ليلى نقولا
ليست المرة الأولى التي يقوم فيها المتطرف السويدي الدنماركي راسموس بالودان بحرق القرآن الكريم في العاصمة السويدية ستوكهولهم، بل قام بذلك أيضاً خلال شهر رمضان المبارك في نيسان/أبريل من عام 2022، ما أثار موجة احتجاجات عارمة في السويد، وأدّى إلى انتشار الفوضى في الشوارع، وحدوث صدامات بين الشرطة والمتظاهرين الغاضبين.
اليوم، وفي معرض الاشتباك اللفظي بين السويد وتركيا، استعاد اليمينيون المتطرفون شعارات الإسلاموفوبيا، ودعوا إلى حرق القرآن كل يوم جمعة، حتى ترضخ تركيا وتوقّع على طلبَي السويد وفنلندا الانضمام إلى حلف “الناتو”.
ويشير عدد من المسؤولين في الغرب إلى أن “حرق المصحف” هو فعل “قانوني” مسموح به بموجب حرية التعبير التي أقرّتها القوانين الأوروبية وكفلها القانون الدولي والمعاهدات الدولية ذات الصلة. لكن، الادعاء بقانونية هذا الفعل يثير إشكالية أساسية جوهرها التمييز بين مفاهيم ثلاثة أساسية تفصل بينها حدود رفيعة جداً هي: حرية التعبير، وخطاب الكراهية، والتحريض على التمييز والعداء والعنف.
حرية الرأي والتعبير
المادة 19 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والمادة 19 من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، كما دساتير عدد من الدول وقوانينها، تكفل كلها حرية الرأي والتعبير، وتنص: “لكل فرد الحق في حرية الرأي والتعبير. يشمل هذا الحق حرية اعتناق الآراء من دون تدخل، والسعي للحصول على المعلومات والأفكار، وتلقيها ونقلها من خلال أي وسائط، وبغض النظر عن الحدود”. وتضع المادة 19 من العهد الدولي فقرة (3) قيوداً على تلك الحرية، فتنص:
– تستتبع ممارسة الحقوق المنصوص عليها في الفقرة 2 من هذه المادة واجبات ومسؤوليات خاصة. وعلى ذلك، يجوز إخضاعها لبعض القيود، ولكن شريطة أن تكون محددة بنص القانون، وأن تكون ضرورية:
(أ) لاحترام حقوق الآخرين أو سمعتهم.
(ب) لحماية الأمن القومي أو النظام العام أو الصحة العامة أو الآداب العامة.
خطاب الكراهية
عرّفت الأمم المتحدة خطاب الكراهية بأنه “أي نوع من الاتصال في الكلام أو الكتابة أو السلوك، يهاجم أو يستخدم لغة تحقيرية أو تمييزية بالإشارة إلى شخص أو مجموعة على أساس مَن هم، وبعبارة أخرى، على أساس دينهم أو عرقهم أو جنسيتهم أو عرقهم أو لونهم أو نسبهم أو جنسهم أو أي عامل هوية آخر”.
وبالرغم من ذلك التعريف الذي أوردته الأمم المتحدة، لم يتم الاتفاق – لغاية الآن – على تعريف عالمي لخطاب الكراهية بموجب القانون الدولي لحقوق الإنسان. وما زالت النقاشات حول هذا التعريف في الإطارين الحقوقي والدستوري مستمرة، خاصة بسبب ارتباط هذا المفهوم بحرية الرأي والتعبير وخشية ناشطي حقوق الإنسان من أن يتحوّل هذا المفهوم إلى وسيلة لقمع حرية الرأي والتعبير المكفولة في إعلانات ومواثيق حقوق الإنسان، وأن تستخدمه الدول لقمع المعارضة والتخلص من المعارضين. ولأجل ذلك، قامت الأمم المتحدة بمحاولة لوضع سمات معينة يمكن من خلالها التمييز بين حرية الرأي وبين خطاب الكراهية وهي:
1- الكلام الذي يحض على الكراهية هو “تمييزي” (متحيز أو متعصب أو غير متسامح) أو “ازدرائي” (متحيز أو ازدراء أو مهين) لفرد أو مجموعة.
2- خطاب الكراهية هو الكلام الذي يحضّ على كراهية أفراد أو مجموعة بسبب هويتهم، بما في ذلك: “الدين، والعرق، والجنسية، واللون، والنسب، والجنس”، وأيضاً خصائص مثل اللغة، والأصل الاقتصادي أو الاجتماعي، والإعاقة، الحالة الصحية، أو التوجه الجنسي، وأمور أخرى كثيرة.
3- يمكن نقل الكلام التحريضي من خلال أي شكل من أشكال التعبير، بما في ذلك الصور والرسوم المتحركة والإيماءات والرموز إلخ…
4- خطاب الكراهية لا يمكن توجيهه إلا إلى الأفراد أو مجموعات الأفراد بصفتهم “الجماعية”. ولا يشمل الانتقاد الذي يوجه إلى الدول وسياساتها أو رموزها أو مسؤوليها العامين، ولا حتى الانتقاد الذي يوجّه إلى الزعماء الدينيين أو انتقاد مبادئ العقيدة.
3- خطاب الكراهية الذي يتضمن التحريض على التمييز أو العداء أو العنف، وهو أمر محظور بموجب القانون الدولي لحقوق الإنسان.
تنص المادة 20 (2) من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية على ما يلي: “يحظر القانون أي دعوة إلى الكراهية القومية أو العنصرية أو الدينية التي تشكل تحريضاً على التمييز أو العداء أو العنف”.
الفارق الرئيسي والجوهري بين هذا المبدأ المحظور وبين ما سبقه، هو فعل “التحريض”. إن مجرد “التعبير” أو “المناصرة” لخطاب موجه ضد مجموعة، لا يتضمن تحريضاً على التمييز أو العداء أو العنف، يدخل في المنطقة الرمادية للقانون الدولي لحقوق الإنسان ومن الصعب تجريمه.
أما حين يتضمن الخطاب تحريضاً واضحاً أو مضمراً (النية الجرمية) أو في حال “تسبب بتأجيج العنف” فإن القانون الدولي يحظّره ويدعو الدول إلى اتخاذ الإجراءات لمنعه، وعادة ما قامت المحاكم بتجريمه (انظر قضية روس ضد كندا، حيث تمّ طرد مدرس بسبب أقواله المعادية للسامية، ورأت المحكمة أن كتاباته ومنشوراته “خلقت بيئة مسمومة”، لذا لا تعدّ من حرية الرأي والتعبير ويعدّ محرضاً على التمييز والعداء).
بالنتيجة، إن حرق القرآن هو عمل يتضمن التحريض على التمييز والعداء والكراهية، وبالطبع العنف، بدليل أنه تسبب في مرات عديدة بعنف متبادل وخلق بيئة معادية للمسلمين بصفتهم الجماعية كمسلمين، ويتضمن عنصرية دينية واضحة، وبالتالي هو عمل محظور في القانون الدولي، ولا يمكن الادعاء بحرية الرأي والتعبير لقوننته واعتباره عملاً مشروعاً.