يعاني السجناء السياسيون وسجناء الرأي في البحرين جميعهم من إنتهاكات جسيمة للمحاكمة العادلة وحقوق الإجراءات القانونية الواجبة منذ لحظة اعتقالهم وطوال فترة سجنهم. يمكن القول إن التعذيب الذي يتعرضون له هو أسوأ الإنتهاكات، سواء أثناء اعتقالهم واستجوابهم وخلال مدة سجنهم أيضاً، إما لانتزاع الإعترافات أو لمجرد الإنتقام.
بالإضافة إلى الأضرار الجسدية وقصيرة المدى الناتجة عن أساليب التعذيب هذه، فمن الضروري مناقشة التأثير النفسي والإجتماعي طويل المدى للتعذيب على حياة الضحايا. يترك هذا الحدث الصادم العديد من الضحايا عاجزين عن الإستمرار في حياتهم كما كانوا من قبل، مع العديد من التحديات والمشاكل الشخصية التي غالباً لا يتم تسليط الضوء عليها خاصةً عند مناقشة مسألة التعذيب في البحرين. سيناقش هذا التقرير الجروح الخفية التي لا تزال قائمة في الحالة النفسية والعلاقات الإجتماعية لضحايا التعذيب البحرينيين بعد سنوات من سوء معاملتهم، معتمدين على شهادات الضحايا أنفسهم وبالتعاون مع اختصاصي درس هذه الحالات.
الإستخدام الممنهج للتعذيب
الإعتقال والإستجواب والإحتجاز:
عندما تعتقل السلطات، عادة من شرطة مكافحة الشغب، وضباط ذو ملابس مدنية، وضباط تحقيقات جنائية، شخصاً مستهدفاً بسبب أنشطته السياسية أو الإجتماعية، فمن المرجح أن يلجأوا إلى العنف. ويظهر ذلك بطرق عدة، سواء كان ذلك من خلال عملية مداهمة دون إذن قضائي حيث يتم تحطيم ممتلكات عائلة المحتجز ومصادرتها وتعريض الأسرة نفسها للتهديد والإرهاب، أو من خلال سوء المعاملة الجسدية والركل والضرب وعصب أعين الفرد. وغالباً ما يكون ذلك مصحوباً بالإهانات والسخرية والتهديدات.
يقوم ضباط التحقيق بتعذيب المعتقلين وانتهاك حقوقهم الأساسية مع الإفلات من العقاب، وذلك لدى نقلهم إلى مركز التحقيق، وفي غياب المحامي، وفي ظل محدودية الاتصال بأسرهم أو انعدامها. فإنّ التعذيب جسدي ونفسي. ومن خلال برنامج التوثيق الخاص بها، تمكنت ADHRB من تسجيل الأساليب المختلفة المستخدمة أثناء عملية الاستجواب، والتي تشمل بشكل غير محدود:
التعذيب الجسدي:
– الركل والصفع
– الضرب بالهراوات والأنابيب
– التعليق
– الوضع في غرف ذات درجات حرارة شديدة البرودة أو السخونة
– الإجبار على الوقوف لفترات طويلة
– الحرمان من النوم واستخدام الحمام
– الحرق
– الصعق الكهربائي
– نزع الملابس
– الإعتداء الجنسي
التعذيب النفسي:
– تهديدات بإيذاء أفراد الأسرة
– تهديدات بالقتل وبالمزيد من التعذيب
– المنع عن الصلاة
– إهانة أفراد العائلة والدين كذلك الشخصيات الدينية
– السجن الإنفرادي المطول
فعلى سبيل المثال، وصف أحد الضحايا تجربته المروعة مع السلطات قائلاً إنه تم القبض عليه في مداهمة في الساعة الثانية صباحاً، وكُبلت يداه وعُصبت عيناه من قِبل شرطة مكافحة الشغب. وفي طريقه إلى مركز التحقيق في سجن القرين تعرض للإهانات الطائفية والضرب. وبمجرد وصوله إلى السجن، قام الضباط بضرب وركل الضحية، وقد استهدفوا رأسه تحديداً. كما تم البصق عليه، وإهانته، ودفعه أرضاً مراراً وتكراراً. وبعد أن وُضع في زنزانة انفرادية، سكب أحد العناصر عليه الماء وقام بتشغيل مكيف الهواء البارد، لمنع الضحية المرهق من النوم. وفي الليالي التالية، كان الضباط يطرقون على قضبان الزنزانة لإحداث ضجة عالية تزعج الضحية، فكانوا يدخلون الزنزانة للسخرية منه وضربه وإذلاله. وكان الضحية مجبر على الوقوف بجانب الحائط وذراعاه مرفوعتان لساعات ويمنع من الإستحمام أو تغيير ملابسه لأيام. وعندما طلب الإستحمام، سكب رجال الشرطة عليه الماء البارد، بينما كان يقف بجانب الحائط ممنوعاً من الحركة. علاوة على ذلك، لم يكتفوا بالإستهزاء بشخصيات ورموز دينية محترمة فحسب، بل تم أيضاً تهديده باغتصاب بناته. وعندما رفض تصوير إعتذار، تعرض الضحية لاعتداء جنسي. في وقتٍ لاحقٍ، أثناء المحاكمة، وبعد إحدى جلسات المحكمة، قام الضباط بضرب الضحية حتى أنهم استخدموا أحذيتهم حيث كانوا يضعون كعب حذائهم في فم الضحية. وعندما أبلغ الضحية النيابة العامة بذلك تم تجاهله.
