موناسادات خواسته
النشيد والموسيقى كنسيم الربيع يدخل النفوس بدون استئذان، والأناشيد الثورية لها عبق خاص بنكهة الثورة والتضحية من أجل الأهداف السامية. تمر علينا أيام عشرة الفجر المباركة، وربيع الثورة الإسلامية في وسط الشتاء، وهناك مهرجانات فجر الدولية التي تُقام واحدة تلو الأخرى، فعلى أعتاب مهرجان فجر الدولي للموسيقى وذكرى إنتصار الثورة الإسلامية، إغتنمنا الفرصة وأجرينا حواراً مع المنشد الثوري الإيراني السيد “محمد كُلريز” الذي تم تسجيل صوته ضمن التراث الشفوي لإيران من قبل منظمة التراث الثقافي، وينشد الموسيقى التقليدية الإيرانية بصوت رائع جداً، وكذلك الأناشيد الثورية بحماس خاص، حيث يكرر أناشيده الجميع، ولا تُنسى أناشيده التي أنشدها خلال أيام الثورة الإسلامية وكذلك في فترة الدفاع المقدس، وهو من أبرز المنشدين الإيرانيين، وتم عمل فيلم وثائقي عن حياته، فكان الحديث عن الموسيقى الإيرانية والأناشيد الثورية، وفيما يلي نص الحوار:
الفن والموسيقى الإيرانية
بداية سألنا الأستاذ “كُلريز” عن رأيه حول الموسيقى والفن، وخاصة مكانة الموسيقى الإيرانية في العالم، فهكذا أبدى عن رأيه قائلاً: أرى الفن أنه نعمة من الله على بعض الناس، وهذا أمر يمكن تقديره بشكل كبير، فهناك كثير من الناس لديهم القليل من الموهبة، ولديهم بعض المعرفة بالأمور الفنية، ويكمل ذلك بالتعليم والقضايا المختلفة، ولكنني أعتقد أن هذه النعمة يمن بها الله على عباده في المرحلة الأولى، ويجب علينا أن نستخدم هذا الفن على أفضل وجه، على طريق الخير والفن النبيل.
فيما يتعلق بالفن، يجب أن أقول إن أحد أبعاد الفن هو الموسيقى، وفي رأيي أن الموسيقى من أكثر الفنون تأثيراً والتي يمكن أن يكون لها تأثير كبير على الجمهور، لأنه عندما يتم إنتاج فيلم أو مسلسل، يكون له أيضاً موسيقى تصويرية، في النهاية ينتهي ذلك المسلسل أو الفيلم، لكن تلك الموسيقى التصويرية تبقى في الأذهان، وكلما سمعوا تلك الموسيقى التصويرية، تذكّروا ذلك المسلسل ومحتواه.
ويتابع الأستاذ: فيما يتعلق بالموسيقى الإيرانية أقول كل دول العالم بلا استثناء تستمد موسيقاها من إيران، ولدي أمثلة لذلك، لدينا الآن موسيقى “الروك الهندية” في نظام موسيقى “الماهور”، أو لدينا الحجاز في نظام موسيقى “الشور”، “الحجاز” كلمة عربية، لماذا تسمى “حجاز”؟
أو على سبيل المثال، “الروك الهندية” هي كلمة هندية، لماذا سميت هندية؟ لأن هذه الموسيقى سُميت باسم نفس البلد نتيجة للتبادل الثقافي بين إيران والدول الأخرى، ولكنها كانت في الأصل جزءاً من الموسيقى الإيرانية، على سبيل المثال، في الموسيقى الكلاسيكية، لدينا موسيقى “ماجور” وموسيقى “مينور”، وموسيقى “ماجور” تعني مقياساً وخطوة كبيرة، أي “ماهور”، والمينور تعني مقياساً وخطوة صغيرة، أي “بيات إصفهان”.
مهما بحثنا نجد أن الكثير من الموسيقى العالمية تنحدر من الموسيقى الإيرانية، ولكن للأسف رغم أن لدينا فنانين جيدين للغاية في هذا المجال، إلا أنه بسبب الدعاية السامة التي يمارسها الأعداء، إنخفض إنتاج الموسيقى الإيرانية، وفي المقابل هناك موسيقى لا شعر فيها ولا معنى ولا لحن، والاستماع إليها يؤلم الأذن فقط.
