفلس قطاع كبير من الشركات الأرمنية، وسيكون إنجازهم الوحيد هو القدرة على مواجهة الإفلاس في مدن مثل برشلونة أو نابولي بفضل إلغاء التأشيرات مع الاتحاد الأوروبي.”
الموقف الروسي وتحذيراته
في 9 يناير، أعلن أليكسي أورتشوك، نائب رئيس الوزراء الروسي، أن موسكو تعتبر بدء دراسة المشروع القانوني لانضمام أرمينيا إلى الاتحاد الأوروبي بداية خروج هذا البلد من الاتحاد الاقتصادي الأوراسي، مؤكداً أن عضوية أرمينيا في الاتحاد الأوروبي لا تتوافق مع عضويتها في الاتحاد الاقتصادي الأوراسي.
وأوضح المسؤول الروسي أن “كلا الاتحادين يعنيان عدم وجود حدود جمركية وحرية حركة السلع والخدمات ورأس المال والعمالة”، معتبراً أنه من المستحيل تصور التقاء هذين الاتحادين في نقطة ما.
وحذر أورتشوك بقوله إن “المشروع القانوني لبدء عملية الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي الذي تتم دراسته في أرمينيا يجبر هذا البلد على الاختيار”، طالباً بشكل غير مباشر من حكومة باشينيان التصرف بحكمة.
كما حذر من أنه في حال تقييد علاقات أرمينيا مع الاتحاد الاقتصادي الأوراسي، سترتفع أسعار الطاقة والمواد الغذائية من جهة، وستنخفض صادرات البضائع الأرمنية بنسبة 70-80% من جهة أخرى.
وأضاف أورتشوك: “وبالتالي، سيفقد المواطنون العاديون دخلهم ووظائفهم وسيضطرون لدفع المزيد مقابل السلع الأساسية. في المقابل، سيحصلون على الأرجح على إلغاء التأشيرات وستواجه أرمينيا انخفاضاً في عدد السكان. يتضح الآن بشكل متزايد أن العضوية في الاتحاد الاقتصادي الأوراسي هي امتياز”، مشبهاً العضوية في الاتحاد الأوروبي بـ “شراء تذكرة لسفينة تيتانيك”.
وفي نهاية العام الماضي، صرح أورتشوك بأن حجم التبادل التجاري بين روسيا وأرمينيا تضاعف في الأشهر العشرة الأولى من عام 2024.
كما أضاف أنه “في عام 2024، يمكن أن يصل حجم التبادل التجاري بين أرمينيا وروسيا إلى 14-16 مليار دولار، أي 6 أضعاف أكثر من عام 2020 (2.3 مليار دولار). علاوة على ذلك، بلغت استثماراتنا في أرمينيا 3.4 مليار دولار. تعمل أكثر من 40 شركة روسية كبرى في أرمينيا. بعضها من أكبر دافعي الضرائب لميزانية الدولة الأرمنية”.
تحريض غربي و صبر روسي
في السنوات الأخيرة، ازداد التوجه المناهض لروسيا في أرمينيا بشكل ملحوظ. تم اعتقال وملاحقة الأفراد والجماعات المؤيدة لروسيا أو تهميشهم. ولم يُنس بعد الهجوم بالبيض على السفارة الروسية في يريفان. كما أن انضمام أرمينيا إلى نظام روما الأساسي، الذي تم بهدف اعتقال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، كان أيضاً بتحريض من الغرب.
في العام الماضي، انسحب حرس الحدود الروسي من منطقة “زوارتنوس” على الحدود الإيرانية الأرمنية، مما مهد الطريق للنقل السهل للعسكريين والشحنات العسكرية الأمريكية والأوروبية. لا تولي يريفان اهتماماً لمنظمة معاهدة الأمن الجماعي، لكن روسيا ما زالت تتحلى بالصبر والتسامح تجاه أرمينيا.
يمثل توجه أرمينيا نحو الاتحاد الأوروبي منعطفاً تاريخياً في سياستها الخارجية، مع ما يحمله من فرص وتحديات. ورغم التحذيرات الروسية والمخاوف الاقتصادية، تبدو الحكومة الأرمينية مصممة على المضي قدماً في هذا المسار، مما سيؤثر على التوازنات في المنطقة. وتبقى التساؤلات قائمة حول قدرة أرمينيا على تحمل التداعيات الاقتصادية والسياسية لهذا التحول الاستراتيجي.