تهدف هذه الشهادة إلى تصوير الوحشية التي يتعرض لها المعتقلون منذ لحظة القبض عليهم، مما يؤثر بشكلٍ واضح على صحتهم النفسية بالفعل. وإلى جانب الشعور بالتجريد من إنسانية الفرد وشخصيته، هناك شعور بأنّ لا أحد يستطيع مساعدته، فغالباً ما يتم تجاهل مناشداتهم أو مواجهتها بالمزيد من العنف.
السجن:
لا ينتهي التعذيب بعد الحكم على الأفراد ونقلهم إلى السجن، بل على العكس، يتم استخدامه كوسيلة للإنتقام والإسكات عندما يطالب السجناء بمطالب مشروعة بحقوق الإنسان الأساسية الخاصة بهم. ففي السجن، يمكن أن يشمل التعذيب وسوء المعاملة بالإضافة إلى ذلك الإهمال الطبي المتعمد، والذي يبدو وكأنه موت بطيء للسجناء المرضى. وعلى المستوى النفسي، يُحرم السجناء من الإتصال بأفراد عائلاتهم، كما تُمنع زياراتهم أو مكالماتهم بطرق مختلفة، يُمنعون من الصلاة، ويوضعون في السجن الإنفرادي لفترات متفاوتة، من بين أشكال أخرى من سوء المعاملة، التي نجدها أدناه:
– الضرب والركل
– تهديد بالقتل
– العزل
– التعليق
– منع خروجهم للفناء أو الساحة للتعرض للشمس (السجناء المحتجزون في الزنزانة 24/7)
– الإهانة واستهداف المعتقدات أو الشخصيات الدينية
– تحريم ممارسة الشعائر الدينية مجتمعة أو فردية
قام سجين بمشاركة تجربته مع ADHRB، بعد أن تم عزله حين بدأ بالإضراب عن الطعام للمطالبة بالرعاية الطبية المناسبة، وإنهاء استخدام التكبيل الشديد والمضايقات أثناء المكالمات، وتوفير مستلزمات النظافة، والحق في ممارسة الشعائر الدينية بحرية أثناء عزله وما تلاه من إختفاء قسري. ولقد تم تقييد الضحية إلى سرير حديدي من يديه ورجليه لمدة 7 أيام، حيث كان يتعرض للتعذيب بشكل يومي والحرمان من الدخول إلى الحمام، كما تعرض للضرب والتعليق من يديه. وأصيب الضحية بعدة جروح وشوهد منهكاً وهو يستغيث أثناء نقله. عندما رُفعت هذه القضية إلى الأمانة العامة للتظلمات والمؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان، اعتبروا أن السجين هو المعتدي وليس ضحية للتعذيب. ومرة أخرى، يكرس التعذيب الذي يمارسه الضباط وظروف السجن وردة فعل السلطات شعوراً بائساً من الظلم والوحشية والعجز لدى السجناء الذين ما زالوا يعانون من تداعيات سوء المعاملة التي تعرضوا لها أثناء الإستجواب. وبدلاً من أن يحصلوا على الدعم وإعادة التأهيل اللازم، فإن معاناتهم تستمر وتسترجع التجارب المؤلمة في السجن.
