رغم التحديات الكثيرة

ما هي أبعاد الشراكة التركية الباكستانية في التنقيب عن النفط والغاز؟

من جهة تسعى تركيا إلى توسيع نفوذها الإقليمي وترسيخ مكانتها كلاعب فاعل في سوق الطاقة العالمية، ومن جهة أخرى، تحاول باكستان جذب استثمارات بديلة بعد إحجام الشركات الدولية الكبرى عن العمل في أراضيها

تسعى تركيا، التي تفتقر إلى موارد نفطية كبيرة وتعتمد على استيراد الطاقة، إلى توسيع نطاق أنشطتها في مجال التنقيب عن النفط والغاز من خلال اتفاقية جديدة مع باكستان. هذه الخطوة تأتي في وقت تُحجم فيه الشركات العالمية الكبرى عن الاستثمار في قطاع الطاقة الباكستاني.

 

تركيا أبرمت مؤخراً اتفاقية للتنقيب عن النفط والغاز في 40 كتلة بحرية في المياه الإقليمية الباكستانية، وهو ما احتفت به وسائل الإعلام المقربة من حكومة أردوغان. لكن مراكز البحث والمؤسسات الدولية المتخصصة تشكك في جدوى هذه الصفقة من الناحية الاقتصادية.

 

تطلعات تركيا في مجال الطاقة

 

على الرغم من التشكيك الدولي، تسعى تركيا جاهدة لترسيخ مكانتها كلاعب فاعل في سوق التنقيب العالمي. وقد صرح ألب أرسلان بايراكتار، وزير الطاقة والموارد الطبيعية التركي، حول استراتيجية أنقرة قائلاً: “نعمل على البحث عن النفط والغاز في جميع مناطق تركيا. حالياً وصل إنتاج النفط في منطقة جابار بمحافظة شرناخ إلى 80 ألف برميل يومياً، كما اكتشفنا احتياطيات كبيرة من الغاز الطبيعي في البحر الأسود. وقد وصل إنتاج الغاز في حقل ساكاريا إلى 8.5 مليون متر مكعب. كما نواصل أنشطة التنقيب خارج البلاد في مياه الصومال وليبيا وأفريقيا والنيجر والشرق الأوسط والعراق وآسيا الوسطى.”

 

ويرى المحللون السياسيون الأتراك أن أردوغان وحزب العدالة والتنمية يحاولون، في ظل ارتفاع أسعار الغاز الطبيعي والكهرباء في البلاد، تعزيز آمال مؤيديهم بالإصلاحات الاقتصادية من خلال الترويج لاكتشافات جديدة في مجال الطاقة.

 

تكثيف العلاقات

 

تعد محاولة التعاون مع باكستان في مجال الطاقة جزءاً من استراتيجية أوسع لتعزيز العلاقات بين البلدين. فخلال الأشهر الثلاثة الماضية، عُقد ما لا يقل عن سبعة لقاءات بين مسؤولين رفيعي المستوى من أنقرة وإسلام آباد.

 

زار الرئيس التركي رجب طيب أردوغان باكستان في الشهر الماضي والتقى برئيس الوزراء شهباز شريف والرئيس آصف علي زرداري. وتبع ذلك زيارات متبادلة شملت وزراء النقل والخارجية والتغيرات المناخية والطاقة من كلا البلدين.

 

وفي أحدث هذه اللقاءات، وقعت شركة النفط الوطنية التركية (TPAO) اتفاقية مع ثلاث شركات نفطية باكستانية كبرى تشمل Mari Energies وOGDCL وPPL. وبموجب هذه الاتفاقية، ستشارك تركيا في مناقصة أنشطة التنقيب الهيدروكربوني في 40 كتلة بحرية في المياه الإقليمية الباكستانية.

 

وجاء في بيان وزير الطاقة التركي: “هذه الاتفاقية لن تعمق الشراكة الاستراتيجية في مجال الطاقة بين تركيا وباكستان فحسب، بل تمثل أيضاً نقطة تحول مهمة من منظور تأمين أمن الطاقة الإقليمي”.

