الدور الأميركي في الحرب على لبنان وتدميره: بين التدخل المباشر والتلاعب السياسي

خاص الوفاق: يشير استهداف مقاتلي حزب الله من خلال تفجير أجهزة "البيجر" إلى عملية استخباراتية إلكترونية معقدة، تدل على تعاون استخباراتي أميركي-صهيوني متقدم. هذا التنسيق ليس مستغربًا، حيث توفر واشنطن للعدو الصهيوني أدوات تكنولوجية متقدمة لتعقب واستهداف قيادات المقاومة. كما أن إهداء نتنياهو جهاز "البيجر" الذهبي  لترامب كان بمثابة اعتراف غير مباشر بضلوع واشنطن في هذه العمليات النوعية، التي تمثل إرهابًا تقنيًا بغطاء أميركي.

 

د. أكرم شمص

 

لطالما شكل لبنان ساحةً للصراعات الإقليمية والدولية، حيث تتداخل المصالح الدولية مع التركيبة السياسية الداخلية المعقدة. وفي هذا السياق، لعبت الولايات المتحدة دورًا محوريًا في الحرب التي شنها العدو الصهيوني على لبنان عام 2024، ليس فقط من خلال تقديم الدعم العسكري والسياسي، بل عبر السعي إلى إعادة تشكيل الواقع السياسي اللبناني بما يخدم أجندتها الاستراتيجية. ويهدف هذا البحث إلى تحليل الدور الأميركي في الحرب الأخيرة على لبنان، من خلال تسليط الضوء على محاور أساسية تشمل الدعم المباشر للعدو الصهيوني، ومحاولات تفكيك نفوذ المقاومة، والتدخل الأميركي في تشكيل الحكومة اللبنانية، وصولًا إلى سياسة الفرض والوصاية التي تعيد إنتاج التدخلات الاستعمارية السابقة.

 

أولًا: الدعم الأميركي المباشر للعمليات العسكرية للعدو الصهيوني ضد حزب الله

 

1- التعاون الاستخباراتي والعسكري

 

يشير استهداف مقاتلي حزب الله من خلال تفجير أجهزة “البيجر” إلى عملية استخباراتية إلكترونية معقدة، تدل على تعاون استخباراتي أميركي-صهيوني متقدم. هذا التنسيق ليس مستغربًا، حيث توفر واشنطن للعدو الصهيوني أدوات تكنولوجية متقدمة لتعقب واستهداف قيادات المقاومة. كما أن إهداء نتنياهو جهاز “البيجر” الذهبي  لترامب كان بمثابة اعتراف غير مباشر بضلوع واشنطن في هذه العمليات النوعية، التي تمثل إرهابًا تقنيًا بغطاء أميركي.

 

2- الإشادة الأميركية بالعدوان

 

تعليق ترامب على هذه العمليات بقوله “كانت عملية رائعة”، يعكس مستوى الدعم الأميركي للعدو الصهيوني، مؤكدًا أن السياسة الأميركية لم تتغير في منح الغطاء السياسي والدبلوماسي للعدوان على لبنان.

 

3- ازدواجية المعايير الأميركية في تغطية العدوان

 

رغم سقوط آلاف الشهداء والجرحى جراء العدوان الصهيوني، لم تصدر واشنطن أي إدانة، بل على العكس، قامت بتبرير العدوان وشيطنة المقاومة اللبنانية، متبعة نمطًا إعلاميًا تضليليًا يقوم على:

 

  • التغطية على المجازر بوصفها “عمليات دفاعية”.
  • تصوير حزب الله كتهديد دولي وليس حركة مقاومة شرعية.
  • نقل النقاش من العدوان الصهيوني إلى “مستقبل لبنان بعد حزب الله”، وهو خطاب يهدف إلى تشريع العدوان وتبريره.

ثانيًا: استراتيجية واشنطن لتفكيك نفوذ المقاومة في لبنان

 

1- إعلان الهزيمة قبل تحققها

 

جاء تصريح نائبة المبعوث الأميركي مورغان أورتاغوس بأن “العدو الصهيوني تمكن من هزيمة حزب الله” كمحاولة لإعادة تشكيل الرأي العام اللبناني والدولي، رغم أن الواقع العسكري لم يكن يعكس هذه الصورة. هذه الاستراتيجية، المعروفة بـ “خلق واقع وهمي إعلاميًا”، تهدف إلى إضعاف الثقة في قدرة المقاومة على مواجهة العدو، وتهيئة الساحة السياسية اللبنانية للتنازل عن مكتسبات المقاومة.

 

2- محاولة فرض حكومة لبنانية بلا مقاومة

 

عندما صرحت أورتاغوس بأن “واشنطن لن تسمح بمشاركة حزب الله في أي حكومة لبنانية مقبلة”، كانت تسعى إلى فرض معادلة سياسية جديدة تمهيدًا لعزل المقاومة سياسيًا بعد استنزافها عسكريًا. هذه الاستراتيجية سبق أن استخدمتها واشنطن بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري عام 2005، عندما دفعت باتجاه حكومة معادية لحزب الله، لكنها فشلت بسبب التوازنات الداخلية.

 

3- إضعاف المقاومة داخليًا وخارجيًا

 

تصريحات أورتاغوس بأن “نفوذ حزب الله قد انتهى” تأتي في إطار حرب نفسية تستهدف بيئة المقاومة، عبر تصوير الأمر وكأنه حقيقة نهائية لا مجال لمراجعتها. ومع ذلك، فإن استمرار قوة حزب الله في المعادلة الداخلية والخارجية يؤكد أن هذه التصريحات لا تعدو كونها جزءًا من سياسة التضليل الاستراتيجي الأميركي.