الآثار النفسية
كل هذا التعذيب المؤلم والمهين الذي يتعرض له السجناء له تأثير نفسي بندوب دائمة لا يمكن إنكارها. من الحالات النفسية الرئيسة طويلة الأمد التي قد يواجهها ضحايا التعذيب هي صعوبة التركيز، الكوابيس، الأرق، فقدان الذاكرة، التعب المزمن، القلق، المخاوف غير المنطقية، اليأس، فقدان الإهتمام، الأفكار الإنتحارية، والتحسس، وغيرها. وبهذا، تظهر على الضحايا علامات الإكتئاب واضطرابات القلق واضطراب ما بعد الصدمة. لقد كشف عدد من الضحايا عن الأزمات النفسية التي تعرضوا لها في السجن وبعد الإفراج عنهم، وسيتم تفصيل الشهادات أدناه لعرض تجارب ضحايا التعذيب البحرينيين والآثار النفسية التي يعانون منها نتيجة سوء معاملتهم:
شهادة الضحية 1 :
اعتقل أحد الضحايا الذين وثقت حالتهم منظمة ADHRB عندما تم اقتحام منزله أثناء تواجده في الحمام. حاول الفرار ولكن تم القبض عليه عاريًا في الشارع وتعرض للضرب وسحب على الأرض أمام الجيران. أثناء فترة سجنه، أصبح أكثر عزلة ولم يتواصل مع الآخرين. بعد إطلاق سراحه، أصبح يعتريه الغضب باستمرار من مواقف تافهة. علاوة على ذلك، بات خائفًا طوال الوقت، خشية من أن يقبض عليه مجددًا، خاصة وأن الضباط هددوه. ونتيجة لذلك، يخشى التحدث عما حدث في السجن وحتى رؤية ضباط الشرطة. أيضا، هو يقلق من فكرة فقدان عائلته، لسببٍ كالسجن أو الموت. هذا الخوف منعه من حضور جلسات العلاج النفسي لخوفه من مواجهة أعمال انتقامية إذا أفشى عما تعرض له؛ هذا بالطبع نتيجة التهديدات الصادرة عن قوات الأمن.
شهادة الضحية 2:
خلال الاستجوابات، أجبر الضابط الضحية على خلع ملابسها ولما رفضت ضربها، وعندما زحفت على الأرض تعرضت للمزيد من الضرب. تعرضت للاعتداء الجنسي، والجلد، والإهانة، وهددت بالاغتصاب وقتل أطفالها. بعد هذا التعذيب، تغيرت الضحية تماما. لم تعد تستطع على التركيز بسهولة أو اتخاذ القرارات. كرهت نفسها بشدة وتقوقعت، وفضلت النوم لفترات طويلة. على الرغم من أنها كانت تتهرب من واقعها أثناء النوم، كشفت بأنها تعاني من الكوابيس المزعجة المتكررة. نتيجة للتعذيب الوحشي وتدهور صحتها النفسية، فكرت بتعاطي الأدوية وحتى الانتحار. بعد إطلاق سراحها، استمرت هذه الحادثة في التأثير على حياتها، على الرغم من التفاؤل الذي كانت تؤمن به. لا تزال تلتزم الصمت والعزلة عن العالم، وما زالت تعاني من حدة الطبع التي لا يمكن السيطرة عليها. شخّص المعالج الخاص بهذه الضحية حالتها بالإضطراب ما بعد الصدمة .(PTSD)
شهادة الضحية 3:
سجينة سياسية أخرى عانت من الاكتئاب وغالبا ما لجأت إلى حالة من الصمت والعزلة. تم التحدث إليها بأسلوب مهين وعانت من معاملة لاإنسانية من قبل الضباط، لكنها لم تدلِ بتفاصيل هذه المعاملة بسبب كونها موضوع حساس. علاوة على ذلك، تعاني الضحية من الـ Tachophobia، أي رهاب السرعة، لأنها كانت تؤخذ إلى جلسات المحكمة في سيارة مسرعة للغاية، وكانت تعود إلى السجن بحالة مؤسفة. كان يغمى عليها مرارا وتكرارا، وكانت تضرب وتعض نفسها دون وعي بعد أن تدهورت حالتها دون تلقي أي علاج.
