عبير شمص
لم يلتزم العدو الصهيوني بإعلان وقف الأعمال الحربية الموقع في 27 تشرين الثاني / اكتوبر 2024، واستمر في عدوانه على لبنان واستهدافه للمدنيين، والمنشآت المدنية. إن إصرار العدو على خرق هذا الإتفاق عبر استهداف المدنيين وتدمير البنية التحتية المدنية، تحت ذريعة أنها تستهدف منشآت عسكرية تابعة لحزب الله، وكذلك الاحتفاظ بما أسمته “النقاط الخمس الاستراتيجية” تحت غطاء حماية أمن حدودها مع لبنان، يشكل خرقًا واضحًا للإعلان المذكور، ولقرار 1701 ولكافة القوانين الدولية. ويعدّ هذا الأمر احتلالًا للأراضي اللبنانية، مما يمنح لبنان، بمؤسساته السياسية والعسكرية والأمنية، الحق الكامل في الدفاع عن نفسه وأراضيه، ومواجهة هذا الاحتلال الجديد بكل الوسائل المشروعة. وفي هذا السياق حاورت صحيفة الوفاق أستاذ العلاقات الدولية في الجامعة اللبنانية الدكتور وسام إسماعيل، وكان الحوار التالي:
خيار المقاومة حاضر
يرى الدكتور إسماعيل بأن حزب الله حتى اللحظة يلتزم بالقرار 1701 وباتفاق وقف إطلاق النار، فقد أكد أمين عام حزب الله الشيخ نعيم قاسم السير بهذا الاتفاق وأن حزب الله ملتزم بخيار الدولة، ومن ناحية ثانية أكد على خيار المقاومة وأنها تقف خلف الدولة، وأن متابعة خروقات العدو متروك للدولة اللبنانية والسلطة السياسية المسؤولة لتعالجها، وفي هذه المرحلة يشن العدو الصهيوني غارات في كل مكان ويخرق الاتفاق في كل لحظة ويستهدف المدنيين ويرتقي شهداء بينما حزب الله لم يغلق أبداً كما أكد سماحته خيار اللجوء إلى العمل المقاوم وأشار إلى إمكانية تنفيذه في أي لحظة، وهنا يجب الإنتباه بأن انطلاق العمل المقاوم في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي اليوم لا يجب أن يعني بالدرجة الأولى العودة إلى القتال بالشكل الذي شاهدناه في حرب “أولي البأس”، فالاتفاق ما زال صامداً والإسرائيلي ليس لديه مصلحة بالعودة للحرب لأنه لم يحقق نتيجة والحرب لم تتوقف إلا لهذا السبب”.
ويشير الدكتور إسماعيل بأن العدو الإسرائيلي شن منذ عدة أيام أكثر من 25 غارة على لبنان وصفها وفق زعمه أنها رد على انتهاكات حزب الله للقرار 1701 وأنه يعمل على تطبيقه، قد لا يكون هناك انتهاكات للحزب، يستخدم العدو هذه الغارات في أمكنة مختلفة للتسويق بأن المقاومة تخرق القرار واتفاق وقف إطلاق النار حتى يبرر وجوده في لبنان وخروقاته واعتداءاته، برأيي هذا التصعيد الأخير هو دليل على أن كيان العدو يريد تكريس واقع يسمح له بالعمل خارج إطاره وهو يستهدف جعل هذه الاعتداءات عادية ومقبولة في محاولة للتعويض عن هزيمته في الميدان وللإلتفاف على النتيجة الحقيقية التي واجهها في الحرب”.
لا مستوطنات صهيونية بلبنان بسبب المقاومة
يؤكد الدكتور إسماعيل بأن خروقات العدو الإسرائيلي لإتفاق وقف إطلاق النار عبر استهداف المدنيين والبقاء في النقاط الخمس في الأراضي اللبنانية لا ترتبط بضرورة عملياتية للجيش الصهيوني كما يدعي بل يُعبر عن مشروع بقاء في لبنان وليس فقط في هذه النقاط الخمس والتي تشكل مدخلاً لفكرة بقاء قد تمكنه من توسيع إطار عمله في لبنان وتوسيع وجوده فيه وعبر خلق ذرائع متعددة منها أمنية ومنها تاريخية وإحدى مؤشراتها زيارة المستوطنين لموقع العباد، فالعدو يتذرع بوجود مقدسات تاريخية له في لبنان ومنها موقع العباد وتأتي في الإطار نفسه زيارة المؤرخ الصهيوني إلى قلعة بلدة شمع في جنوب لبنان، واستهدافه من قبل المقاومة مما أدى إلى مقتله، يصب هذا كله في محاولة بث سردية أو سياق معين في الكلام يوحي بأن له حقوقاً تاريخية في لبنان بما يبقي المجال مفتوحاً لبقائه فيه، وذلك في محاولة توسيع نفوذه بما قد يصل في مرحلة لاحقة إذا انعدمت أي وسيله لمقاومته إلى إمكانية إقامة مستوطنات، فالذي منع الاسرائيلي من إقامة مستوطنات في لبنان ليس أن لا أطماع له وليس أنه لا يريد خرق سيادة الدولة، فقط الذي يمنع وجود المستوطنات في لبنان هو المقاومة ففي لبنان هناك شعب لا يفكر كثيراً بالأكلاف التي سيدفعها عندما يتعلق الأمر بمواجهة العدو”.
