خبير في العلاقات الدولية والإعلام لـ "الوفاق":

الثورة الإسلامية.. تحوّل جذري في تاریخ المنطقة والعالم

خاص الوفاق: بشير: العباس(ع) هو الرمز الخالد للایمان والشجاعة والایثار في التاریخ الاسلامي، وأصبح قدوة وأنموذجاً ورمزاً لكل المجاهدین والمقاومین والحركات الاسلامیة.

2025-02-03

موناسادات خواسته

 

تمر علينا أيام عشرة الفجر المباركة وذكرى إنتصار الثورة الإسلامية التي تتزامن مع أيام ميلاد الأنوار المحمدية، ومن جهة أخرى نشهد في هذه الأيام أيضاً إنتصار المقاومة في غزة ولبنان، فبهذه المناسبة وفي يوم ميلاد باب الحوائج أبالفضل العباس(ع)، أجرينا حواراً مع الأديب والخبير في العلاقات الدولية والإعلام وتحليل الخطاب الدكتور “حسن بشیر” أستاذ جامعة الإمام الصادق(ع) في طهران، وتحدثنا معه حول انتصار الثورة الإسلامية والمقاومة، فيما يلي نصّه:

 

 

سِر إنتصار الثورة الإسلامية

 

بداية سألنا الدكتور حسن بشير عن رأيه حول سِر إنتصار الثورة الإسلامية، فهكذا رد علينا بالجواب: لم تكن الثورة الإسلامية في إيران حدثاً عابراً وصغیراً ومجرد تغيير في نظام الحكم. وانتصارها أیضاً لم یكن قضیة یمكن أن نختصرها بعوامل وأدلة قلیلة. إن انتصار الثورة الاسلامیة في ایران عام 1979وتأسیس الجمهوریة الاسلامیة علی ید قائدها الإمام الخميني(قدس) هو نتیجه لعوامل عدیدة متراكمة وبعیدة المدى في تاریخ المجتمع الایراني وحتی سائر الدول الاسلامیة التي عانت من حكامها آنذاك انواع الظلم والاستبداد. انها كانت تحولاً جذریاً في تاریخ المنطقة كلها وحتی علی المستوی العالمي.

 

لقد نجحت الثورة في كسر الهيمنة الغربية وأعادت الإسلام إلى صدارة المشهد السياسي العالمي. والآن وبعد مرور عقود، لا یزال تأثیرها واضحاً في المنطقة وعلی الصعید العالمي رغم كل الضغوطات والعقوبات والتحدیات التي واجهتها من قبل الدول الغربیة وعلی رأسها امریكا وسوف تبقی ایران قوة إقلیمیة فاعلة ومؤثرة بل قوة عالمیة تساهم في رسم الخطوط الأساسیة في موازنة السیاسات العالمیة.

 

باختصار یمكنني أن أطرح بعض المحاور المهمة التي تكشف عن أسرار إنتصار الثورة الإسلامیة في ایران:

 

1- ظلم الشاه المقبور واستبداده: تمیّز نظام الشاه المقبور رضا بهلوي وبعده إبنه محمد رضا بهلوي بالظلم والإستبداد والقمع السیاسي والإجتماعي. في نظام عائلة بهلوي لم یکن للحریة مکانة في المجتمع الایراني. تقیید الحریات وسجن المعارضین السیاسین ورجال الدین وغیره کان هو الهدف الأول لهذا النظام حتی یستطیع أن یسیطر علی الشعب الایراني.

 

جهاز المخابرات الإیراني المسمی بالسافاك كان اكثر الاجهزة الأمنیة قمعاً وتهمیشاً في العالم مما أثر كثیرا في إزدیاد كراهیة الشعب للنظام الملكي الحاكم في ایران.

 

2 تبعیة نظام الشاه للغرب ونهب ثروات الشعب: الشاه المقبور بكل معنی الكلمة كان عمیلاً للولایات المتحدة وبریطانیا. في عهد هذه العائلة كانت ایران أیضاً في كل سیاساتها وقضایاها الداخلیة والدولیة تابعة بشكل شبه كامل لهاتین الدولتین الغربیتین. في هذا النظام تم استغلال النفط من قبل الشركات الإجنبیة ولم یكن للشعب الایراني إلا نصیباً لا یذكر من هذه الموارد. الثقافة الإسلامیة كانت مطرودة ومشروع التغریب القسري ومحاربة الحجاب وأمثاله كان هو الهدف الأساسي لهذا النظام الظالم. ومن الطبیعي أن یعارض الشعب هذه المشاریع الأجنبیة المغایرة للروح الإسلامیة والثقافة العامة ویحاول بكل جهده لإسقاط هذا النظام.