شهادة الضحية 4:
بعد التهديد والتعذيب الجسدي والاعتداء الجنسي، كان على هذه الضحية أن تخضع لعملية في الرحم جرّاء الركل المتكرر على المنطقة الحساسة أثناء الاستجواب. الآن، نتيجة للتعذيب، قالت إنه ليس باستطاعتها النوم في الليل بسبب شعور قاهر أنه سيتم اعتقالها، أو أن الضباط سيقتحمون منزلها. كما أنها تشعر وكأنه يتم مراقبتها باستمرار عند تواجدها في الخارج. التوتر والخوف اللذين يطاردان الضحية يمنعاها من مغادرة المنزل؛ وغالباً ما ترفض التحدث إلى أي شخص أو حتى مغادرة غرفتها لأيام.
الخدمات وإمكانية الوصول:
خدمات الصحة النفسية أساسية في السجن من أجل تزويد السجناء بالرعاية الطبية المناسبة على كل المستويات. ومع ذلك، مارست البحرين أشكالاً متطرفة من الإهمال الطبي وحرمت السجناء من حقوقهم الأساسية. لقد تجاهلت البحرين الصحة الجسدية والنفسية للسجناء، مما أدى الى تفاقم حالاتهم في ضوء الظروف الصعبة. في سجن جو، تجاهلت السلطات قضايا الصحة النفسية تماما، ولم تُخضع السجناء لاختصاصيين لمساعدتهم حل مشاكلهم النفسية الناتجة عن التعذيب الذي خضعوا له. على هذا النحو، تتدهور صحتهم النفسية.
على سبيل المثال، عانى أحد السجناء جرّاء التعذيب، وهو دون سن 21 عامًا، من تدهور في صحته النفسية بحيث رفض رؤية عائلته. كما أنه عانى من القلق و .Trichotillomania والداه – اللذان يؤكدان أنه لم يكن يعاني من أي مشاكل نفسية قبل اعتقاله – طلباً من السلطات تزويده بالرعاية الصحية النفسية ولكن ووجها بالرفض. ودون العلاج المناسب، تتدهور صحته النفسية أكثر. وحتى عندما قبل الادعاء العام في حالة أخرى طلب عائلة السجين لتزويد ابنهم الذي يعاني من اضطرابات في الصحة النفسية بمساعدة متخصصة، لم يتحدد موعد للجلسات.
في الحالات النادرة التي يفترض فيها توفير الرعاية النفسية، مثل نقل السجناء إلى مستشفى الطب النفسي، لا يتم إخضاعهم لجلسات علاج نفسي أو العلاج فيما يتعلق بسوء المعاملة التي عانوا منها أثناء الاحتجاز، لأن السلطات لا تعترف بهذه الانتهاكات أبداً. وبالتالي، مع عدم معالجة السبب الرئيسي لحالتهم النفسية، فإن وضعهم لا يتحسن.
نقل سجين كان بصحة جيدة قبل اعتقاله، إلى مستشفى الطب النفسي عندما بدأت عوارض الانفصام بالشخصية ودوافع انتحارية تظهر عليه بعد أربعة أشهر من اعتقاله واستجوابه. الضحية، الذي تعرض للتعذيب كي يعترف بالتهم الموجهة إليه، لم يكن يرد على الأسئلة، وكان ينظر إلى السقف والجدران، وقال إنه يريد أن يلتقي بجده الذي توفي، وحاول الانتحار. لم تكشف السلطات عن السبب وراء تدهور حالته النفسية أثناء الاحتجاز، على الرغم من طلبات الأسرة. وبعد عام من دخوله إلى مستشفى الطب النفسي، هرب الضحية من هناك. تم العثور عليه مختبئًا، وتفوح منه رائحة القيء، وليس بكامل وعيه، وكان يشكو من صداع شديد، ويتوسل أن تتم حمايته من الأفراد الذين كانوا يلاحقونه ويريدون قتله. بعد عام من العلاج المفترض، كان لا يزال الضحية في حالة مروعة، وأشير في نهاية المطاف إلى أن صحته النفسية قد ساءت نتيجة لسوء المعاملة. تم نقله من المستشفى إلى السجن دون الحصول على علاج كاف.
