ممر داوود.. المشروع التوسعي الصهيوني بين الواقع والتخطيط الإستراتيجي

خاص الوفاق: شهدت الأسابيع الأخيرة تسارعًا ملحوظًا في تحركات العدو الصهيوني العسكرية على عدة جبهات، ما يعكس نواياه الاستراتيجية في تحقيق مشروع "ممر داوود" كجزء من رؤيته التوسعية.

 

د.أكرم شمص

 

فمنذ إعلانه السيطرة على خمس نقاط استراتيجية في لبنان، إلى توغله داخل الأراضي السورية وتثبيت وجوده العسكري في الجولان والقنيطرة ودرعا، يتضح أن هذه التحركات ليست عشوائية، بل تأتي ضمن خطة ممنهجة تهدف إلى تحقيق تمدد جغرافي استراتيجي.

 

خرق القرار 1701؛ تثبيت النفوذ في لبنان

 

يُمثل القرار 1701 الصادر عن مجلس الأمن الدولي عام 2006 أحد الركائز الأساسية التي كان يفترض أن تضمن وقف الأعمال العدائية بين إسرائيل وحزب الله، وتثبيت الاستقرار في جنوب لبنان. إلا أن إسرائيل، ومن خلال سيطرتها على خمس نقاط عسكرية جديدة داخل الأراضي اللبنانية، وتحليق طائراتها التجسسية والحربية في لبنان وقصفها الأهداف المدنية وسقوط شهداء مدنيين أثبتت مرة أخرى عدم التزامها بهذا القرار، ما يُنذر بمواجهة جديدة قد تفرض قواعد اشتباك مختلفة في المستقبل القريب.

 

 

لم يكن هذا التحرك مجرد عملية عسكرية معزولة، بل جاء في سياق أوسع، حيث حصلت إسرائيل على الضوء الأخضر من الولايات المتحدة الأمريكية، التي لم تعارض التوسع الإسرائيلي، بل يبدو أنها تتعامل معه كجزء من استراتيجيتها لإعادة رسم التوازنات الإقليمية. هذا الدعم السياسي والعسكري يتيح لإسرائيل فرض وقائع جديدة على الأرض، تجعل من انسحابها أمرًا غير وارد على الأقل في المستقبل القريب.

 

تصاعد القلق في لبنان: إذا صحت هذه التسريبات، فإن الجنوب اللبناني قد يكون الهدف التالي بعد سوريا، خصوصًا أن أي تحرك عسكري إسرائيلي في لبنان قد يُستخدم كجزء من سياسة أوسع لـ”إعادة ترتيب” المنطقة.

 

المخاوف من مواجهة مباشرة: أي تحرك غير مدروس من قبل المقاومة اللبنانية قد يعطي إسرائيل الذريعة التي تحتاجها لشن عمليات عسكرية واسعة، بحجة حماية أمنها.

 

السيطرة على الجولان وجبل الشيخ؛ تأمين المحور الاستراتيجي

 

تمثل السيطرة الصهيونية على جبل الشيخ، إلى جانب تعزيز وجوده في الجولان، خطوة إضافية لتعزيز نفوذه على الحدود الشمالية. فالانتقال من الدفاع إلى الهجوم في القنيطرة ودرعا يعكس تحولًا واضحًا في الاستراتيجية الصهيونية، التي لم تعد تكتفي بإدارة النزاع، بل تسعى إلى فرض واقع جديد يضمن لها سيطرة طويلة الأمد.

 

كذلك التموضع الصهيوني في هذه المناطق لا يُنظر إليه فقط من زاوية الأمن المباشر، بل يرتبط بشكل وثيق بمشروع “ممر داوود” الذي يهدف إلى خلق ممر بري يمتد من الجولان إلى نهر الفرات، مرورًا بمناطق استراتيجية في جنوب سوريا والعراق. هذا المشروع يتطلب سيطرة عسكرية فعلية على الأرض، وهو ما يسعى إليه العدو الصهيوني عبر تعزيز وجوده العسكري بشكل متسارع.

 

ممر داوود: حقيقة أم حلم؟

 

يُشير مصطلح “ممر داوود” إلى مشروع توسّعي سعى العدو الصهيوني” من خلاله إلى إنشاء ممر بري يبدأ من مرتفعات الجولان السورية المحتلة، ويمتد عبر جنوب سوريا وصولاً إلى نهر الفرات، بهدف ربط “العدو بالمناطق في شمال سوريا والعراق. ويهدف هذا المشروع إلى تحقيق عدة أهداف استراتيجية، منها فك العزلة الجغرافية، وتعزيز الحركة التجارية، والسيطرة على موارد طبيعية مهمة، بالإضافة إلى تعزيز النفوذ الإقليمي لـلعدو الصهيوني”.