 

3 الوعي المتزاید السياسي والاجتماعي للشعب الایراني: حینما یزداد الظلم في اي مجتمع نری ان العلماء والمثقفين والخطباء الواعین یحاولون ان ینشروا الفكر الثوري المقاوم ضد الظلم والاستبداد. وهذا هو ما جری في المجمتع الایراني.

 

ثم إن تطور وسائل الإعلام وخاصة الکاسیتات التي کانت تحتوي علی خطب الإمام الخمیني(قدس) بشکل خاص وحتی سائر العلماء زاد في وعي الشعب الإیراني وإیمانه بضرورة تغییر النظام. وازداد نشاط المثقفین وخاصة في الجامعات والمساجد لنشر الثقافة والفکر الإسلامي الثوري مما أثّر کثیراً في تصعید القوة الثوریة للشعب الإیراني ضد نظام الشاه المقبور.

 

4– القيادة الكاريزمية للإمام الخميني(قدس): أستطیع ان أقول بقوة وصراحة واضحة إن قیادة الإمام الخميني(قدس) علی مدی الأعوام الطویلة هو العامل الأساسي والمباشر لإنتصار الثورة الإسلامیة في إیران. كان للإمام الخمیني(قدس) شخصیةكاریزمیة قویة، استطاعت ان توحد الفئات المختلفة الإجتماعیة والسیاسیة والدینیة تحت رایة واحدة في ایران.

 

إن الإمام الخمیني(قدس) لم یکن مجرد عالم وقائد دیني، بل کان عالماً مفکراً مجتهداً یمتلک قدرة ورؤیة واضحة لنظام الحکم الإسلامي القائم علی مبدأ “ولایة الفقیه”. هذه القدرة الفکریة المبتنیة علی أُسس إسلامیة هي التي حرکت الجماهیر وکانت هي الأساس في إنتصار الثورة الإسلامیة.

 

مكانة الثورة الاسلامیة في المنطقة

 

حول مكانة الثورة الاسلامیة في المنطقة بعد مرور عقود علی انتصارها، يقول الدكتور بشير: یمكنني أن أطرح بعض المحاور المهمة باختصار.

 

إن الثورة الإسلامیة في ایران لا تزال بعد اكثر من أربعة عقود علی انتصارها في ایران، تلقی وتحظی بأهمیة كبیرة علی المستوی الإقلیمي والعالمي.

 

وأتصور إننا لا یمکننا أن نغض النظر عن أهمیتها في إحداث تغییرات جذریة وأساسیة في المنطقه أو نغفل عن ذکر مما قامت به طوال هذه السنوات الماضیة والتي ستبقی حیّة وذات أهمیة کبری في المستقبل أیضاً.

 

1– إحياء الهوية والثقافة الإسلامية وتعزیز السيادة الوطنية: كان هو الهدف الأساسي للثورة الإسلامیة وحینما انتصرت الثورة، كان لها الأثر الكبیر علی العدید من شعوب المنطقة وألهمت الحركات التحریریة الثوریة أن تسعى بقوة لمعارضة النفوذ الغربي والتبعیة الموجود في أنظمة حكوماتها.

 

2– مقاومة الهيمنة الغربية وخاصة الامریكیة: عرف الشعب الایراني بوضوح إن العدو الرئیسي لإیران هي الولایات المتحدة وتبنّت سیاسة مستقلة رصینة ضد النفوذ والهیمنة الأمریكیة. وطبیعي أن تری أشدّ العقوبات الإقتصادیة وأنواع المؤامرات السیاسیة والإجتماعیة.

 

رغم هذه الضغوط، نجحت إيران في تطوير قدراتها العسكرية والإقتصادية، وأصبحت قوة إقليمية لا يمكن تجاهلها.