لسوء الحظ، فإن عدم إمكانية الوصول إلى المساعدة الصحية النفسية المهنية لا يسببها فقط الإهمال الطبي، ولكن أيضا بسبب الوصمة الاجتماعية التي لا تزال موجودة حول موضوع الصحة النفسية. على هذا النحو، فإن العديد من الضحايا، حتى خارج السجن، يختارون عدم اللجوء لمساعدة متخصصة. وهناك عقبة أخرى هي عدم الثقة تجاه المهنيين المتخصصين بسبب القبضة الاستبدادية الشديدة التي يمارسها النظام البحريني في البلاد. اختار بعض الضحايا عدم اللجوء للطبابة خوفا من أن محادثاتهم لن تبقى سرية.
المعالجة النفسية والعلاج أمران أساسيان للصحة النفسية للضحايا وإعادة تأهيلهم، كما يؤكد ذلك الطبيب النفسي الذي عالج ضحايا التعذيب البحريني. ووفقا له، فإن الأفراد الذين يتعرضون للتعذيب قد سلبت منهم القدرة على الحماية والدفاع عن أنفسهم، وكذلك هم في حاجة إلى الدعم والطمأنينة في محيطهم لإعادة إرساء شعور بالأمن والتحكم بذاتهم. في حين أن الدعم العائلي ومن الأصدقاء مفيد في هذا الصدد، فإن المعالجة النفسية والعلاج هما الأولوية. بالإضافة إلى ذلك، يحدّ التشخيص والتدخل المبكر من تفاقم الاضطراب أو الاعتلال المشترك، والذي يصبح من الصعب علاجه بعد ذلك.
البعد الجنساني/ الجندري
ومن المهم أيضا معالجة الصعوبات الجنسانية/ الجندرية التي يواجهها الضحايا نتيجة لتعذيبهم وما تلاه من ضائقة نفسية، حيث يعاني الرجال والنساء من وصم اجتماعي فيما يتعلق بهويتهم الجنسانية وأدوار الجنسين، مما يزيد من سوء وضعهم النفسي ويعيق حصولهم على العلاج. فمن ناحية، من المفترض أن يكون الرجال أنفسهم “أقوياء” و “صلبين” كدليل على الذكورية. هذا غالبا ما يحبط أي محاولة من العديد من الرجال أن يطلبوا المساعدة أو العلاج المهني من المعالجين، لأنهم اعتادوا أن بروا العلاج كدليل ضعف. على هذا النحو، رفض العديد من الضحايا الذكور الذهاب إلى العلاج، على الرغم من عوارض الكرب، والمزاج السيء، وحدة الطباع، والقلق.
وتخضع النساء من ناحية أخرى أيضاً لمعايير ثقافية واجتماعية صارمة مما يجعل من الصعب عليهن تخطيها والتحدث عن سوء المعاملة التي عانين منها في السجن. تتعرض النساء للاعتداء الجنسي والاغتصاب أثناء احتجازهن وسجنهن. هذا التعذيب يخلق لديهن شعور بالعار، ويحيط بهذا الموضوع تبعات إجتماعية غالبًا ما تلقي اللوم على الضحية. ونتيجة لذلك، من الصعب جدا على النساء في البحرين أن يتحدثن عن هذا النوع من التعذيب، وفي نهاية المطاف، تتأثر علاقاتهن الاجتماعية. تعرضت إحدى الضحايا الإناث اللواتي تعرضن للاعتداء الجنسي في السجن للعديد من الاقتران السلبي والأفكار التدخلية والمتطفلة التي أثرت على علاقتها مع زوجها، الذي كان بدوره أيضًا محطًا للسخرية من قبل الضباط فيما يتعلق بتعرض زوجته للتعذيب.