 

ثالثًا: محاولات فرض سياسة الأمر الواقع على الحكومة اللبنانية

 

1-إعادة إنتاج الوصاية الأميركية

 

اختيار أورتاغوس قصر بعبدا كموقع للإدلاء بتصريحاتها ليس مجرد صدفة، بل محاولة لإعادة فرض الهيمنة الأميركية على القرار اللبناني. هذا يذكرنا بفترة ما بعد عام 2005، حين كانت واشنطن تفرض إملاءاتها عبر السفارة الأميركية في عوكر.

 

2-إملاء الشروط السياسية على الحكومة اللبنانية

 

واشنطن لا تدعم العدو الصهيوني عسكريًا فقط، بل تسعى إلى استثمار نتائج العدوان سياسيًا، عبر فرض حكومة موالية لها في بيروت، تمامًا كما فعلت خلال مرحلة “14 آذار”.

 

3- استغلال الأزمة الاقتصادية كأداة ضغط

 

تعلم واشنطن أن لبنان يعيش أزمة مالية خانقة، لذا تستخدم هذه الورقة لإرغام القوى السياسية على تقديم تنازلات. عبر ربط أي مساعدات اقتصادية بشروط مثل إقصاء حزب الله من الحكومة وتقليص نفوذه داخل المؤسسات اللبنانية، تحاول واشنطن استخدام “الاقتصاد كسلاح سياسي“.

 

4-تداعيات تهديدات المبعوثة الأميركية مورغان أورتيغاس

 

رغم تصريحاتها القاطعة بمنع مشاركة حزب الله في الحكومة، إلا أن الواقع جاء مخالفًا لتوقعاتها، حيث تمكن الثنائي (حزب الله وحركة أمل) من دخول الحكومة بشراكة كاملة، وحافظا على وزارة المالية

 

كما شهدت الأحداث موقفًا حازمًا من رئيس مجلس النواب نبيه بري، الذي ردّ على المبعوثة الأميركية بتأكيد موقفه تجاه الاحتلال الصهيوني وحق المقاومة. ورغم كل الضغوط والتهديدات الأميركية، لم يتغير أي إسم في التشكيلة الوزارية، بل تمت تسمية الوزير الخامس بموافقة الثنائي، ما يثبت أن القرار السياسي اللبناني لم يكن خاضعًا للإملاءات الأميركية، بل بقي تحت تأثير المعادلة الداخلية التي تفرضها المقاومة.

 

رابعًا: عودة سياسة “العصا لمن عصا” في فرض الإملاءات الأميركية

 

1- إبقاء لبنان تحت الوصاية السياسية الأميركية

 

تصريحات أورتاغوس تؤكد أن لبنان لا يزال ساحة صراع بين القوى الكبرى، إذ تريد واشنطن استخدامه كأداة ضد محور المقاومة، وليس كدولة ذات سيادة حقيقية.

 

2- استخدام “السيادة اللبنانية” كغطاء سياسي

 

رغم كل الحديث الأميركي عن دعم سيادة لبنان، فإن الولايات المتحدة تمارس نفس سياسات التدخل المباشر، محاولة فرض حكومة موالية لها، بينما تسعى لإضعاف أي قوى لبنانية تعارض مشاريعها في المنطقة.

خامسا: كيف يجب على لبنان التصدي لهذا التدخل؟.

 

  1. فضح التواطؤ الأميركي-الصهيوني إعلاميًا ودبلوماسيًا:

– يجب على القوى الوطنية والإعلام اللبناني فضح الدور التخريبي الذي تلعبه واشنطن في لبنان، ومحاولاتها فرض أجندتها عبر التدخلات السياسية.

 

– التحرك دبلوماسيًا نحو الدول الصديقة لشرح حقيقة الضغوط الأميركية ومحاولاتها فرض واقع سياسي يخدم العدو الصهيوني.

 

  1. التمسك بالمعادلة الذهبية: الجيش والشعب والمقاومة

-لا يمكن للبنان أن يحمي سيادته ويمنع الوصاية الأميركية إلا عبر التأكيد على حقه في المقاومة ورفض أي محاولة لتفكيك عناصر قوته.

 

-أي حكومة تتشكل بضغط أميركي، بهدف إقصاء المقاومة، لن تكون سوى نسخة جديدة من مشاريع الوصاية السابقة التي فشلت في فرض أجندة واشنطن.

 

الخلاصة: واشنطن تسعى لإعادة لبنان إلى عصر الوصاية

 

لبنان يواجه لحظة حاسمة في ظل استمرار التدخل الأميركي، الذي لم يكن يومًا لحماية سيادته، بل لاستخدامه كأداة في مشروع أميركي-صهيوني لإعادة رسم خريطة المنطقة. عبر الضغوط الاقتصادية والسياسية، تحاول واشنطن فرض حكومة تخدم أجنداتها، مستغلة الأوضاع الداخلية لفرض وصايتها من جديد. والخيار اليوم واضح: إما التمسك بالسيادة ورفض الإملاءات، أو الخضوع لمنطق التبعية حيث يصبح القرار اللبناني رهينة للمصالح الخارجية.

 

 

المصدر: الوفاق/ خاص