الخبيرة في علم الاجتماع السياسي الدكتورة ليلى صالح للوفاق:

التطبيع سلاح ناعم للهيمنة الصهيو-أمريكية على المنطقة

خاص الوفاق: تحولت القضية الفلسطينية من قضية كبرى بكل أبعادها العقائدية" الأقصى قبلة المسلمين الأولى" والإنسانية"مظلومية وحقوق الشعب الفلسطيني" إلى قضية نزاع تحت مسمى "الصراع العربي الإسرائيلي" تمهيداً لتسويته باتفاقيات سلام فتطبيع

عبير شمص

 

أتحفتنا السيناريوهات الغربية بالحلول السياسة ”الترامبية” المرتقبة حتى وصف ”برجل إطفاء الحروب”، حيث دخل ولايته الثانية وأمامه ثلاثة استحقاقات في السياسة الخارجية للإدارة الأمريكية، الحرب الأوكرانية، الحرب في غرب آسيا (الشرق الأوسط)، تسوية هذه الحروب للإعداد والتفرغ لمواجهة الصين المنافسة الاقتصادية للدولة العميقة في أمريكا التي تقوم على الرأسمالية الاقتصادية المهيمنة على العالم مما يعني تهديداً وجودياً للدولة الأمريكية. لا تخفي الإدارة الأمريكية سياسة استراتيجيتها الخارجية، بل تعلنها للملأ بخطابات ومواقف الساسة وعبر مراكز دراسات استراتيجية متخصصة صهيونية وغربية، ولا يعني ذلك أن كل ما يقوله ”ترامب” والإدارة الأمريكية سيحصل بالفعل، بل إن تتبع ما تخطط له ”الإدارة الأمريكية ” لمنطقتنا تضع الجميع أمام مسؤوليته الأخلاقية والمبدئية لتبيين الدوافع والحقائق، فلا للانخداع بالديمقراطية الوحشية وبألوانها ”المثلية”، التي انكشفت جميع فصولها في معركة ”أولي البأس”، وها هي توظف أدواتها وقوتها ترهيباً وهيمنة لتفرض علينا مشروع التطبيع في منطقتنا، وفي هذا السياق وحول مشروع التطبيع الترامبي حاورت صحيفة الوفاق الخبيرة في علم الاجتماع السياسي الدكتورة ليلى صالح، وفيما يلي نص الحوار:

 

من يضبط مشروع التطبيع في منطقتنا

 

تُعرّف الدكتورة صالح التطبيع باعتباره مصطلحاً سياسياً استخدم لإعادة العلاقات بين الدول المتحاربة بعد فشل الحروب من حسم المعركة، ففي الغرب ساهم التطبيع  بعد هزيمة نابليون في إعادة تشكيل النظام الأوروبي في مؤتمر فيينا (1815). كما أدى في  الخمسينيات، بموجب علاقات اقتصادية للفحم والصلب، إلى تأسيس الاتحاد الأوروبي، بعد سقوط النازية في الحرب العالمية الثانية، جرى التطبيع بين ألمانيا الغربية و”إسرائيل” في الستينيات، بدفع تعويضات عن المحرقة النازية وإعادة دمج ألمانيا، وبسقوط الاتحاد السوفياتي في نهاية الحرب الباردة 1991 شهدت محاولات تطبيع بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي، كانت اتفاقيات سالت (SALT) واتفاقيات خفض الأسلحة النووية مقدمة لمحاولات تطبيع  حصلت  بين دول أوروبا الشرقية والغربية، وإعادة إندماج دول مثل بولندا والمجر في النظام الأوروبي الجديد، فالتطبيع في الغرب حصل بعد اتفاقيات حكمتها موازين قوى، ردعت وضبطت الأطراف من تجديد الحرب، وانفتحت على علاقات اقتصادية مصالح مشتركة، أما مشروع التطبيع الترامبي المزعوم في منطقنا لماذا ومن يضبطه؟

 

التطبيع سلاح ناعم للهيمنة

 

