على خلفية قضيتي كاليدونيا و أرمينيا

تصاعد التوتر بين باكو و باريس

يبدو أن التوتر بين البلدين سيستمر في المستقبل ويمكن أن يؤثر سلباً على العلاقات الثنائية وكذلك على الوضع في المناطق الفرنسية ما وراء البحار

تشهد الساحة الدولية تصعيداً دبلوماسياً حاداً بين فرنسا وأذربيجان في الفترة الأخيرة، حيث تتبادل العاصمتان باريس وباكو اتهامات خطيرة تتعلق بالتدخل في الشؤون الداخلية والسيادة الوطنية. وتأتي هذه التوترات في وقت حساس تمر فيه المناطق الفرنسية ما وراء البحار بتحديات سياسية واجتماعية معقدة، خاصة في كاليدونيا الجديدة التي تشهد حراكاً استقلالياً متصاعداً. وفي خضم هذه الأحداث، برز دور “مجموعة مبادرة باكو” كلاعب جديد في المشهد، مما زاد من حدة التوتر بين البلدين وفتح جبهة جديدة في العلاقات الفرنسية-الأذربيجانية المتوترة أصلاً بسبب الموقف الفرنسي الداعم لأرمينيا.

 

اتهمت باريس مجدداً أذربيجان بالتدخل في الشؤون الداخلية لكاليدونيا الجديدة والمناطق الفرنسية ما وراء البحار الأخرى، وكذلك بـ”عمليات زعزعة الاستقرار”، لكن باكو رفضت هذه الاتهامات.

 

أعلن وزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو مؤخراً أن “مجموعة مبادرة باكو” حاولت مرة أخرى التدخل بشكل مخرب في العمليات السياسية في كاليدونيا الجديدة.

 

وكتب بارو على صفحته في منصة X :”هذه المحاولات الأذربيجانية العقيمة في مناطقنا غير مقبولة ويجب أن تتوقف فوراً.”

 

كما أدان مانويل فالس، وزير المناطق ما وراء البحار الفرنسية، تدخل جمهورية أذربيجان في المناطق الفرنسية ما وراء البحار.

 

وقال فالس في حديث لصحيفة Ouest-France: “أريد أن أدين بشدة تدخل أذربيجان في مناطقنا ما وراء البحار وعمليات زعزعة الاستقرار. إنهم يستحقون الإدانة من الجميع. هذا النظام يهاجم بشكل صريح ودون أي شك سلامة أراضينا ومبادئنا الأساسية. هذا أمر غير مقبول.”

 

باكو ترفض التهم

 

رداً على اتهامات جان نويل بارو، وزير الخارجية الفرنسي، ضد أذربيجان، رفضت باكو هذه الاتهامات بشدة وأدانتها.

 

واعتبر آيخان حاجي زاده، المتحدث باسم وزارة الخارجية الأذربيجانية، تصريحات بارو محاولة للتستر على لامبالاة فرنسا تجاه مطالب شعب كاليدونيا الجديدة، ودافع عن نشاط “مجموعة مبادرة باكو”.

 

وكتب حاجي زاده على صفحته في منصة X: “فرنسا هي التي تتدخل دائماً في الشؤون الإقليمية وتحاول تخريب عملية السلام والاستقرار التي تسعى إليها أذربيجان. مجموعة مبادرة باكو تسعى لتوعية الرأي العام حول السياسات الاستعمارية الفرنسية والمشاكل في مناطقها ما وراء البحار.”

 

 “الجبهة الدولية للاستقلاليين”

 

في 23 و24 يناير، اجتمع ممثلو الحركات الاستقلالية من المناطق الفرنسية ما وراء البحار وكورسيكا في كاليدونيا الجديدة وأسسوا “الجبهة الدولية للاستقلاليين”.

 

تم التوصل إلى اتفاق لإنشاء مثل هذه “جبهة الحرية” في يوليو 2024 خلال اجتماع نظمته “مجموعة مبادرة باكو” في باكو.

 

“مجموعة مبادرة باكو”، التي تأسست في يوليو 2023 بهدف مكافحة “الاستعمار الفرنسي”، دعمت إنشاء “الجبهة الدولية للاستقلاليين” وأنشطتها المستقبلية.

 

أعلن عباس عباسوف، المدير التنفيذي للمجموعة، دعمه لهذه المبادرة في رسالة فيديو وجهها إلى هذا الاجتماع في 24 يناير.كما ذكّر بأن إلهام علييف، رئيس أذربيجان، “أدان بصراحة الجرائم ضد شعب الكاناك وأعلن دعمه للمناطق الخاضعة للاستعمار الفرنسي.”

