د. أكرم شمص
إنا على العهد شعار التشييع لسماحة الشهيد الأسمى السيد حسن نصر الله والشهيد الهاشمي والذي أطلقه الشيخ نعيم قاسم في توقيت حساس يشهد تصعيدًا سياسيًا وأمنيًا في لبنان، خاصةً بعد منع الطائرة الإيرانية من الهبوط في مطار رفيق الحريري الدولي وما تبعه من احتجاجات قوبلت بتدخل الجيش اللبناني. لم يكن خطاب الشيخ نعيم قاسم أمين عام حزب الله في ذكرى إحياء القادة الشهداء، مجرد خطاب بل كان منصة لإعادة التأكيد على ثوابت المقاومة، ورفض الضغوط الصهيونية-الأمريكية، ودعوة الحكومة اللبنانية لاتخاذ مواقف أكثر سيادية. حيث أن جوهر هذا الخطاب، كان التطرق إلى الثوابت العقائدية للمقاومة، والمسيرة التاريخية لقادة حزب الله، والتطورات السياسية المتعلقة بالقضية الفلسطينية والصراع مع العدو الصهيوني، والموقف من التحديات الداخلية والخارجية.
التحليل التالي يسلط الضوء على أهم الرسائل والاستراتيجيات التي تضمنها الخطاب:
أولًا: البُعد العقائدي والشرعي للمقاومة
افتتح الشيخ قاسم خطابه بمقدمة دينية استندت إلى ذكرى ولادة الإمام المهدي (عج)، حيث ربط بين مفهوم الانتظار والجهاد المستمر، مؤكدًا أن الانتظار لا يعني السكون بل العمل الدؤوب لنصرة الحق. هذا الخطاب يهدف إلى:
- إضفاء بُعد ديني على المقاومة، مما يعزز شرعيتها في الوعي الجماهيري.
- إبراز العقيدة الجهادية للمقاومة كجزء من العقيدة الإسلامية المرتبطة بـ”الإسلام المحمدي الأصيل”.
- التأكيد على أن المقاومة مستمرة حتى تحقيق العدالة وإزالة الاحتلال، وهي ليست مجرد حركة سياسية بل جزء من التصور الديني لقيام الحق.
الرسالة الأساسية: المقاومة ليست خيارًا سياسيًا عابرًا، بل واجب ديني وعقائدي مستمر، ولا مجال للاستسلام أو التراجع مهما كانت الظروف.
ثانيًا: استعراض المسيرة الجهادية لحزب الله عبر قادته الشهداء
خصص الشيخ قاسم جزءًا كبيرًا من خطابه لتخليد ذكرى القادة الشهداء، موضحًا كيف ساهم كل منهم في بناء المقاومة، حيث ربط بين ثلاثة عصور للمقاومة:
- المرحلة التأسيسية (1982-1992):
- الشيخ راغب حرب (اغتيل عام 1984) كان رمزًا للمقاومة الشعبية والجهادية، وقوله “المصافحة اعتراف والموقف سلاح” يعكس رفض التعامل مع العدو الصهيوني.
- السيد عباس الموسوي (اغتيل عام 1992) كان رمزًا لـ”تثبيت النهج وتوسيع القاعدة الشعبية”، وهو من صاغ شعار “اقتلونا فإن شعبنا سيعي أكثر”.
- مرحلة التمكين والانتصارات (1992-2008):
- الحاج عماد مغنية (اغتيل 2008) الذي وصفه بـ”قائد الانتصارين” في 2000 و2006، حيث عمل على تطوير القدرات العسكرية والاستخباراتية للمقاومة.
- مرحلة الحاضر والمستقبل:
- أكد أن استشهاد القادة لم يُضعف المقاومة، بل زادها قوة وتنظيمًا.
- شدد على أن الدماء التي سُفكت أدت إلى تطورات استراتيجية، حيث أصبح حزب الله قوة إقليمية كبرى.