ترى الدكتورة صالح بأنه لفهم الدعم الأمريكي والغربي المطلق للكيان المؤقت، في معركة  “طوفان الأقصى”، نستحضر وصف ألكسندر هيغ وزير الخارجية الأمريكي في عهد الرئيس رونالد ريغان (1981-1982)  لإسرائيل بأنها “حاملة طائرات أمريكية لا تغرق” ، ويبرر  دعم أمريكا لها للداخل الأمريكي، بأنها أكثر استقرارًا وأقل كلفة من القواعد العسكرية التقليدية لتقويض أي قوى عربية أو إسلامية قد تهدد المصالح الأمريكية، فبقاء الكيان المؤقت كقوة مهيمنة يساعد أمريكا في التحكم بمنابع النفط ومسارات التجارة، والتلاعب بالنفط والتجارة الإقليمية. لذا نجد المساعدات العسكرية الأمريكية للكيان المؤقت مستدامة، تصل إلى 3.8 مليار، ما يعني في الاستراتيجية العسكرية أن الدعم الأمريكي له ليس مجرد التزام أخلاقي أو سياسي، بل جزء من استراتيجية الهيمنة الأمريكية في “الشرق الأوسط”، بقاعدة استراتيجية متقدمة بشراكة عسكرية وتكنولوجية مدعومة من اللوبي الصهيوني والشركات العالمية المتداخلة المصالح في الدولة العميقة لأمريكا، جعلت من الكيان المؤقت  يؤدي وظيفة عسكرية سياسية، بالهيمنة على دول المنطقة، ورأس حربة في مواجهة من يقف أو يعرقل السياسة الأمريكية في المنطقة، كما أن كل الحروب والصراعات التي يشارك فيها  العدو الصهيوني تتطلب مزيدًا من صفقات السلاح التي تدعم المجمع الصناعي العسكري الأمريكي.

 

وترى الدكتورة صالح بأن التطبيع جاء كسلاح ناعم في سياق هذه الهيمنة، الصهيو-أمريكية على المنطقة، فهو لم يأتِ نتيجة توافق أو حل لقضايا إشكالية بين دول متحاربة كما حصل في الغرب، بل بدأ مع اتفاقية كامب ديفيد 1978، بعد الانتكاسات التي حلت بالدول العربية في استعادة حقوق القضية الفلسطينية، فخيار السياسة الدبلوماسية “السلام” التي سلكته بعض الدول العربية لحل القضية الفلسطينية والقبول بأدنى حقوق إنسانية في “حل الدولتين” بالرغم من كل الإشكاليات التي تلف هذا الحل من دولة شكلية فلسطينية أشبه بحكم ذاتي قراره السياسي صهيوني لا يتجاوز إدارة تنظيمية مدنية، باتفاقية وارسو 1993، ووادي عربة 1994.

 

وللأسف الحرب الناعمة بسلاح التطبيع حولت القضية الفلسطينية من قضية كبرى بكل أبعادها العقائدية” الأقصى قبلة المسلمين الأولى” والإنسانية”مظلومية وحقوق الشعب الفلسطيني” إلى قضية نزاع تحت مسمى “الصراع العربي الإسرائيلي” تمهيداً لتسويته باتفاقيات سلام فتطبيع، يمحو كل الجريمة الصهيونية التاريخية السياسية الاجتماعية بحق الشعب الفلسطيني والأمة الإسلامية.

 

تشير الدكتورة صالح  إلى تنصل العدو من كل الاتفاقات المبرمة بالرغم من كل التنازلات، وجاءت تصريحات قادة العدو بأن هذه الاتفاقيات لا تساوي الحبر الذي كُتبت فيه، تأكيداً على العقيدة الإجرامية الوحشية لهذا العدو الغاشم في منطقتنا، كما كُشف للرأي العام العربي والعالمي في عملية “طوفان الأقصى” بخروج العدو من كل الاتفاقيات الدولية، والتنصل الصهيوني الأمريكي الغربي من كل ضوابط وقرارات المجالس والمحاكم الدولية  التي تدعي حماية حقوق الإنسان والشعوب.

