بعد اعتقال مسؤولي TUSIAD

هل ستواجه تركيا أزمة في استقطاب الإستثمارات الخارجية؟

رئيس تحرير صحيفة حريت: في السابق، إذا تجرأ أحد على قول أي شيء لمسؤولي TUSIAD كان قادة الاتحاد الأوروبي يهددون تركيا، لكن الآن أوروبا نفسها في مأزق وعليها أن تحاول إنقاذ نفسها

تشهد تركيا تحولاً عميقاً في علاقة السلطة مع النخب الاقتصادية والمؤسسات المستقلة، في ظل تصاعد  ما تسميه هذه المؤسسات بــ النهج السلطوي للحكومة وتراجع المؤشرات الاقتصادية. هذا التحول يضع البلاد أمام تحديات جديدة تتجاوز الأزمة الاقتصادية إلى أزمة ثقة عميقة بين الحكومة والقطاع الخاص.

 

“اعتقال اثنين من رؤساء ‘اتحاد رجال الأعمال والصناعيين الأتراك’ حدث مهم أثر على عالم الاقتصاد والسياسة. هذه المؤسسة المعروفة اختصاراً باسم (TUSIAD) هي أكبر مؤسسة في القطاع الخاص التركي، حيث تصل الثروة الإجمالية لأعضائها إلى مئات المليارات من الدولارات.

 

كانت TUSIAD منذ عام 1971 مؤسسة مهمة وقوية، لكن الآن تم اعتقال رئيسين من رؤسائها بتهمة تضليل الرأي العام وإضعاف السلطة القضائية وإهانة رئيس الجمهورية.

 

جاء ذلك في ظروف حيث تم اقتحام الشرطة لمبنى TUSIAD واعتقال الشخصين المذكورين بعد ساعات فقط من خطاب أردوغان.

 

وكان أردوغان قد قال مخاطباً قادة TUSIAD في اجتماع مع نواب حزبه في البرلمان: “اعرفوا حدودكم ولا تدلوا بآرائكم حول الحكومة والسياسة والقضاء. بالنسبة لنا، أنتم مجرد رأسماليين برجوازيين وخونة تضعفون تركيا باتهامات واهية”.

 

بعد هذا الخطاب، تم اعتقال مسؤولي TUSIAD أمام كاميرات القنوات التلفزيونية التركية بأمر من مدعي عام إسطنبول، وقد تعرض هذا الإجراء الحكومي لانتقادات واسعة من قادة الأحزاب السياسية.

 

يعتبر اعتقال شخصيتين مهمتين ومؤثرتين في الاقتصاد التركي، خاصة في ظل الأزمة الاقتصادية التي تمر بها البلاد، حدثاً مهماً.

 

تركيا الجديدة

 

تحدث العديد من مسؤولي الحكومة وحزب العدالة والتنمية في الأيام القليلة الماضية باستمرار عن مفهوم “تركيا الجديدة”. يقولون إنه في الماضي وفي تركيا القديمة، لم تكن الحكومة والسلطة القضائية تجرؤ على قول أي شيء في مواجهة الأثرياء، لكن الآن هناك حكومة قوية وديمقراطية في السلطة ولن تسمح للمؤسسات الأخرى بالتدخل في عمل المؤسسة السياسية والتنفيذية.

 

وقال يلماز تونج وزير العدل التركي: “إذا ادعى أحد أن سيادة القانون واستقلال القضاء قد اختفيا في تركيا، فاعلموا أنه شخص غير منصف ويريد الإضرار بالبلاد. لا يحق لـ TUSIAD التحدث ضد مدعينا العامين”.

 