الرسالة الأساسية: المقاومة تطورت من جماعات صغيرة إلى قوة إقليمية بسبب تضحيات القادة الشهداء، واستهداف القادة لم يكسرها بل زادها قوة وانتشارًا.
ثالثًا: التحديات الإقليمية والدولية – المشروع الأمريكي الإسرائيلي
انتقل الشيخ قاسم إلى التطورات السياسية الكبرى، مؤكدًا أن كل ما تفعله إسرائيل هو بإدارة أمريكية مباشرة، حيث وضع الصراع الفلسطيني في سياق أوسع، مرتبط بمخطط أمريكي صهيوني للهيمنة على المنطقة.
- مخطط تهجير الفلسطينيين إلى الدول العربية:
- رفض بشدة أي محاولة لترحيل الفلسطينيين إلى الأردن ومصر والسعودية، معتبرًا ذلك جزءًا من مشروع تصفية القضية الفلسطينية.
- دعا الدول العربية إلى موقف حازم لمنع التهجير، وطالبها بالعمل الجاد على دعم صمود الفلسطينيين بدل الاكتفاء بالتصريحات.
- أكد أن حزب الله مستعد للمساهمة في أي خطط عربية وإسلامية لمنع التهجير، مما يعكس رغبة في تحويل القضية إلى مسؤولية جماعية عربية وإسلامية.
- رفض التطبيع والمشروع الصهيوني في لبنان:
- استعاد تجربة احتلال العدو الصهيوني للبنان بين 1982-2000، محذرًا من أن العدو لم يتخل عن مخططاته، لكنه فشل بسبب المقاومة والتكامل بين الجيش والشعب والمقاومة.
- أشار إلى أن المقاومة الإسلامية هي من أفشلت مشاريع الهيمنة الصهيونية، وستواصل هذه المهمة.
الرسالة الأساسية: المعركة مع العدو الصهيوني ليست فقط معركة حدودية أو لبنانية، بل هي جزء من مخطط أمريكي صهيوني أوسع، يجب مواجهته على مستوى الأمة الإسلامية والعربية. ويتلاقى هذا الموقف مع الاتهامات التي وجهها بعض الإعلاميين والمحللين السياسيين بأن الحكومة اللبنانية الجديدة تتجه نحو التقارب مع أمريكا ضد المقاومة، وهو ما اعتبره بعض الإسرائيليين تطورًا إيجابيًا.
رابعًا: الوضع الداخلي اللبناني – تشكيل الحكومة والانقسام السياسي
- الموقف من الحكومة اللبنانية:
- اعتبر أن حزب الله ساهم في تسهيل تشكيل الحكومة رغم العراقيل.
- حذّر من محاولات بعض الأطراف تحميل المقاومة مسؤولية العرقلة والتعطيل، مؤكدًا أن حزب الله كان طرفًا مسهّلًا وليس معطّلًا.
- أعرب عن ارتياحه لتشكيل الحكومة الجديدة، لكنه أكد ضرورة أن يكون موقفها صلبًا في مواجهة العدو الصهيوني.
- شدد على أن حزب الله مستعد لدعم إعادة الإعمار، الإيواء، والترميم، مشيرًا إلى أن مسؤولية إعادة بناء لبنان تقع على عاتق جميع الأطراف.
- اقترح أن تتم التعيينات الإدارية في الحكومة بناءً على الكفاءة وليس المحاصصة، في محاولة لطرح رؤية إصلاحية ضمن السياق السياسي الداخلي.
- منع الطائرة الإيرانية: سيادة أم خضوع للضغوط؟
- كشف أن رئيس الحكومة منع الطائرة الإيرانية استجابة لضغوط صهيونية وأمريكية.
- تساءل عن السيادة اللبنانية في ظل تنفيذ أوامر الاحتلال الصهيوني دون مقاومة.
- اعتبر أن هذا القرار يمهد لمزيد من التدخلات الصهيونية، مما يضعف لبنان أمام الاحتلال .