لا تعويل على اللجنة الضامنة للإتفاق
يؤكد الدكتور إسماعيل بانه لا يعول على الدول الضامنة لاتفاق وقف إطلاق النار بين لبنان والعدو الصهيوني، فتكتفي الدول المشاركة بلجنة الإتفاق بالتنبيه للخروقات أو دعوة العدو للإنسحاب ولكن من يدير هذه اللجنة أميركي وبالتالي من الطبيعي نتيجة ما بات واضحاً من وجود اتفاق جانبي بين الولايات المتحدة والكيان الاسرائيلي لاستكمال محاولة تحقيق أهداف الحرب بوسائل أخرى أن التعويل على هذه اللجنة لضمان الحقوق اللبنانية غير مجدٍ، كما أن العمل الدبلوماسي بشكلٍ عام لا يؤتي بنتيجة في مواجهة الكيان الصهيوني، فسماحة الشيخ نعيم قاسم كان واضحاً عندما قال سننتظر المراهنين على الخيارات الدبلوماسية لنرى ماذا سيفعلون موحياً بوجود يقين بعدم قدرتها على تحقيق نتيجة مع العدو الذي لن ينسحب وفق خيار الدبلوماسية وسيبقى يختلق الذرائع، وبالتالي هذه اللجنة الضامنة هي لجنة شكلية يعني حتى الجانب اللبناني في موضوع العلاقة مع هذه اللجنة هي فقط تأخذ علماً وخبراً من الأمريكي وهي ليست شريكة له”.
هذا ويعتبر الدكتور إسماعيل بأن هدف العدو هو البقاء في لبنان وخرق الاتفاق خاضع لنظريتين، النظرية الأولى ترتبط بالأطماع الإسرائيلية في لبنان والإيحاء بأن نتيجة المعركة لصالحها والتأكيد على أنها تملك الحق بالبقاء في لبنان وهي لا تقيم أي وزن للسيادة اللبنانية طالما الأمر يرتبط بأمن المستوطنات والنظرية الثانية وفق البعض بأن هذه الخروقات يريدها الكيان الصهيوني ذريعة للتواصل مع الدولة اللبنانية من أجل التفاوض وبما يسهل إمكانية الوصول إلى تفاهم يكون مدخلاً للتطبيع طبعاً وهذه النظرية الثانية أعتقد أنها الأقرب”.
معادلات جديدة للميدان
يعتقد الدكتور إسماعيل بأن المقاومة تعطي فرصةً للعمل الدبلوماسي حتى وإن كانت لا تؤمن بأن هذا الخيار سيؤدي إلى نتيجة، كما قد صيغت معادلات في السابق لحماية المدنيين، فقد أكد دائماً سيد شهداء الأمة السيد حسن نصر الله أن الهدف الأول للمقاومة حماية المدنيين وهذا يوضح قرار المقاومة في حرب “أولي البأس” باستهداف العسكريين الصهاينة فقط واعتماد الرد على استهداف المدنيين بضرب أهداف عسكرية لحماية المدنيين وبالتالي ما سيحدث في المستقبل بالنسبة للمقاومة سيكون مرتبط بمعادلات جديدة، أما بالنسبة للخروقات فقد قال سماحة الشيخ نعيم أنه سيرُد عليها في النهاية بعمل مقاوم، هنا نشير إلى أن الإسرائيلي والعالم كله يعلم أن بقاء الكيان الصهيوني في لبنان مرهون بقرار المقاومة بالبقاء خلف الدولة اللبنانية لأنه إذا اتخذت المقاومة قراراً بأنه يفترض على العدو الصهيوني الخروج من الأراضي اللبنانية وإلا ستستهدف هذه النقاط فسيحصل ذلك، وفي الواقع تستطيع المقاومة استهدافها في لحظات فهذه المواقع الخمسة التي بقي فيها العدو الصهيوني لا قيمة لها من ناحية القيمة العملياتية الميدانية، فليس لديها ما يمكنها من حماية نفسها، ومرتبط بقاؤها بيد العدو الصهيوني بالتزام المقاومة بالعمل الدبلوماسي”.
ويختم الدكتور إسماعيل حديثه بالقول :” يعلن حزب الله دائماً أنه لا يريد حرب وغير معني بها لأنه بالأساس حركة مقاومة دفاعية، هناك معادلات ردع بينهم ولكن لا يوجد قوة متناسبة بين الطرفين، وقرار الحرب بيد الإسرائيلي الذي إذا وجد في أي لحظة أن الحرب ستحقق له أهدافه سيعود إليها، طبعاً حالياً يتذرع بالمقاومة وسلاحها ولكن حتى ولو لم يكن هناك مقاومة سيقول بوجود حقوق تاريخية أو احتمال تهديد للكيان الصهيوني فهو يشن الحرب كعمل استباقي، فقرار الحرب بيد العدو الصهيوني المدعوم أمريكياً وهو المعتدي وصاحب المشروع التوسعي وهو الذي لا يخضع ولا يخاف من الشرعية الدولية وهو الذي لا يقيم وزناً للأمن القومي العربي ويرسل تهديدات لأصدقائه قبل أعدائه في الدول العربية”.