 

تصاعد التوتر

 

في حين يستمر التوتر بين جمهورية أذربيجان وفرنسا بشأن مناطق ما وراء البحار الفرنسية، تواصل باكو أعمالها الاستفزازية ضد باريس.

 

في نوفمبر الماضي، اتهم إلهام علييف، رئيس أذربيجان، خلال مؤتمر COP29 في باكو، فرنسا وهولندا بالاستعمار، كما اتهم “حكومة ماكرون” بارتكاب جرائم ضد المتظاهرين وانتهاك حقوق الإنسان في كاليدونيا الجديدة.

 

في 21 يناير، عُقد اجتماع في باكو بعنوان “استقلال ريونيون: نظرة على الإرث الاستعماري الفرنسي ومسار السيادة” خُصص لموضوع ريونيون، إحدى المناطق الفرنسية ما وراء البحار.

 

تأتي هذه الإجراءات الأذربيجانية في وقت اتهمت فيه فرنسا باكو مراراً بالتدخل في الشؤون الداخلية لمناطقها ما وراء البحار. يبدو أن أذربيجان تهدف من خلال هذه الإجراءات إلى الانتقام من فرنسا بسبب دعمها لأرمينيا. كما قد تسعى باكو إلى إضعاف موقف فرنسا في المناطق ما وراء البحار وتحريض الحركات الاستقلالية في هذه المناطق.

 

في كل الأحوال، يبدو أن التوتر بين البلدين سيستمر في المستقبل ويمكن أن يؤثر سلباً على العلاقات الثنائية وكذلك على الوضع في المناطق الفرنسية ما وراء البحار.

 

في حين تدهورت العلاقات بين جمهورية أذربيجان وفرنسا بسبب دعم باريس لأرمينيا، اتهمت فرنسا في الأشهر الأخيرة باكو مراراً بالتدخل في الشؤون الداخلية لكاليدونيا الجديدة والمناطق الأخرى ما وراء البحار.

 

في 6 يناير، قال إيمانويل ماكرون، رئيس فرنسا، في خطابه أمام مؤتمر السفراء في باريس إن فرنسا واجهت “تدخلاً غير مقبول” من جمهورية أذربيجان في معظم مناطقها ما وراء البحار، وخاصة في كاليدونيا الجديدة.

 

وأضاف ماكرون أن “أذربيجان التي لا يمكنها أن تفهم أن فرنسا تدعم القانون الدولي وأرمينيا، تعتقد أنها يمكن أن تحل المشكلة بهذه الطريقة”.

 

فرنسا تزعزع استقرار جنوب القوقاز

 

رداً على تصريحات إيمانويل ماكرون، رئيس فرنسا، بشأن تدخل جمهورية أذربيجان في الشؤون الداخلية للمناطق الفرنسية ما وراء البحار، أعلنت باكو أن “الاتهامات التي لا أساس لها والتصريحات الاستفزازية لماكرون التي تحرف الحقائق غير مقبولة وأن فرنسا تسعى إلى زعزعة استقرار منطقة القوقاز.”

 

في مايو 2024، وفي أعقاب الاضطرابات في كاليدونيا الجديدة، اتهمت باريس باكو بالتدخل في هذه الاضطرابات. وأعلنت “في جي نوم”، الخدمة الحكومية الفرنسية لمكافحة التدخلات الرقمية الأجنبية، أن أذربيجان أطلقت حملة على وسائل التواصل الاجتماعي لتشويه سمعة فرنسا.

 

إن تطور الأحداث بين فرنسا و جمهورية أذربيجان يكشف عن تعقيد العلاقات الدولية في عالم متعدد الأقطاب، حيث تتشابك المصالح السياسية مع القضايا الإقليمية والتاريخية. فالصراع الذي بدأ حول دعم فرنسا لأرمينيا امتد ليشمل قضايا أكثر حساسية تتعلق بالإرث الاستعماري الفرنسي ومستقبل مناطقها ما وراء البحار. وبينما تواصل باكو تحركاتها الدبلوماسية والإعلامية المناهضة للمصالح الفرنسية، تجد باريس نفسها في موقف يتطلب منها موازنة دقيقة بين الحفاظ على نفوذها في مناطقها ما وراء البحار وبين استمرار دورها كلاعب مؤثر في منطقة القوقاز. ومع استمرار هذه التوترات، يبدو أن العلاقات بين البلدين تتجه نحو مزيد من التعقيد والتأزم، مما قد يكون له تداعيات إقليمية ودولية أوسع نطاقاً في المستقبل القريب.

 

 

المصدر: الوفاق