- شدد على أن حزب الله ضد أي اعتداء على قوات اليونيفيل، في إشارة إلى حادثة إحراق سيارة تابعة للأمم المتحدة خلال الاحتجاجات.
- اعتبر أن المشكلة في قرار الجيش اللبناني بالتدخل العنيف ضد المعتصمين، وليس مع الجيش ككل.
الرسالة الأساسية: الحكومة اللبنانية تواجه اختبارًا حقيقيًا في قضية السيادة الوطنية، وعليها أن تتخذ موقفًا مستقلًا بدلًا من الانصياع للضغوط الخارجية هذه التصريحات تهدف إلى إرسال رسائل مزدوجة:
- للداخل اللبناني: حزب الله يريد أن يظهر بمظهر القوة الداعمة للاستقرار وليس القوة المعطلة.
- للخارج، وخاصةً المجتمع الدولي: الحزب يسعى للمشاركة في إعادة الإعمار وليس فقط في المواجهة السياسية والعسكرية.
خامسًا: الاستحقاقات القادمة – انسحاب العدو الصهيوني والتشييع الكبير
- انسحاب العدو الصهيوني في 18 شباط/ فبراير:
- شدد على أن إسرائيل يجب أن تنسحب بالكامل دون أي تنازلات، مطالبًا الحكومة اللبنانية بموقف حازم لرفض أي مساومات.
- أكد أن المقاومة لن تقبل بأي مبررات لبقاء الاحتلال، وستتعامل معه كما يجب.
- التشييع الكبير للشهيد الأسمى السيد حسن نصر الله والسيد الهاشمي:
- دعا إلى مشاركة واسعة في التشييع، معتبرًا أن المناسبة ليست فقط لحظة حداد، بل فرصة لإظهار وحدة المقاومة.
- طلب الالتزام بالانضباط التام وعدم السماح بأي استفزازات قد تؤثر على هيبة الحدث.
الرسالة الأساسية:
- انسحاب العدو الصهيوني استحقاق وطني لا يجب التهاون فيه، ويجب التعامل مع أي وجود صهيوني كإحتلال مباشر.
- التشييع سيكون مناسبة لإظهار وحدة المقاومة وقوتها، وتأكيدًا على أن مشروعها مستمر رغم كل الضغوط
- إعادة تأكيد أن حزب الله باقٍ في المشهد السياسي والعسكري، ولا يمكن تجاهله.
الخاتمة: الرسائل الاستراتيجية في خطاب الشيخ قاسم
- المقاومة الإسلامية ليست حركة سياسية فقط، بل عقيدة راسخة تستمد شرعيتها من الإسلام المحمدي الأصيل.
- استشهاد القادة لم يضعف المقاومة، بل ساهم في تطويرها وتحويلها إلى قوة كبرى في المنطقة.
- الولايات المتحدة والعدو الصهيوني يعملان على تصفية القضية الفلسطينية عبر مخطط التهجير، ويجب مواجهته بموقف عربي وإسلامي موحد.
- الحكومة اللبنانية يجب أن تكون مستقلة في قراراتها، وعدم الانصياع للضغوط الأمريكية والصهيونية، كما حدث في قضية الطائرة الإيرانية.
- انسحاب العدو الصهيوني في 18 شباط/ فبراير يجب أن يتم بالكامل، وأي مماطلة أو مساومة ستعتبر استمرارًا للاحتلال، وسيتم التعامل معها وفق ذلك.
- التشييع الكبير سيكون لحظة تأكيد على أن المقاومة حاضرة بقوة، ولن يتمكن أحد من إضعافها أو حصارها.
بالمحصلة، الخطاب يهدف إلى تعزيز المعنويات، ويعكس المرحلة الدقيقة التي يمر بها لبنان، ويركز على إبراز قوة المقاومة وتماسكها، مع توجيه رسائل إلى الداخل والخارج مفادها أن حزب الله لن يتراجع أمام الضغوط السياسية أو الاقتصادية أو الأمنية.