 

سلاح التطبيع للترويج السياسي والاقتصادي

 

تشير الدكتورة صالح بأن ترامب اليوم يستخدم سلاح التطبيع بالترويج السياسي والاقتصادي له بعد فشل وهزيمة الحروب الإسرائيلية من فرض هيمنتها على المنطقة، بدءاً من حرب تموز على لبنان ٢٠٠٦ الذي أسماها “الكيان المؤقت” بالحرب الثانية، إلا أن نتائج هذه الحرب فرضت فيها المقاومة معادلات ردع لحماية المدنيين اللبنانيين، مروراً بعملية  “طوفان الأقصى” ٢٠٢٣، فبعد أن أسقطت المقاومة الفلسطينية قوة الردع الإسرائيلية  القائمة بالجدار الفولاذي، وغيرت معادلات حرب الكيان في المنطقة، من الحسم السريع، في أرض العدو وفق تعبيرهم إلى الحروب الطويلة ونقل المعركة إلى داخل الكيان المؤقت، وبفشلها وانكسارها البري في معركة “أولي الباس” وعملية “طوفان الأقصى” من تحقيق أهدافها التي أعلنتها، بالرغم من الدعم المباشر الأمريكي والغربي اللوجستي والإداري والاستخباراتي.

 

تشكيل العلاقات الدولية وفق المسار الأمريكي الجديد

 

تلفت الدكتورة صالح بأن القوات الأمريكية دخلت حرباً مباشرة مع اليمن، لأول مرة بعدما كانت تشنها بأدواتها في المنطقة، وهي أعلنت بأن عدوانها على اليمن سيتجاوز الأسبوع وهو ما صرّح عنه مسؤول أمريكي لرويترز بأنها قد تستمر لأسابيع وهي أكبر عملية عسكرية أمريكية في الشرق الأوسط منذ تولي ترامب منصبه، حددت أسباب عدوانها المباشرة على اليمن باستعادة الملاحة البحرية وبأنها تصب في المصلحة العليا للبلاد، تشير تقارير اقتصادية إلى أنه أكثر من 20% من التجارة العالمية تمر عبر ملاحة البحر الأحمر بأضرار اقتصادية كبيرة بعد تحولها حول أفريقيا، كما أعلن قادة عسكريون صهاينة بأن تجديد العدوان على قطاع غزة لتحسين شروط المفاوضات.

 

هذه السياسات الترامبية في ولايته الثانية، لم يعد فيها مجرد رئيس شعبي، بل زعيماً يعيد تشكيل العلاقات الدولية بفوضوية، مفككاً المؤسسات، وكاسراً للتقاليد السياسية، وهو جاء إلى منطقتنا يعتمد قاعدة سياسية صهيونية ” ما لا يمكن أن يتحقق بالقوة سيتحقق بمزيد من القوة”. بالتالي تؤكد على تبني ترامب توصيات لمراكز الدراسات الغربية والصهيونية التي تناولت مجموعة من التوصيات السياسية والاستراتيجية الهادفة إلى إعادة رسم موازين القوى في الشرق الأوسط، فبعد اختبار الحدود اللبنانية الشرقية وتحديد حجم التصدي، وهو اختبار للدولة داخليًا وخارجياً لتثبت جهوزيتها في الدفاع على الحدود لحفظ أمنها وسيادتها وقرارها السياسي الحر أمام الضغوط الأمريكية في فرض مسار تفاوضي للتطبيع مع لبنان.

 

تختم الدكتورة صالح بالقول إن محاولة ترامب في تبني نهج متوازن يجمع بين الدبلوماسية والاقتصاد والعسكر، مع تجنب السياسات قصيرة الأمد وضمان استدامة النفوذ الأمريكي عالميًا وفق توصيات مراكز الدراسات، فرض إعادة طرحه لمشروع التطبيع في المنطقة، ليعيد فرض “الكيان المؤقت ” جزءًا من التوازن الإقليمي الذي تسعى واشنطن إلى الحفاظ عليه بعد فشله العسكري في معركتي “طوفان الأقصى” و”أولي البأس.

 

 

المصدر: الوفاق/ خاص

الاخبار ذات الصلة