الإعلامي والكاتب الفلسطيني الأستاذ برهان بدر للوفاق:

صفقة تبادل الأسرى.. المقاومة تصوغ معادلات القوة

خاص الوفاق: جاءت تبادلات الأسرى لتؤكد أن القوة لم تعد في امتلاك السلاح فحسب، بل في القدرة على إدارة المعركة إعلامياً، ونفسياً، وسياسياً، وهو ما أتقنته المقاومة بامتياز.

عبیر شمص

 

 

لا يمكننا أن نعتبر تبادل الأسرى بين حركات المقاومة والكيان المؤقت في مراته المتتالية مجرد صفقة عابرة، بل هو حدث مشحون بالدلالات السياسية محكم الإخراج بصرياً ولغويّاً، مصمّماً ليحمل رسائل متعددة المستويات إلى كل من يراقب، سواء كان فلسطينياً، إسرائيلياً، أو حتى طرفاً دوليّاً يتابع تفاصيل المشهد. ولم تكن المنصة مجرد مسرح لتسليم الأسرى، بل كانت منصة رسائل مكتوبة ومرئية، كل تفصيل فيها محسوب بدقة. وعلى العكس مما تسعى ”إسرائيل” لتسويقه عن كونها تفرض شروطها بالقوة، كانت كل عملية تبادل تؤكد أن الإحتلال رغم كل ما يملك من ترسانة عسكرية، وجد نفسه مضطراً للعودة إلى المقاومة والقبول بشروطها لاستعادة أسراه، وحول المشهدية الإعلامية والسياسية لتبادل الأسرى وتأثيرها على العدو الصهيوني الذي لم يعد يقوى على صورة تسليم أسرى في غزة، ويؤخّر صفقة التبادل مستجدياً منع هذه الصورة، في هذا المضمار حاورت صحيفة الوفاق الإعلامي والكاتب الفلسطيني الأستاذ عثمان أحمد بدر، وفيما يلي نص الحوار:

 

 

 

حين تصوغ المقاومة معادلات القوة
يرى الأستاذ بدر بأنه من بديهيات القول أن هناك رسائل سياسية وعسكرية وأمنية كبيرة وعديدة موجهة للداخل الفلسطيني وللخارج على حدٍ سواء تحاول فصائل المقاومة ولا سيّما في غزة إيصالها بواسطة التنظيم اللافت والمميز لعمليات تبادل الأسرى، وفي مقدمة هذه الرسائل أن اليوم التالي في غزة فرضته إرادة المقاومة والتضحيات التي قُدمت في معركة “طوفان الأقصى”، وأن السيطرة العسكرية والأمنية والسياسية في القطاع كاملاً للمقاومة ولهذا كانت تتعمد أن تكون عمليات التسليم في مناطق متعددة ولا سيّما المناطق التي زعمت عصابات الاحتلال الصهيو/نازية أنها سيطرت عليها بالكامل وقضت على المقاومة فيها، ويحمل خروج المقاومين من الأنفاق ببزاتهم العسكرية وبسيارات حديثة الطراز وبكامل جهوزيتهم ومعهم بعض الأسلحة الصهيونية التي تم الاستيلاء عليها من جنود وضباط العدو رسالةً مفادها أن المقاومة جاهزة لاستئناف المعركة إذا أراد نتنياهو وعصابته الإجرامية والفاشية ذلك، أمّا الرسالة الأخرى فهي إبراز حجم الالتفاف الشعبي والجماهيري حول المقاومة وفصائلها برغم التضحيات الجسام والقتل المتعمد للمدنيين العزل والأطفال والنساء والشيوخ وكبار السن وبرغم التدمير الممنهج لكل مقومات الحياة في قطاع غزة، فإن فصائل المقاومة وعلى رأسها حماس نجحت نجاحاً باهراً في إيصال رسائلها وبدا ذلك واضحاً من خلال تراجع ترامب عن تصريحاته بشأنه احتلال قطاع غزة وتهجير سكانه إلى بعض الدول العربية وكذلك تراجع نتنياهو عن بعض الشروط التي حاول أن يفرضها لتحسين صورته عبر المماطلة والتسويف في تنفيذ بعض الخطوات”.
اليد العليا للمقاومة

 

يشير الأستاذ بدر أن فصائل المقاومة وفي طليعتها حماس أوصلت الكثير من الرسائل وعلى مختلف الصعد، والرسالة الأهم والأبرز هي أن المقاومة ما زالت صاحبة اليد العليا وصاحبة الأمر والنهي في قطاع غزة، وإن كل الكلام والتصريحات عن اليوم التالي قد ذهبت أدراج الرياح وأن من سيقود غزة في المرحلة القادمة يحدده الشعب الفلسطيني لأنه شأنٌ فلسطيني، ومن غير المسموح لأحد أن يتدخل به، وتؤكد على تلك الشعارات التي كان يتم وضعها بخطوط عريضة كشعار”الأرض تعرف أهلها..من الأغراب ومزدوجي الجنسية” وشعار”لا هجرة إلا إلى القدس” و”نحن الطوفان ونحن البأس الشديد، وأن الخيار الوحيد للشعب الفلسطيني هو خيار المقاومة والكفاح المسلح وحرب طويلة الأمد وأن هذا الشعب متمسك بأرضه ومتشبث بمقدساته ولا تستطيع قوة في العالم تهجيره منها، ومن المؤكد أن المتلقي الصهيوني وغير الصهيوني قد وصلته الرسائل بقوة لا سيما وأن المقاومة تعمدت إظهار الأسلحة والسيارات والآليات التي غنمتها من عصابات الاحتلال الصهيو/نازية، إضافةً إلى ذلك فإن حجم المشاركة الشعبية برغم الجو الماطر وموجة البرد والصقيع تأكيدٌ لا لبس فيه على خيار الشعب الفلسطيني، ولا شك أن الصهاينة أنفسهم وصلوا إلى قناعة مفادها أن النصر المطلق الذي وعدهم به نتنياهو وعصابته النازية خلال ١٥ شهراً لم تكن سوى أوهام وأن أسطورة الجيش الذي لا يقهر تحطمت للأبد وأنه لم يعد للصهاينة ثقة بما يسمى “جيش الدفاع”، لذلك شاهدنا في الأشهر الماضية حركة نزوح صهيونية كبيرة من فلسطين نحو أمريكا وبعض دول الغرب، هذا في وقت كان أبناء غزة هاشم يعودون وبقوة إلى بيوتهم المدمرة في مختلف مناطق ومخيمات القطاع”. 
 