سواء أحببنا ذلك أم لا، نحن الآن في حرب ثقافية وفنية، وقائد الثورة الإسلامية يتحدث عن هذه القضية أيضاً في بعض اللقاءات بكل وضوح وشفافية ويؤكد على أن مؤسسي الثقافة يستطيعون تقديم الأعمال الجيدة، لا يهم إن كانت على شكل فيلم أو مسلسل أو فيلم وثائقي أو أي شيء آخر، لأن لدينا مصادر جيدة جداً فيما يتعلق بالقضايا الإيرانية.
ولكن الآن يدور حديثنا حول الموسيقى الإيرانية، ونحن بحاجة إلى أن نبرز في هذه الحرب الثقافية والفنية الدائرة، وأفضل طريقة لذلك هي استخدام الموسيقى الإيرانية. على سبيل المثال، قبل خمسين أو ستين عاماً، أنشد الراحل “بَنان” نشيد “إي إلهه ناز” ولكن الجميع ما زالوا يرددونها، وأعتقد أنه يتعين علينا بذل الجهد في هذا المجال، واستخدام هذه الموارد والثروات الممتازة التي نمتلكها في مجال الموسيقى الإيرانية.
أنا أقوم بتدريس رديف الموسيقى الإيرانية، ورأيت أنه حتى قبل الإسلام، كان لدينا فنانون وملحنون مثل “باربَد” و “نكيسا”، وكان العديد من الفنانين يؤلفون الموسيقى ويرددون الشعر أثناء احتفالات “مهركان” وما إلى ذلك. إن تاريخنا في مجال الموسيقى والتعبير والكلام والشعر وما شابه ذلك يعود إلى آلاف السنين.
وبغض النظر عن الأسباب التي أسوقها، فإن هذا لا يزال غير كافٍ للموسيقى الإيرانية. يتعين علينا أن نتكاتف ونعزز هذه الموسيقى وننميها، وأنا على يقين من أن الجميع سوف يلاحظها عندما ننتجها.
اعتقد أنه كل ما نطعمه للجمهور عبر الفضاءات الإفتراضية أو التلفزيون أو الراديو أو أي مكان آخر، في النهاية، عندما يتم تكراره، سينجذب إليه المراهق أو الشاب. أنا لست ضد موسيقى البوب، ولكنني لا أحب هذه الموسيقى التي ليس لها محتوى ولا شعر، وبالتأكيد إذا ازدهرت هذه الموسيقى التي ليس لها محتوى، فإننا سوف نعاني بكل الطرق، وسوف يكون ذلك ضاراً بالثقافة والفن والمظهر.
الموسيقى ليست مجرد موسيقى نستمع إليها. فعندما يتم تكرار مقطوعة موسيقية وتحليلها، سيذهب هذا الشاب أو المراهق في النهاية إلى وضع صورة للمنشد الذي يحبه في غرفته وتقليد مكياجه وسلوكه ويتأثر بذلك. وعندما تكون هناك دعاية مكثفة حول منشد معيّن أو يتم ملاحظة عمله، سيتجه شبابنا في النهاية إلى هذا المسار أيضاً، وقد رأيت العديد من الأمثلة، إن تكرار الموسيقى المبتذلة يفسد عقول الكثير من الشباب.
الموسيقى وجائزة الأربعين العالمية
من جهة أخرى قبل فترة أقيم حفل ختام جائزة الأربعين العالمية التي أضيف لها هذا العام قسم الموسيقى والأنغام، وكان الأستاذ كُلريز حكم هذا القسم، فسألناه عن ذلك، حيث قال: من الأمور الجيدة التي قامت بها رابطة الثقافة والعلاقات الإسلامية ووزارة الثقافة، هي جائزة الأربعين العالمية التي أقيمت في مجالات مختلفة، وكنت أنا الحَكَم في قِسم الصوت والأنغام، وشارك فيها العديد من المنشدين الدينيين، واخترنا بعضهم.