 

من الناحية التاريخية، تستند هذه الطموحات إلى مفهوم “إسرائيل الكبرى”، الذي يتطلع إلى توسيع حدود العدو” ليشمل الأراضي الواقعة بين نهري النيل والفرات، وهو ما أشار إليه ثيودور هرتزل، مؤسس الحركة الصهيونية.

 

في السياق نفسه، تبرز “لعنة العقد الثامن” كفكرة متجذرة في المعتقدات اليهودية، تشير إلى أن الدول اليهودية السابقة لم تتجاوز الثمانين عاماً في وجودها. هذا المفهوم أثار مخاوف بين قادة العدو حول مستقبل “العدو الصهيوني” مع اقترابه من العقد الثامن لتأسيسه. على سبيل المثال، حذّر رئيس الوزراء العدو الأسبق إيهود باراك من خطر التفكك الداخلي مع دخول “الكيان الغاصب” عقده الثامن، مستشهداً بتجارب تاريخية سابقة.

 

تتداخل هذه المفاهيم مع التوترات الإقليمية الحالية، حيث يُعتبر مشروع “ممر داوود” تهديداً لسيادة دول مثل سوريا والعراق، وقد يؤدي إلى تصعيد التوترات مع تركيا، التي ترى في هذه التحركات تهديداً لأمنها القومي. في الوقت نفسه، تثير “لعنة العقد الثامن” تساؤلات داخل المجتمع الصهيوني حول استمرارية الدولة وتماسكها في مواجهة التحديات الداخلية والخارجية.

 

الضفة الغربية و”ريفييرا غزة” ومعبر فيلادلفيا

 

جاء إعلان التراجع عن الانسحاب من معبر فيلادلفيا ليؤكد أن استراتيجية العدو الصهيوني لا تقتصر على الجبهة الشمالية فقط، بل تمتد إلى الجنوب أيضًا. فإحكام السيطرة على هذا المعبر يعزز فرض الحصار على قطاع غزة، ويجعل فك العزلة عنه شبه مستحيل، ما يُعتبر جزءًا من مخطط أوسع يهدف إلى تغيير الوقائع على الأرض. فالسماح للعدو الصهيوني بالتصرف بحرية في الضفة تحت نظر الأمريكي الداعمٍ  لسياسات التوسع الصهيونية، خصوصًا من خلال العمليات العسكرية في الضفة الغربية، والتي قد تكون خطوة نحو فرض واقع جديد يشبه سيناريو غزة، أي حصار خانق وشبه تدمير للبنية التحتية لفرض التهجير أو فرض ظروف حياة صعبة على الفلسطينيين.

 

إن دور ترامب في دعم المشروع الصهيوني أظهر انحيازًا واضحًا لصالح العدو الصهيوني، بدءًا من الاعتراف بالقدس عاصمة للعدو، مرورًا بضم الجولان، وصولًا إلى صفقة القرن التي لم يتم تنفيذها بالكامل لكنها أظهرت توجهاته. واليوم مخطط “ريفييرا غزة” هذا المصطلح يشير إلى تصور اقتصادي لغزة، حيث يتم إخضاع القطاع بالكامل لسيطرة اقتصادية إقليمية بإشراف مصري-صهيوني، وتحويله إلى مركز سياحي أو تجاري، في مقابل التضييق على سكان الضفة ودفعهم نحو خيار الهجرة إلى الأردن أو أماكن أخرى.

 

الخاتمة : يبقى الشرق الأوسط ساحة للصراعات والتحالفات المتغيرة، حيث تسعى القوى المختلفة إلى فرض رؤيتها الاستراتيجية عبر أدوات سياسية وعسكرية متنوعة. التحركات الأخيرة في جنوب لبنان وسوريا، إلى جانب التوسع في الضفة الغربية وغزة، تُظهر أن المشهد الإقليمي يتجه نحو مزيد من التعقيد. وبينما يتجلى مشروع “ممر داوود” كخطوة جديدة ضمن المخططات التوسعية، تبقى التوازنات الإقليمية والتفاعلات بين القوى الكبرى العامل الأساسي في تحديد مدى نجاح هذه السياسات أو فشلها. في ظل هذه التطورات، فإن المنطقة أمام مرحلة جديدة من التحديات التي تتطلب استجابة استراتيجية حكيمة توازن بين المصالح الوطنية والاستقرار الإقليمي.

 

 

المصدر: الوفاق/ خاص