د. محمد العبادي
خلق الله الكون الكبير منذ مليارات السنين عندما قال للعدم “كُن”؛ فكان ذلك الإنفجار العظيم المهيب وتراءى الكون الواسع، ووضعت النجوم في مواقعها وأبعادها: “فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ، وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ” (الواقعة/ 75 و76).. نعم، إنها تسبح في الفضاء الفسيح بمواقعها الخيالية ضمن قوانين الفيزياء الإلهية وأبداعها المذهل.
يا إلهي! لقد عجزت التلسكوبات الفضائية والأرضية مثل: هابل، وجيمس ويب، وسوبارو وغيرها عن حصر أرقام المجرات والنجوم ولجأت إلى التقديرات والتخمينات لعدد السديمات بمجراتها، والمجرات بنجومها، والنجوم بكواكبها والكواكب بأجرامها ناهيك عن فهم ظواهراها وأشيائها؛ إنّه قولك يتحقق أمامنا: “وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ” (الذّاريات/ 51)، وقد رأينا آياتك تتجسد أمام أعيننا وأبصارنا: “سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ…” (فُصِّلت/ 41).
لقد قدّر الله الأشياء على الأرض ويعيش فيها أكثر من ثمانية ملايين من الكائنات والموجودات الحية: “بَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ” (لقمان/ 41)، وتعيش بأعمار مختلفة، بعضها يولد في لحظة ثم يموت، وبعضها يولد ويعيش بعمر قصير، أو يعيش بعمر متوسط أو عمر طويل.. إنّها إرادة الله قد طبعت على مخلوقاته، وما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، وهو الخلّاق العليم.
في هذه الطبيعة، توجد بعض الأشجار التي تعيش آلاف السنين مثل “شجرة الميثوسيلا عمرها أكثر من 4000 سنة”، وبعض الكائنات البحرية مثل “قرش غرينلاند يمكن أن يعيش أكثر من 500 سنة”.
بعض أنواع قناديل البحر تمتلك القدرة على تجدديد خلاياها باستمرار مما يجعلها خالدة لعمر طويل من الناحية البيولوجية.
ربّنا! آمنا بك وبما أنزلت لقد وسعت كل شيء، وأنت خالق الموت والحياة لإمتحان هذا الإنسان، ووهبت بعض الموجدات والكائنات الحياة البيولوجية والبيئية لتعيش قروناً طويلة ليراها أهل النظر والإعتبار، ولا يعجزك وأنت خالق الموت والحياة عن إمتحان الإنسان بطول غيبة وحياة صاحب الزمان(ع).
إنّ القدرة المطلقة التي منحت تلك الموجودات والكائنات عمراً مديداً؛ هي نفسها القدرة المطلقة التي منحت نوحاً(ع) عمراً طويلاً: “فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا” (عنكبوت/ 29) يبلغ رسالة الله، وهي نفسها القدرة المطلقة التي رفعت عيسى(ع) إلى السماء، وهي نفسها التي وهبت الخضر(ع) حياة طويلة، وهي نفسها التي منحت الحياة الطويلة للإمام المهدي(ع)، وأيضاً هي نفسها القدرة المطلقة التي لوشاءت لأطالت من ساعات النهار أو ساعات الليل أو قصرت من ساعاتهما بغير ما هو معهود، أو اقتصرت عليهما بما هو معهود، وهي نفسها القدرة الإلهية الأزلية التي تولج الليل في النهار وتولج النهار في الليل، وفي الحديث الذي يرويه ابن عساكر في مستدركه: “لو لم يبق من الدنيا إلّا يوم لطول الله ذلك اليوم حتى يبعث فيه رجلاً من أهل بيتي”.
إنّ الإيمان بولادة الإمام المهدي(ع) وعمره الطويل ليست تعبُّداً أعمى، بل تستند إلى الشواهد العلمية والعقلائية والدينية، لأن بقاء الإنسان لمئات السنين ليس فيه إستحالة ذاتية كاجتماع النقيضين؛ بل فيه استحالة مخالفة لما إعتدنا عليه أو فيه مخالفة للمألوف؛ لكن العقل لا يحكم بإستحالة بقاء الإنسان لقرون إذا وجدت أسباب طبيعية أو إعجازية كتدخل إرادة الله بذلك، ونظرياً لا يستبعد إطالة عمر الإنسان؛ ففي علم الأحياء أو في العلوم الطبية المتقدمة، كتبت أبحاث وتجري حالياً تجارب من أجل تعديل الجينات من أجل إبطاء الشيخوخة أو التخلص منها في المستقبل القريب.
وبناءً على ما تقدّم، يظهر أنّ العمر المديد للمهدي الموعود (عج) ليس مستحيلاً عقلاً ولا علماً ولا يخالف روح القرآن ونصوصه، وإنما هو أمر نادر؛ لكنه ممكن.