 

إعلام متصهين

 

يشير الأستاذ بدر بأن الإعلام المحلي والعربي ليس موحد الرؤيا حول قضية تبادل الأسرى كما لم يكن موحداً حول الموقف من عملية “طوفان الأقصى” وقد شاهدنا وسمعنا البعض منه وهو يُجيّش ضد المقاومة في لبنان وفلسطين واليمن والعراق ويستهدف الجمهورية الإسلامية باعتبار أنها الداعم الأول والسند الأساس للمقاومة،هذا الإعلام نفسه يعتبر أن ما حصل في غزة هزيمة وليس انتصاراً وأن الهدنة وعملية التبادل استسلام، أمّا في المقلب الآخر فإن الإعلام المقاوم تمكن من إيصال الحقيقة على حقيقتها ودون مبالغات، وواقعاً أن ما شاهده الناس يؤكد أن المقاومة انتصرت وعلى كل الصعد والمستويات، انتصرت في المعركة العسكرية وفي إدارة الحرب، وانتصرت سياسياً وأخلاقياً وإعلامياً وما حجم المظاهرات على مستوى العالم بأسره إلا دليلاً على ذلك ولا سيّما في أمريكا وأوروبا المؤيدة للمقاومة والمنددة بالاحتلال وجرائمه البشعة ومجازره اللاإنسانية واللاأخلاقية”.

 

تظهير الهزيمة الصهيونية إعلامياً

 

يؤكد الأستاذ بدر أن تصوير عمليات تبادل الأسرى بهذه الطريقة الإحترافية كان له أبلغ الأثر على الصعيدين الدولي والعربي والمحلي، وكان له ارتدادت كبيرة على مستوى الجمهور الصهيوني بشكلٍ خاص مما أثار امتعاض نتياهو وعصابته وحاولوا الضغط باتجاه أن تكون عمليات التبادل دون تصوير ودون وجود وسائل الإعلام غير أن محاولاتهم باءت بالفشل، وشاهدنا بأم العين تصرفات بعض الأسرى الصهاينة الإيجابية أمام عدسات الكاميرات تجاه أبطال المقاومة وربما هي المرة الأولى في التاريخ الذي يُقبل فيها أسير رأس سجانه، وهذا المشهد أثار استياء قيادة عصابات الاحتلال لدرجة أنها طلبت من الأسير الاعتذار فرفض، وهذا برهانٌ ساطع على الانتصار في المعركة الأخلاقية، فالعالم بأسره شاهد معاملة المقاومة مع الأسرى الصهاينة الذين خرجوا من الأنفاق وكأنهم كانوا يعيشون في فنادق فاخرة ومعاملة الصهاينة مع الأسرى الفلسطينيين الذين كان يتم تعذيبهم وإهانتهم وهم في طريقهم إلى الحرية وبعضهم خرج من المعتقلات إلى المستشفيات مباشرةً، والعالم يستطيع أن يميز بين التعاطي الأخلاقي والتعاطي النازي”.
كما يشير الأستاذ بدر إلى أن عمليات تبادل الأسرى قد أسهمت بشكلٍ كبير ولافت في الإلتفاف الشعبي والجماهيري حول المقاومة وخاصةً حول حركة حماس وأظهرتها كرقم صعب في المعادلة لا يمكن تجاوزه أو القفز عليه، وبالتالي عزز مكانتها وموقعها بين كافة فئات الشعب الفلسطيني إذ أن حماس عمدت إلى إطلاق سراح أسرى التنظيمات الفلسطينية الأخرى، وهذا ما أثار استياء وامتعاض البعض الذي ضغط باتجاه عدم إطلاق سراح بعض الأسرى كمروان البرغوثي وأحمد سعدات وعبدالله البرغوثي وزكريا الزبيدي وغيرهم، كما حاول نتنياهو الضغط باتجاه منع تصوير عمليات التبادل لما لها من تأثير سلبي كبير على الصهاينة بالدرجة الأولى وعلى العالم بأسره”. 
 

 

ختاماً ما حدث ليس مجرد تبادل أسرى، بل كان إعادة ترسيم لمعادلة القوة في الصراع. المقاومة لم تكن مجرد طرف يفاوض، بل كانت الطرف الذي وضع الشروط، وحدد السياق، وصاغ المشهد وفق رؤيته. وبينما تحاول “إسرائيل” دائمًا تقديم نفسها على أنها الطرف الأقوى الذي يفرض شروطه، جاءت هذه التبادلات لتؤكد أن القوة لم تعد في امتلاك السلاح فحسب، بل في القدرة على إدارة المعركة إعلامياً، ونفسياً، وسياسياً، وهو ما أتقنته المقاومة بامتياز.

 

 

 

 

 

المصدر: الوفاق/ خاص