اكتسبت الزيارة الآسيوية للرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى ماليزيا وإندونيسيا وباكستان أهمية خاصة في ظل التحولات الاقتصادية والسياسية التي تشهدها المنطقة. فالتوجه التركي نحو شرق آسيا يعكس رؤية استراتيجية تهدف إلى تعزيز العلاقات الاقتصادية والتجارية مع دول ذات ثقل سكاني واقتصادي كبير في العالم الإسلامي. و كانت باكستان، المحطة الأخيرة في هذه الجولة، و التي نعد شريكاً استراتيجياً مهماً لتركيا في المجالات العسكرية والاقتصادية، رغم التحديات التي تواجه تطور هذه العلاقات إلى المستوى المأمول.
هدف اقتصادي
أتت زيارة أردوغان إلى ثلاث دول مهمة في القارة الآسيوية في وقت يبلغ فيه، حجم التجارة الخارجية لتركيا مع إندونيسيا 5 مليارات دولار، ومع ماليزيا ملياري دولار، ومع باكستان أكثر من مليار دولار، وهو مستوى متواضع مقارنة بالأهداف والتطلعات التجارية التركية، حيث لا يصل المجموع مع هذه الدول الثلاث حتى إلى 10 مليارات دولار.
ويأتي ذلك في وقت يميل فيه الميزان التجاري في هذه العلاقات الاقتصادية بشكل كامل لصالح الطرف الآخر، حيث يبلغ إجمالي صادرات تركيا إلى أسواق هذه الدول الإسلامية الثلاث كثيفة السكان أقل من 3 مليارات دولار سنوياً.
و خلال مؤتمره الصحفي مع شريف، صرح الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إنه اتفق مع رئيس الوزراء الباكستاني شهباز شريف على تكثيف الجهود للوصول إلى هدف رفع حجم التجارة البينية إلى 5 مليارات دولار.
وأعرب أردوغان عن سعادته بزيارة باكستان التي يعتبرها بيته الثاني، وأفاد بأنه بحث مع شريف العلاقات الثنائية والتطورات الإقليمية والعالمية، مشددا على أن البلدين اتفقا على تعزيز العلاقات، وأنهما وقعا 24 مذكرة في هذا الإطار.
وأشار إلى أن المذكرات المبرمة تشمل مجالات التجارة ومصادر المياه والزراعة والطاقة والثقافة والخدمات الاجتماعية والعلوم والمصارف والتعليم والدفاع والصحة.
العلاقات الدفاعية
تعاونت تركيا وباكستان في عدة جبهات منذ إقامة العلاقات الدبلوماسية في عام 1947. أحد أسباب ذلك هو الموقع الاستراتيجي.
يقع كلا البلدين في مواقع جغرافية حيوية ويشكلان جسراً بين الشرق الأوسط وآسيا الوسطى وجنوب آسيا. كما شهدنا زيادة في الزيارات السياسية والعسكرية بين أنقرة وإسلام آباد في السنوات الماضية نظراً للتعاون الدفاعي والأمني.
حافظت تركيا وباكستان على علاقاتهما الدفاعية الوثيقة من خلال المشاركة في المناورات العسكرية المشتركة والإنتاج الدفاعي ونقل التكنولوجيا. أحدث مثال على التعاون الدفاعي بين البلدين هو المناورة المشتركة للقوات الخاصة التركية والباكستانية التي تجري في إسلام آباد لمدة 11 يوماً من 10 إلى 21 فبراير 2025.
هذه المناورة، التي تجري بالتناوب بين تركيا وباكستان منذ عام 1998، تسمى مناورة “جناح” عندما تُجرى في تركيا، ومناورة “أتاتورك” عندما تُجرى في باكستان.