 

3-التطورات العسكرية والتكنولوجية والفنیة: ایران الیوم رغم كل الضغوط والعقوبات التي شهدتها من النظام الأمریكي وأعوانه في المنطقة وعلی الصعید العالمي، حققت تطورات عسكریة وتكنولوجیة وفنیة هائلة حتی أصبحت تمتلك قدرات متقدمة ومتفوقة في الصناعات المختلفة مما جعلها لاعباً قویاً ومؤثراً في جمیع المعادلات السیاسیة والأمنیة في المنطقة وحتی علی الصعید العالمي.

 

4– تعزیز المقاومة وتحكيمها في المنطقة: من أهم ما قامت به ایران بعد انتصار الثورة الاسلامیة هو الدعم الأساسي والرئیسي لحركات المقاومة في المنطقة في فلسطین ولبنان والعراق والیمن وغیرها مما جعل المقاومة تكون قوة حقیقیة تواجه كل التحدیات بوعي وقدرة لا یمكن أن یتغافل عنها الأعداء.

 

العباس(ع) رمز لكل المجاهدين

 

يصادف اليوم ميلاد باب الحوائج اباالفضل العباس(ع)، فسألنا الخبير الإيراني عن رأيه فيما يتعلق بكيفية اتخاذ مجاهدي المقاومة أنموذجاً منه، فقال الدكتور بشير: “باب الحوائج” هو الإسم المعروف لأبي الفضل العباس(ع) الذي هو الرمز الخالد للإیمان والشجاعة والإیثار في التاریخ الاسلامي. أبو الفضل العباس جسّد في كربلا، حین وقف كل الاسلام امام كل الكفر والالحاد أنذاك، أسمی معاني التضحیة والفداء والایثار عندما قدم نفسه ودمه قرباناً في سبیل الله ونصرة إمامه الامام الحسین(ع). لذلك اصبح قدوة وأنموذجاً ورمزاً لكل المجاهدین والمقاومین والحركات الاسلامیة في فلسطین والعراق والیمن ولبنان وكافة الاقطار الاسلامیة.

 

لا یمكننا ان نحصي صفات أبي الفضل العباس(ع) ولكن یمكننا ان نذكر بعض أبرز صفاته التي أثرت علی المقاومة الاسلامیة وألهمتها روح الجهاد والنضال والتضحیة. الایمان الكامل بالاسلام، الوفاء لإمامة الامام الحسین(ع)، الإیثار والتضیحة بالنفس، الشجاعة والإقدام في القتال، البصيرة والوعي العميق، الوفاء للقضية وعدم الاستسلام والروح الإيمانية العالية هو من أبرز صفات أبي الفضل العباس(ع).

 

المقاومة الاسلامیة والمجاهدون، استلهموا جهاد ومقاومة أبي الفضل العباس(ع) في حركاتهم ونضالهم وصمودهم امام الظلم والاستبداد وكان هذا هو من اهم العوامل في انتصار المقاومة في المنطقة لأنه كان قدوة في طریق الجهاد والصمود أمام الظلم.

 

سر إنتصارات جبهة المقاومة

 

اما حول سر إنتصارات جبهة المقاومة في المنطقة يقول الدكتور بشير: یمكنني ان اطرح بعض المحاور المهمة باختصار والتي یجب ان نبحثها في المستقبل بشكل تفصیلي لأهمیتها وقدرتها علی تغییر الكثیر من سیاسات المنطقة والعالم.

 

1 العقيدة الثابتة والإيمان بالنصر: المجاهدون في فلسطین و لبنان علی سبیل المثال، یقاومون العدو ویقاتلون بعقیدة ثابتة وایمان قوي بالنصر وسیرهم في طریق الحق.

 

وهذه العقیدة الثابتة والإیمان بالنصر هو الذي یمنحهم قوة کبیرة معنویة وجهادیة تجعلمه أن یتحدوا أقوی الجیوش کما کان أبي الفضل العباس(ع) یقاتل وهو مؤمن بأن الموت في سبیل الله هو فوز عظیم.

 

2-الصبر والصمود رغم الحصار الظالم والاغتیالات العدیدة: اننا نعرف جمیعا كما كان أبي الفضل العباس(ع) صامدًا رغم فقدان يديه وجراحه العميقة، فإن المقاومة الاسلامیة في المنطقة بقيت صامدة رغم الحصار الاقتصادي، والقصف المتواصل، والاغتيالات العدیدة وهذا الامر لم یتمكن حتی الأعداء الصهاینة من إنكاره.