وكان هناك حكّام آخرون في أقسام الصور والكتب، وفي المجمل كان مهرجاناً جيداً جداً وذا معنى، وأعتقد أن هذا المهرجان يجب أن يتكرر، مما سيجعل الناس الذين لديهم جذور دينية يأتون إليه وهذه القضايا، وحركة عاشوراء سوف تنتشر بين الناس، وهذا سيجعل هذه القضية لها تأثير أكبر بين مختلف شرائح الناس، بما في ذلك الشباب والمراهقين، وسوف يميلون إليها.
فيما يتعلق بموضوع الحرية، سأذكر قصيدة للشاعر الإيراني “خوشدل” مثيرة للإهتمام للغاية، وجاء فيها: “إن الفلسفة العظيمة لمـَلِك الدين هي أن الموت الأحمر أفضل من الحياة بالخزي.. والحسين(ع) هو تجسيد الحرية والتحرر.. طوبى لمن كانت إيديولوجيته ودينه مثل هذا…”.
عندما يقرأ المرء هذه القصيدة، فإنه يستشعر إرتباطاً وثيقاً بين قضايا كربلاء والأربعين والحركة الحسينية. ولابد أن نروّج لهذه القضايا ونرعاها لدى كثير من الناس في مختلف أنحاء العالم، ومن المثير للإهتمام أن المشاركين في الجائزة كانوا من مختلف أنحاء العالم. وهذا أمر جيد للغاية ويمكن أن يكون له انعكاس جيد للغاية فيما يتصل بموسيقانا الطقسية والدينية أو قضايانا المذهبية وعاشوراء.
أعتبر هذا فأل خير وأنا سعيد بمشاركتي في هذه الجائزة العالمية، وإن شاء الله ستقام بشكل أقوى في السنوات القادمة، ومن المؤكد أنه سيترك أثراً طيباً جداً على الشباب والمراهقين، لأننا نعاني حالياً من أشد الدعاية الثقافية والدينية المبتذلة، لأن أعداءنا أدركوا أنهم لا يستطيعون مواجهتنا بالحرب، وللأسف يروّجون ويتسللون بالحرب الثقافية الناعمة.
سُئلت ذات مرة: “ما هي خطوتك الأولى إذا أصبحت رئيساً؟” قلت إن وظيفتي الأولى هي الثقافة، لأن كل القضايا تندرج ضمن نطاق الثقافة، وعندما تضع شخصاً فنياً وأخلاقياً في منصب في مجال تخصصه، تحدث أمور طيبة.
الأناشيد الثورية
بعد ذلك دار الحديث عن الأناشيد الثورية، فقال الأستاذ كُلريز: إن الأناشيد الثورية تثير ذكريات الجميع، وخاصة الشهداء الأعزاء الذين كانوا ثروتنا الحقيقية، ويجب أن لا ننسى تكريم هؤلاء الأبطال الذين ضحوا بأفضل ما لديهم وأرواحهم من أجل رفعة إيران الحبيبة.
لقد فعلوا ذلك بالفعل، وعندما تنظر إلى ذلك، ترى مدى الإهتمام الذي حظي به هؤلاء من قبل المحررين ومدى التقدير الذي حظوا به من قبل الأشخاص الذين يقاتلون من أجل الإنسانية والحرية.
“هذه صرخة الحرية”
أما حول نشيد “هذه صرخة الحرية” يقول الأستاذ كُلريز: كنا نأخذ موسيقى الثورة الأولى من حناجر الشعب النقية.
رحم الله الأستاذ “احمدعلي راغب” الملحن الثوري، كان بيتنا قريباً من بيت الأستاذ راغب في شارع “إيران” زقاق “سَقّاباشي”، ولم تكن الثورة قد انتصرت بعد وأذكر أن المواجهات كانت عنيفة بين الثوار والذين ضدهم وكنت كمواطن أشارك في هذه المسيرات وأستمع لأرى ما هي الشعارات التي كانت ترفع في المسيرات.