التّأثير على الحياة الاجتماعيّة:
إنَّ الأثر النّفسيّ للتّعذيب يدخل حتماً في الجانب الاجتماعيّ لحياة الضّحايا، فعلاقة المرء مع الآخرين والطّريقة الّتي يتفاعل بها مع محيطه ترتبط إلى حد كبير بصحّته العقليّة. لذلك، واجه العديد من ضحايا التّعذيب تحديّات في حياتهم الشّخصية، بما في ذلك حياتهم الزوجيّة والعائليّة والمهنيّة، والّتي تمّ الكشف عنها أدناه:
شهادة الضحية 1
للضّحيّة أطفال، كانوا قد نشأوا بعيدًا عنها وهي تقضي عقوبتها في السّجن. عندما تمّ إطلاق سراحها، فرح أطفالها كثيرًا، ولكنّهم بقوا خائفين من احتمال مغادرة والدتهم مرّة أخرى. أيضًا، كانت السّلطات قد لاحقت بعض أطفالها من قَبل، فبالإضافة إلى نشأتهم بدون أمّهم، تعرّضت طفولتهم لمزيد من الاضطراب بسبب مطاردة الشّرطة لهم ومراقبتهم الدّائمة والسّجن. بعد إطلاق سراحها، عانَت الضّحيّة من تقلّباتٍ مزاجيّة شديدة ونوبات غضب أثّرت على علاقتها بأطفالها. أثناء انهيارها، كانت تغادر المنزل، فيتبعها طفلها الأصغر خوفًا من أن يتمّ نقلها بعيدًا مرّة أخرى. إضافةً لذلك، لم تتمكّن الضّحيّة من العودة إلى العمل، ما تسبّب في خلق ضغوط ماليّة على العائلة.
شهادة الضحية 2
صرّحت ضحيّة أخرى أنّه بعد إطلاق سراحها، أثّر الآثار الضارة للتعذيب على صحّتها النفسية وعلى علاقاتها الاجتماعيّة وقدرتها على التّفاعل مع الآخرين، فهي لم تعد تقدر على مقابلة أيّ شخص أو الوثوق بأحد، وهي الآن منعزلة اجتماعيًّا عن الجميع. كما أنّها تركت وظيفتها بسبب القلق والتّوتر.
شهادة الضحية 3
أثناء تواجد الضّحيّة في السّجن بعد الاعتقال، كان على أبواب الاحتفال بعقد قرانه. ولكن بعد الحكم عليه لخمسة عشر عامًا، وتشخيصه بالسّرطان في السّجن، وخوف عائلة خطيبته بعد اعتقاله، تمّ إلغاء الخطوبة. ورغم إطلاق سراحه مؤخرا قبل اكمال مدة حكمه هو يعاني من كونه قلقًا جدًّا وخائفًا من التّفاعل مع النّاس لأنّه لا يزال تحت المراقبة الشّديدة، ولا يمكنه مغادرة البلاد لمدة سبع سنوات.
صرّح أيضًا أنّ عائلته تُستهدف دائمًا من قِبل الشّرطة. أمّا هو فعندما يتمّ القبض عليه، يُحتجز لساعات في أقسام الشّرطة، ويتعرّض للاستجواب والتّعذيب والتّرهيب بشكلٍ غير قانونيّ وبحججٍ زائفةٍ، ما يسبّب اضطراب الأسرة وشعورهم الدّائم بالخطر وانعدام الأمن.
شهادة الضحية 4
بعد إطلاق سراحها، شعرت الضّحيّة أنّ كلّ شيء قد تغيّر، وبأنّ من الصّعب عليها التّأقلم مع هذه التّغييرات؛ فهي قد خسرت عملها وأصبحت عاطلة عن العمل. واجهت الضّحيّة أيضًا صعوبة في إكمال حياتها كزوجة أو أمّ. وكان ابنها قد نشأ بعيدًا عنها ما جعلهُ يعاني من اضطرابات نفسيّة لأنّها قضت عقوبتها في السّجن وهو في أهمّ مراحل حياته. في تلك الفترة، عند زيارة عائلتها لها، كان هناك حاجز زجاجي يفصل السّجينة عنهم، وهذا كان يؤلم ابنها بشدّة حيث كان يود احتضان والدته وحسب.