 

3-إنهيار الروح المعنوية للاعداء وخاصة العدو الصهیوني: من أهم أسباب وعوامل نجاح المقاومة إضعاف الروح القتالیة للعدو الصهیوني والتي أقر هذا الأمر كثیر من جنودهم. أنهم کانوا یخشون المواجهة المباشرة مع رجال المقاومة وکانوا في حالة رعب مستمر.

 

4-الدعم الشعبي الواسع للمقاومة الاسلامیة: كذلك من أهم عوامل استمرار المقاومة وقوتها وانتصارها هي إنها تحظی بدعم شعبي واسع من كافة المجتمعات الاسلامیة، کما هو العباس(ع) في کربلاء محبوباً ومحترماً من قبل معکسر وجنود الامام الحسین (ع). وإنني أعتقد لیس من الممکن أن تنکسر وتسقط رایة المقاومة الإسلامیة ما دام فیها رجال یحملون روح العباس (ع) في جهاده ونضاله ووفائه.

 

دور وسائل الإعلام في الثورة الإسلامية

 

فيما يتعلق بدور وسائل الإعلام في الثورة الإسلامية وتحليل خطاب الثورة الإسلامية، يقول الأستاذ بشير:  كان للإعلام دوراً مهما في انتصار واستمرار الثورة الاسلامیة في ایران. فقبل انتصار الثورة الاسلامیة كان للكاسیت دور مهم في نقل خطابات الامام الخميني(قدس) إلی الشعب الإیراني مما جعل العالم أن یسمي هذه الثورة انتساباً للكاسیتات بـ “ثورة الكاسیت”. إنه الوسیلة الاعلامیة الصغیرة التي لعبت دوراً مهماً في إنتصار الثورة الإسلامیة كما لعبت أیضاً وسائل الاعلامیة التقلیدیة وغیر التقلیدیة أمثال المسجد والحسینیات وما شابه ذلك دوراً مهما في هذا المجال.

 

هنا أحاول أن أعطي بعض الأمثلة للوسائل الإعلامیة المهمة في هذا الأمر والتي حاول النظام الملکي أن یُخفق صوت هذه الوسائل، إلّا أن صوت الإمام الخمیني(قدس) کان أقوی من کل المؤامرات والتحدیات.

 

تسجيل خطابات الإمام الخميني(قدس) وانتشار الرسائل الثورية منه في جمیع أنحاء إیران. نشر الصحافة السرية والمنشورات الثورية والتحلیلات السیاسیة وخاصة حول تبعیة النظام للدول الغربیه وعلی رأسها أمریکا وظلم عائلة بهلوي. نشر أفكار الثورة الإسلامية وتعاليم الإمام الخميني، الدعوات المستمرة للمشاركة في المظاهرات والإضرابات ضد النظام الحاکم، الخطابات الثوریة في المساجد والحسینیات، دور الإعلام الدولي في تسليط الضوء على الثورة وشرح ما یجري في ایران في أیام الثورة الإسلامیة، إستخدام لغة بسيطة وقوية تحرك الجماهير ویفهمها ویتعامل معها الکثیر من الناس. ثم کان لإذاعة “صوت الثورة الإسلامیة” أیضاً دوراً مهماً في تنظیم الحرکة الشعبیة ضد نظام بهلوي المقبور وإسقاطه. هذه الإذاعة تأسست قبل سقوط نظام الشاه المقبور بمدة لم تکن طویلة لکنها کانت مهمة في تعبیئة الشارع للمساهمة في إسقاط النظام الدیکتاتوري.

 

في الختام یجب التأكيد ان نجاح الثورة الاسلامیة في ایران كان إلی حد كبیر لأسباب عدیدة اهمها قیادة الامام الخميني(قدس)، ووحدة الشعب الایراني، وفهمه للإسلام وإیمانه القوي في الجهاد والمقاومة التي إستلهمها من امامه العظیم الامام الحسین(ع) أبو الشهداء، والطریقة التي استفاد منها لنشر الخطابات والثقافة الاسلامیة عبر الكاسیت والمسجد والحسینیة وما شابه ذلك. والاهم من كل هذا هو ان الثورة كانت اسلامیة باشراف علمائها المجاهدين والمجتهدين الذین وقفوا لنصرة الامام الخميني(قدس) في جهاده ونضاله وصموده ضد الظلم والإستكبار.

 

المصدر: الوفاق/ خاص