وكنت أنتبه وأختار من الشعارات، مثلاً من الشعارات التي كان الناس يهتفون بها أثناء المسيرة، هي “الله أكبر خميني رهبر” أي “الله أكبر خميني قائد”، حيث كان الناس يقبضون على قبضاتهم ويرددون هذا الشعار، رحم الله الشاعر “حميد سبزواري”، وطلبنا منه أن يكتب قصيدة عن هذا، فكتب قصيدة “اين بانك آزادي است” أي “هذه صرخة الحرية”، بشعار “الله أكبر خميني رهبر”، فخلقنا هذه الأنشودة من قلوب الناس وحناجرهم الطاهرة.
والأنشودة كانت من تأليف الأستاذ راغب وأنا أنشدتها، أو حتى أعمال أخرى، مثلاً عمل آخر إسمه “نيايش” حيث كان الناس يقولون “الله يا الله” لأن الجمهور كانوا يعرفون هذا الشعار ويدعون لصحة الإمام الخميني(قدس)، وعملنا نشرها على شكل أنشودة “نيايش” أي “الدعاء” يردد فيها هذا الشعار، أو نشيد “برخيزيد” أي “إنهضوا” التي تم إنشادها في جنة الزهراء(س) وبجانب الشهداء على بعد خطوات قليلة من الإمام الخميني(قدس) حينما جاء إلى هناك، أو مثلاً نشيد “خميني يا إمام” التي لم أكن في تلك المجموعة، وأنشدتها مجموعة أخرى عندما جاء الإمام الخميني(قدس) إلى المطار، وكلاهما من تأليف الأستاذ “شاهنجيان”.
على أية حال، هذه الأناشيد صدحت من قلوب الناس ومن حناجر الناس الطاهرة ذات القبضات المشدودة، وكنت محظوظاً أيضاً بإنشادها، وكانت هناك أناشيد أخرى أنشدتها أثناء الحرب، ومن بينها أناشيد كان لها صدى جيد جداً وحظيت باهتمام كبير من الناس ومنها نشيد “خجسته باد اين بيروزي” أي “مبارك هذا النصر”، ومن المثير للإهتمام أنه عندما أسير في الشارع، ينادوني الناس هكذا: “مرحبا، السيد بيروزي!” أي “مرحبا، السيد نصر”، ولقد تردد صدى هذا الإسم في أذهان الناس حتى أنهم أصبحوا يعرفونني بهذا الإسم، لقد أنشدت العديد من الأناشيد، كما قمت بأعمال تلفزيونية، وإذا جمعنا كل هذا، فسوف نجد أنني أنشدت حوالي 2000 عمل، وأسأل الله أن أنشد للإسلام وإيران والثورة ما دمت أستطيع أن أتنفس.
أناشيد لقادة المقاومة
فيما يتعلق بإنشاد أناشيد لقادة المقاومة وتخليد ذكراهم يقول الأستاذ كُلريز: هؤلاء القادة الأعزاء كانوا أبطال الحرية، أبطال حماس وحزب الله، وكيفية تقديم نشاطاتهم للجمهور يجب أن تكون من خلال الدعاية الصحيحة.
على سبيل المثال، نصنع عشرات الأفلام الوثائقية عن الشهيد نصر الله والشهيد هنية، أو عن الحاج قاسم سليماني. هؤلاء أشخاص مقبولون حقاً من قبل جميع الناس، وجميع الأذواق ،كما شهدنا حضر تشييع الشهيد سليماني ملايين الأشخاص، من جميع الأذواق. وبالمثل، بالنسبة للشهيد نصر الله، وتعترف بهم جميع الأمم كبطل وطني للحرية.
هناك العديد من الفنانين وكذلك أنا، نريد أن ننشد نشيد لهؤلاء الأحباء، ولو باللغة العربية. سأذهب وأتعلم اللغة العربية، لأنني مهتم بعمل شيء لهؤلاء الأحباء، ومن خلال تقديم عمل فني جيد يمكننا التعرف بشكل أفضل على شخصيتهم.
لقد واجهنا إعلانات سامة، لكن يجب علينا أن نواصل تخليد هذه الشخصيات الفريدة وإظهار عمق شخصيتها وجهدها من خلال إنتاج فيلم، أو وثائقي، أو مهرجان، أو نشيد وغيره.
وفي النهاية أمنيتي أنه عندما يظهر الإمام المهدي (عج) نذهب كجنود إلى المسجد الأقصى ونصلي، ثم ننشد أنشودة النصر هناك.