شهادة الضحية 5
تعرّض الضّحيّة للتّعذيب الشّديد في عدة حالات طوال فترة اعتقاله وسجنه. وعند إطلاق سراحه، بعد قرابة عشر سنوات في السّجن، استغرق الأمر 2-3 سنوات حتّى يتأقلم، لكن رغم هذا لا يزال يعاني أحيانًا. قبل إلقاء القبض عليه، كان الضّحيّة رياضيًّا، ولكن بسبب التّعذيب، تعرض لإصابات خطيرة استدعت العمليّات الجراحيّة والعلاج بعد إطلاق سراحه، فلم يعد بإمكانه متابعة مسيرته الرّياضيّة. هذا ما جعله يشعر أنّه متأخر عن أقرانه دائمًا لأنّ حياته توقّفت لسنوات. علاوةً على ذلك، فقد وظيفته ورُفض طلبه للسّكن. شَعَر الضّحيّة أنّه لم يعد يستطيع إعالة أسرته، وابنه الّذي نشأ بدونه، وزوجته الّتي شعرت بنفورٍ منه بسبب انفعالاته، ما تسبّب بمشاكل متعددة في زواجهما. ساءت حالة والدته النّفسيّة بسبب تعذيبه وسجنه. غالبا ما يشعر الضّحية بالحزن لأنّه كبر، وقد مرّت حياته دون أن يحقّق أيّ شيء لأنّه احتجز تعسفيّا لفترة طويلة.
شهادة الضحية 6
سُجن الشّقيقان، عندما كانا قاصرين، حيث تعرّضا للتّعذيب الجسدي والنّفسي كالضّرب والصّعق بالصدمات الكهربائية والتّهديد والإجبار على تقليد الحيوانات. سُجِن الأخ الأصغر بعد الأخ الأكبر سنًّا، فواجَهَ الأخير صعوبة في رؤية شقيقه الصّغير رهن الحجز، لأنّه كان يعلم بالمعاملة اللّاإنسانية الّتي سيتعرض لها. سلّم الأخ الأصغر نفسه بعد أن كان مطلوبًا من قبل السّلطات، لأنّه شعر أنّه كان يعرّض أصدقاءه للخطر، وطلبت منه إحدى والدات أصدقائه الابتعاد عن ابنها لأنّه كان يعرّض حياته للخطر. بعد إطلاق سراحه، أصبح مزاجيًّا جدًّا، لكنّه كان يشعر بالخجل من إثقال كاهل عائلته كونه لا يعمل لا يستطيع المساهمة بالدخل المادي. تم استدعاؤه وإيقافه بشكل متكرّر من قبل السّلطات، ما جعله يشعر بعدم الأمان ويتجنّب الخروج. لم يعد يهتمّ إن قاموا بإعادة اعتقاله.
الخلاصة
بناء على ما وَرَد، فإنّ للتّعذيب تأثير مؤذٍ على الصّحة العقلية والنّفسيّة للضّحايا، ما يؤثّر على حياتهم بشكلٍ كبير. يمارس المسؤولون البحرينيّون التّعذيب ضد المعتقلين والسّجناء من دون عقاب لإلحاق الأذى الجسديّ والنفسيّ للضّحايا الّذين يكافحون للتّعافي منه لسنوات قادمة. علاوةً على ذلك، حرمت السّلطات البحرينيّة السّجناء من الرّعاية الصّحّيّة النفسية، بعد أن حرمتهم عمدًا من الخدمات الصّحيّة. أمّا خارج السّجن، فأدّت الوصمة الاجتماعيّة ومدى التحوّل الأمنيّ في البلاد إلى رجوع الضّحايا عن طلب المساعدة. نتيجةَ لذلك، يواجه العديد من ضحايا التّعذيب عواقب التّعذيب بأنفسهم دون مساعدة المتخصّصين. إنَّ مئات الأفراد في البحرين يعيشون في خوفٍ، ويأسٍ، وحياة غير مرضيةٍ، لأنّهم عانوا من المعاملة اللّاإنسانية والعنيفة دون الحصول على أي شكل من أشكال العدالة أو الدعم. في ضوء ذلك، وبعد التّشاور مع المعالج الّذي عمل مع ضحايا التّعذيب البحرينيّين، تقدم ADHRB التّوصيات التّالية:
• إجراء تحقيق محايد في مزاعم التّعذيب من أجل محاسبة الجناة.
• وضع برنامج لضحايا التّعذيب للخضوع للتّشخيص، والتّدخل فور إثارة مزاعم التّعذيب.
• تقديم التّعويضات الّتي تشمل العلاج الجسدي والنّفسي لتأثير التّعذيب، وكذلك برامج الدّعم النّفسي لعائلات الضّحايا من أجل توعيتهم وتمكينهم من خلق بيئة آمنة للضّحايا.