د. حسن بشير*
في الوقت الذي كان يقترب فيه شهر رمضان المبارك من نهايته، أعلنت بعض الدول عن يوم عيد الفطر. في هذا الشهر، شهدنا العديد من التطورات المتعلقة بغزة في ظل ظروف كان سكانها يسعون لقضاء الشهر في سلام. نحاول، هنا، تحليل الأسباب الجوهرية لهجمات الكيان الصهيوني على غزة في هذا الشهر المبارك.
الهجمات الصهيونية على غزة في شهر رمضان، مثل جميع العمليات العسكرية الأخيرة في الأراضي المحتلة، لها جذور في عوامل سياسية وأمنية وتاريخية معقدة. يجب التركيز على النقاط التالية:
1. الخلفيات التاريخية والأمنية
– الصراع التاريخي: يعود الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني، خاصةً مع فصائل المقاومة، إلى عقود ولا يُعتبر إجراءً جديداً. ظلت غزة، كقاعدة رئيسية لجماعات مثل حماس، في قلب التوترات. تعتبر “إسرائيل” قطاع غزة تهديداً أمنياً دائماً، وتستخدم الهجمات الصاروخية المتفرقة من الفصائل الفلسطينية كذريعة “قانونية” لشن عمليات عسكرية أوسع تحت مسمى ما یقوله الصهاینة: “الدفاع عن النفس”.
– تصعید الاعتداءات الصهيونية في شهر رمضان: بالنسبة للفلسطينيين، يعد شهر رمضان رمزاً للمقاومة والتضامن. ونظراً لهذه الخاصية المهمة للشعب الفلسطيني، وخاصة شعب غزة، فإن الكيان الصهيوني يحاول ليس فقط منع تجمعاتهم الإحتجاجية، بل يمنع الصلاة الجماعية في المسجد الأقصى، خوفا من الأعمال المحتملة التي قد تقوم بها الجماعات الفلسطينية ضدهم من خلال الهجمات المختلفة وعمليات المضايقة.
2. الأهداف السياسية الداخلية لـ “إسرائيل”
– أجندة نتنياهو لتضليل الرأي العام العالمي: يتعرض رئيس الوزراء الصهيوني بنيامين نتنياهو لضغوط من الرأي العام ليس فقط داخل “إسرائيل” بل وأيضاً على الصعيد العالمي بسبب الفساد والجرائم المختلفة. ومن ثم، فمن الواضح أن تصعيد العمليات العسكرية في غزة قد يكون محاولة لتحويل الرأي العام المحلي والخارجي وتعزيز مكانته باعتباره “حامي أمن إسرائيل”.
– ضغوط اليمين المتطرف: بعض الشخصیات والأحزاب، خاصةً الأحزاب اليمينية المتطرفة في حكومة الإحتلال، يطالبون بقوة باتخاذ إجراءات أكثر صرامة ضد الفلسطينيين، وخاصةً شعب غزة المقاوم. وغالباً ما تلجأ هذه الشخصيات والأحزاب إلى العمليات العسكرية القمعية لتعزيز قواعدها الانتخابية، وخاصةً في التطورات المستقبلية.
3. العوامل الأمنية والاستراتيجية
– تدمير البنية التحتية: إن قطع المياه ومنع دخول الغذاء وتقييد المساعدات الإنسانية الدولية، ومؤخراً انقطاع الكهرباء على نطاق واسع في قطاع غزة، هو جزء من الاستراتيجية العسكرية الصهيونية لإضعاف قوة الشعب وحكومة حماس في غزة وتقليص قدراتها العسكرية ضد “إسرائيل”. وتبرر “إسرائيل” هذه الإجراءات بحجة منع نقل المرافق المختلفة إلى مجموعات المقاومة.
– مواجهة العمليات الفلسطينية: تزعم حكومة الإحتلال أن الهجمات على غزة هي رد مناسب وضروري على إطلاق الصواريخ أو العمليات الفردية التي تقوم بها حماس. ومع ذلك، فإن الطبيعة اللاإنسانية وغير المتناسبة لهذه الهجمات (نظراً للخسائر الكبيرة في صفوف المدنيين في غزة) كانت دائماً موضع انتقادات خطيرة من جانب المجتمع الدولي.
4. الأبعاد الإنسانية وانتهاكات حقوق الإنسان
– الكارثة الإنسانية: انقطاع المياه والكهرباء في شهر رمضان المبارك، وهو وقت الصيام الذي يضع الناس في حاجة مضاعفة للموارد الغذائیة، يؤدي إلى تفاقم الأزمة العامة في غزة. وتشير تقارير الأمم المتحدة ومنظمات حقوق الإنسان، والاحتجاجات العالمية الواسعة النطاق، إلى أن الحرمان من الضروريات الأساسية للحياة (مثل مياه الشرب) يشكل انتهاكاً واضحاً للقانون الدولي.
– العقاب الجماعي لشعب غزة: يحاول الكيان الصهيوني في كل أعماله العسكرية واللاإنسانية إجبار شعب غزة وفصائل المقاومة على التراجع والتخلي عن أي نضال والقبول الكامل بالواقع الصهيوني عبر تقييد وصول المساعدات الإنسانية لشعب غزة وتدمير البنية التحتية لتلك المنطقة كوسيلة للضغط على السكان المدنيين بأكملهم. وقد اعتبرت كافة المنظمات الدولية والأحرار في العالم هذه الخطوة غير إنسانية وغير أخلاقية.
5. ردود الفعل الدولية
– صمت الحكومات الغربية: على الرغم أن بعض الدول الغربية، مثل بريطانيا وبعض أعضاء الاتحاد الأوروبي، أعربت عن قلقها، وخاصةً بشأن انقطاع المياه والكهرباء في غزة في شهر رمضان، إلا أن “إسرائيل” لم تتخذ أي إجراء عملي وفعال لوقف هذه العملية، كما ساهم الدعم غير المشروط الذي قدمته الولايات المتحدة للكيان الصهيوني في استمرار هذه العمليات.
– اتهامات بالإبادة الجماعية على نطاق واسع: اتهمت العديد من المنظمات الدولية، وخاصة المقررين الخاصين للأمم المتحدة ومؤسسات حقوق الإنسان في جميع أنحاء العالم، الكيان الصهيوني باستخدام التجويع وحصار شعب غزة كسلاح حرب. وتزايدت هذه الاتهامات، خاصةً في شهر رمضان، نظراً لتأثيراته الملموسة على المدنيين.
6. الخاتمة والمستقبل
إن الهجمات الصهيونية المتواصلة على الشعب الأعزل في غزة خلال شهر رمضان هي مزيج من الأهداف الأمنية قصيرة الأجل، والحسابات السياسية الداخلية، وتجاهل خطير لحقوق الإنسان الفلسطيني. حتى يتم حل جذور الصراع الصهيوني الفلسطيني (مثل الاحتلال والحصار وتجاهل حقوق الشعب الفلسطيني)، فإن دائرة العنف والحرب ستستمر. ولن يتسنى التوصل إلى حل دائم إلا عبر قبول حقيقة الدولة الفلسطينية والفلسطينيين، ورفع الحصار عن غزة وجميع الأراضي الفلسطينية، واحترام القانون الدولي.
* أستاذ جامعة الإمام الصادق(ع)