كتب أحمد هاكان، رئيس تحرير صحيفة حريت وأحد المحللين المقربين من أردوغان، مبرراً الهجوم على TUSIAD: “الآن فهمت TUSIAD أيضاً أن تركيا اليوم ليست تلك الدولة السابقة. في السابق، إذا تجرأ أحد على قول أي شيء لمسؤولي TUSIAD، كان الأمريكيون يتفاعلون فوراً، وكان البيت الأبيض والبنتاغون ومجلس الشيوخ ينصحون حكومة أنقرة بأن تكون لطيفة مع TUSIAD. لكن الأمر ليس كذلك الآن. الآن في البيت الأبيض، هناك رجل يدعى ترامب قدم نفسه عملياً كـ’ملك’ أمريكا ولا يهتم بالدول الأخرى! في الماضي، إذا هدد أحد TUSIAD، كان قادة الاتحاد الأوروبي يهددون الحكومة التركية فوراً ويضعوننا في القائمة السوداء. لكن الآن أوروبا نفسها في مأزق وعليها أن تحاول إنقاذ نفسها! في الماضي، كان الجيش والبيروقراطية التركية يدعمون TUSIAD ولم يكن أي مدعٍ عام يجرؤ على اتخاذ إجراء ضد مسؤولي TUSIAD. لكن تركيا اليوم ليست مثل تلك الدولة! في الماضي، كانت جميع وسائل الإعلام تدعم TUSIAD لكن في تركيا اليوم، لا يوجد مثل هذا الوضع! الآن العديد من الأتراك سعداء لأنه في عهد أردوغان، تجرأت السلطة القضائية على اتخاذ إجراء ضد TUSIAD أيضاً. لأن حصانة قادة TUSIAD وأمنهم لم يكن مقبولاً لدى الشعب”.

 

لا تنتظروا الاستثمار الأجنبي

 

كتب مراد يتكين، أحد المحللين المشهورين في تركيا: “كان اعتقال أورهان توران وعمر آراس من رؤساء TUSIAD إجراءً غريباً. كان يكفي الاتصال بهم هاتفياً ليذهبوا إلى المحكمة بأنفسهم. لكن المدعي العام فضل استعراض القوة واعتقالهم في حضور الصحفيين. بعد الاستجواب، تم منعهم من السفر وأطلق سراحهم بكفالة. لكن التحقيقات القضائية ضد هذين الشخصين مستمرة تحت عناوين نشر معلومات كاذبة حول الأمن الداخلي والخارجي، وتصريحات تهديدية ضد النظام العام والصحة العامة في تركيا، وإضعاف الحكومة والسلطة القضائية، والتهديد ضد استقرار وسلام البلاد والمجتمع”.

 

وأضاف يتكين: “كانت هذه العملية رسالة للمجتمع بأكمله ومحتوى الرسالة هو: يمكننا اعتقال أي شخص و على أي مستوى ومكانة وثروة! لكن المشكلة هي أن البنك المركزي التركي لديه الآن كميات كبيرة من العملة الأجنبية ويمكن لمحمت شيمشك وزير المالية والخزانة منع المخاطر الاقتصادية من خلال ضخ العملة الأجنبية.

 

انخفاض حاد في الاستثمار الأجنبي

 

لم يتم بعد نشر الإحصاءات الدقيقة لمستوى الاستثمار الأجنبي في تركيا لعام 2024. لكن المعلومات المتعلقة بعام 2023 التي نشرها صندوق النقد الدولي (IMF) تكشف عن حقيقة أنه باستثناء بعض الدول العربية، لا توجد دول أخرى تستثمر في تركيا.

 

كتب محفي أغيلمز، الاقتصادي التركي المشهور، في تحليله لبيانات صندوق النقد الدولي: “في العالم وفي عام 2023، بلغ إجمالي الاستثمار الأجنبي المباشر 41.1 تريليون دولار. استحوذت الولايات المتحدة الأمريكية على أكبر استثمار بقيمة 5.4 تريليون دولار، تليها هولندا بـ 3.7 تريليون دولار والصين بـ 3.65 تريليون دولار. لكن بلدنا تركيا استطاعت فقط جذب 10.7 مليار دولار من الاستثمار الأجنبي. هذا المبلغ يمثل في النهاية 0.3% فقط من المبلغ العالمي الإجمالي. لم تكن سياستنا الخارجية والاقتصاد والمصارف والحوكمة والإنتاج والوضع العام للتعامل مع العالم بطريقة تمكننا من جذب حتى 1% من إجمالي رأس المال الأجنبي”.

 

في ظل هذه التطورات المتسارعة، تبدو تركيا أمام مفترق طرق حاسم. فإما أن تتمكن من إعادة بناء الثقة مع القطاع الخاص والمستثمرين الأجانب، أو أن تواجه تداعيات اقتصادية وسياسية أكثر حدة في المستقبل القريب. ويبقى السؤال المطروح: هل ستتمكن تركيا من إيجاد توازن جديد بين متطلبات النمو الاقتصادي وتوجهات السلطة السياسية؟

 

المصدر: الوفاق