في كتابه الشهير عن الحرب الشعبية أو ما يُعرف بـ”حرب العصابات”، قسّم الزعيم الشيوعي الصيني “ماو تسي تونغ” هذا التكتيك العسكري الى ثلاث مراحل أساسية: الدفاع الاستراتيجي، المأزق (تهديد شاه الخصم)، والهجوم الاستراتيجي.
وإذا ما تأملنا في مزايا المرحلة المتوسطة تهديد شاه الخصم، التي تتميز في إظهار مدى إرباك العدو، وتنفيذ ضربات مختلفة في الزمان والمكان والأسلوب. فإننا عندئذ نستطيع القول بأن الكيان المؤقت بات يواجه حالياً هذه المرحلة، بحيث باتت أكثرية الخيارات أمامه لمواجهة قوى ودول محور المقاومة، قاسية وصعبة جداً، لأنها ببساطة غير محسومة النتائج بل مفتوحة على احتمالات تهديد وجودي له أيضاً.
وهذا ما يظهر جلياً بعد جريمته في مخيم جنين، وما تبعه من عمليتين نوعيتين للمقاومة الفلسطينية في الداخل المحتل، يفصل بينهما 15 ساعة فقط، تمكن في إحداها الاستشهادي خيري العلقم من قتل 7 مستوطنين وجرح آخرين، فيما فوجئ الاحتلال بعملية نوعية ثانية تحصل في قلب القدس المحتلة، وفي ظل استنفار أمني وعسكري لقواته بدرجات قصوى، عندما قام الاستشهادي محمود عليوات الذي يبلغ من العمر 13 عاماً فقط، بإطلاق النار على مستوطنين، فأصيب ضابط في جيش الاحتلال بجراح خطيرة، بينما أصيب والد الضابط بجراح متوسطة.
هاتان العمليتان وما تبعهما من مواقف تأييد ودعم واسع لدى الشعب الفلسطيني ومن مختلف شعوب ودول المنطقة، خاصةً حركات المقاومة، وضعت مسؤولي كيان الاحتلال أمام واقع صعب جداً. فهم الذين طالما هددوا ما قبل الانتخابات النيابية الإسرائيلية الأخيرة، فأطلقوا الوعود لمناصريهم، وفي مقدمتها، تأمين استقرار الوضع الأمني، ومكافحة عمليات المقاومة الفلسطينية عبر سياسة البطش والقتل بلا قيود، بل وذهبوا الى أبعد من ذلك، من خلال التعهد بالمضي قدماً بسياسات الاستيطان وتهجير الفلسطينيين المرابطين من أرضهم بالقوة، وهو ما قد يفجر الوضع الأمني والعسكري للكيان برمّته.
آراء قادة الاستخبارات السابقين
وهذا ما أكّد عليه رئيس شعبة الاستخبارات – أمان الأسبق الجنرال “عاموس يادلين” حينما قال: “على حكومة نتنياهو الآن أن تقرر ما تريد أن تفعله على الساحة الفلسطينية. إذا كانت تريد الضم وتؤدي إلى دولة واحدة بين البحر والأردن، فعليها أن تعلم أن ما يحدث الآن في القدس هو العرض الترويجي لوضعنا المستقبلي”. مضيفاً بأنّ “على إسرائيل أيضًا أن تقرر ما إذا كنا نريد، في أفعالنا، ربط جميع الساحات. زعيم حماس يحيى السنوار يريد حقاً ربط جميع الساحات. يريد أن يعيش في غزة، حيث يسود السلام وإعادة الإعمار وعمال يذهبون إلى العمل كل صباح. في الوقت نفسه، يؤجج التحريض الذي لا يأتي منه فقط – ولكن أيضًا من بيروت وتركيا وحماس خارج قطاع غزة. على إسرائيل أن تقرر ما إذا كانت ستتعامل مع كل الساحات، ليس فقط ساحة القدس، أو في أحسن الأحوال، فقط يهودا والسامرة (الضفة الغربية).
أما الرئيس السابق لـ “أمان” ومدير معهد دراسات الأمن القومي (INSS) في جامعة تل أبيب الجنرال “تامير هايمان” فقال: “في نفس الوقت، ورغم أن الدم يغلي، على إسرائيل أن تتصرف بهدوء. صور الاحتفالات ورقصة الدم في المدن الفلسطينية تجعل كل واحد منا يمرض. هذه لا تساعد متخذي القرار في اتخاذ قرارات متوازنة، ولكن هذا هو دورهم. قد تؤدي توقعات الحكومة اليمينية برد قاسٍ بشكل خاص إلى إثارة نقاش يخرج عن التوازن ويخرج عن السياق الصحيح. يجب العمل على كبح جماح موجة الإرهاب، وعدم اتخاذ إجراءات تؤدي إلى انفجار واسع النطاق لا مصلحة لإسرائيل فيه”.
قرارات حكومة الاحتلال: فرصة جديدة للمقاومة
يمكننا تلمس حال التخبط لدى مسؤولي الاحتلال من خلال التدقيق في خفايا الإجراءات التي أعلنها مجلس الوزراء الأمني المصغر، وخاصة بندي تسريع وتوسيع نطاق تراخيص الأسلحة النارية، وتعزيز قوات الشرطة والجيش واجراء اعتقالات واسعة النطاق وعمليات لجمع الأسلحة غير مرخصة. فهذان البندان سيتيحان فرصاً مهمة للمقاومة الفلسطينية في الداخل:
_ تأمين غطاء أفضل لحمل الأسلحة بشكل علني، خلال توجههم الى أماكن تنفيذ العمليات، وكذلك بعد انسحابهم.
_ سيعمّ التوتر والخوف والقلق لدى أوساط المستوطنين، وحتى لدى الأجهزة الأمنية والعسكرية، ما يتيح ارتكابهم للهفوات والأخطاء المساعدة للمقاومة.