يُقال إن تركيا وباكستان تعاونتا بشكل واسع في مجالات مثل إنتاج الطائرات المسيرة، لكن الجوانب الفنية لهذا الموضوع ظلت بعيدة عن أعين وسائل الإعلام. سبق لباكستان، في عهد عمران خان، أن أوكلت مشروع تعزيز وتطوير قواتها الجوية إلى تركيا وكانت تسعى لشراء أكثر من خمسين مروحية عسكرية تركية الصنع، لكن نظراً لأن المحرك الرئيسي للمروحية كان من إنتاج إيطاليا، ظهرت مشكلة قانونية في طريق صفقة أنقرة – إسلام آباد.
ومع ذلك، في مجال تصدير ناقلات الجند ومعدات إزالة الألغام ومعدات الحرب الإلكترونية والأسلحة والمعدات الشرطية والأمنية، تم تصدير شحنات عسكرية من تركيا إلى باكستان بقيمة تتجاوز ملياري دولار حتى الآن.
يعتقد رجال الأعمال الأتراك أن السوقين الكبيرين في باكستان اللذين لديهما إمكانات للسلع والخدمات الهندسية التركية هما الصناعات الدفاعية وقطاع الطاقة.
حالياً، هناك إمكانات تعاون عالية في هذا القطاع، خاصة في مجال الطاقة المتجددة وكفاءة الطاقة واستكشاف الموارد الطبيعية. بالإضافة إلى ذلك، هناك مجال للتعاون في تطوير البنية التحتية، بما في ذلك التعاون في مشاريع البنية التحتية مثل النقل والاتصالات، لكن في مجال التجارة والاستثمار، وعلى الرغم من الزيارات المتكررة وإزالة العوائق القانونية والمصرفية والجمركية، لم يتحقق تقدم كبير في قطاعات مثل النسيج والبناء والزراعة.
يبدو أن أحد العوائق الرئيسية في هذا المجال، إلى جانب بُعد المسافة وتكاليف النقل، يتعلق بعدم الاستقرار الإقليمي والوضع الأمني غير المستقر في أفغانستان وباكستان والتوتر مع الهند، مما جعل المجال صعباً للتحركات الاقتصادية والسياسية التركية.
في الوقت نفسه، واجهت تركيا أزمة اقتصادية وديوناً خارجية ثقيلة وعدم القدرة على توفير رأس المال، ولم تتمكن في المنافسة مع قطر والإمارات والصين وغيرها من الحصول على حصة كبيرة في سوق المشاريع الباكستانية.
معضلة قبرص
خلال السنوات القليلة الماضية، وخاصة خلال فترة عمران خان، سعى فريق السياسة الخارجية في مؤسسة الرئاسة التركية للحصول على موافقة 4 دول للاعتراف باستقلال دولة الأتراك في جزيرة قبرص.
هذه الدول الأربع كانت باكستان وبنغلاديش وأذربيجان وقطر. وفقاً لجدول زمني سري واتفاق أولي، كان من المقرر أن تشعل باكستان الضوء الأول وتتبعها بنغلاديش والآخرون.
لكن رغم إصرار وإلحاح أنقرة، لم توافق باكستان في النهاية على مثل هذا الطلب. حيث خلصت الحكومة الباكستانية إلى أن التعاون مع صديق مقرب مثل تركيا ودعم أتراك قبرص له أهمية كبيرة، لكن التداعيات السياسية للاعتراف بدولة قبرص التركية قد تجلب تحديات ومشاكل كبيرة من الأمم المتحدة والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.
لذلك، ظل هذا الهدف معلقاً، وتشير الدلائل إلى أن باكستان ليست مستعدة في الفترة المقبلة أيضاً للدخول في مثل هذا المسار استجابة لطلب أردوغان.
وفي الختام يجب القول: سعت تركيا دائماً خلال فترة حكم حزب العدالة والتنمية إلى رفع العلاقة مع باكستان إلى المستوى الاستراتيجي، وبشكل عام، حدثت تطورات مؤثرة في العلاقات بين أنقرة وإسلام آباد خلال فترة عمران خان. ومع ذلك، لم تصل العلاقات التجارية بين تركيا وباكستان بعد إلى مستوى يمكن أن يجلب عائداً فعالاً للاقتصاد التركي المتأزم.