 

لماذا لجأت باكستان إلى أنقرة

 

بعد الموقف الفاتر من الدول الغربية، وخاصة شركة توتال الفرنسية، سعت باكستان خلال العام الماضي إلى تشجيع تركيا للمشاركة في أنشطة التنقيب عن النفط والغاز.

 

والسؤال هو: لماذا وجدت باكستان نفسها في موقف لا تستفيد فيه من رأس المال والمعرفة والخبرة للشركات الدولية الكبرى، وتفضل العمل مع أنقرة وباكو؟ الإجابة تكمن في بعض القضايا الاقتصادية والأمنية التي جعلت ملف النفط والغاز الباكستاني غير جذاب للشركات العالمية العملاقة.

 

منذ أقل من عام، انتشرت شائعات في بعض الأوساط المتعلقة بأمن الطاقة مفادها أن الحكومة الباكستانية اكتشفت احتياطيات هائلة من النفط والغاز بعد دراسة سرية. وقد بالغ الباكستانيون في تصريحاتهم حول هذا الخبر، مدعين أن سواحل البلاد تحتوي على رابع أكبر احتياطيات للنفط والغاز في العالم.

 

ومع ذلك، لم تتمكن باكستان من تحقيق نتائج ملموسة في مجال الاستكشاف أو الإنتاج، مقارنة بالهند التي نجحت في إكمال البحوث التقنية في أكثر من مائتي كتلة نفطية. وواجهت مناقصة 18 كتلة نفطية وغازية باكستانية استجابة فاترة من الشركات الدولية.

 

وأبلغ وزير النفط الباكستاني، مصدق مالك، أعضاء لجنة برلمانية أن الشركات الدولية لا تبدي اهتماماً بالتنقيب عن النفط والغاز البحري في باكستان، وأن الشركات العاملة تسعى في الغالب للخروج من السوق.

 

ترتبط هذه المشكلة بعدم القدرة على توفير الأمن والمخاطر المالية. فالمناطق التي تبحث فيها الشركات عن النفط والغاز تتطلب مبالغ كبيرة لحماية الموظفين وأصول الشركة، لكن الشركات غير مستعدة لتحمل مثل هذه المخاطر، والحكومة الباكستانية لا تستطيع الوفاء بالتزاماتها الأمنية.

 

مقتل خمسة مهندسين صينيين في هجوم انتحاري في شمال غرب باكستان هو مجرد مثال واحد على انعدام الأمن في سوق المشاريع الكبرى في باكستان. كما تعرض مجمع إدارة ميناء جوادر في جنوب غرب باكستان للهجوم، مما أدى إلى تدمير جزء كبير من الأصول الصينية في هذه المنشآت.

 

تشير هذه الأدلة إلى أن حقول النفط والغاز الباكستانية ليست هدفاً جذاباً للاعبين والمنافسين العالميين الكبار، وهذا هو السبب الذي دفع تركيا للدخول إلى هذا المجال.

 

ويُقال إن التعاون بين أجهزة الاستخبارات التركية والباكستانية قد وصل إلى ذروته في السنوات القليلة الماضية، وتم التوصل إلى اتفاقيات في مجال الصناعات الدفاعية، ولا سيما فيما يتعلق بالمروحيات العسكرية والطائرات بدون طيار، والتي ظلت سرية في معظمها.

 

تعكس الشراكة الناشئة بين تركيا وباكستان في مجال التنقيب عن النفط والغاز استراتيجية متعددة الأبعاد لكلا البلدين. فمن جهة، تسعى تركيا إلى توسيع نفوذها الإقليمي وترسيخ مكانتها كلاعب فاعل في سوق الطاقة العالمية، رغم محدودية مواردها النفطية الذاتية. ومن جهة أخرى، تحاول باكستان جذب استثمارات بديلة بعد إحجام الشركات الدولية الكبرى عن العمل في أراضيها بسبب المخاوف الأمنية والمخاطر المالية.

 

رغم التحديات والشكوك الدولية حول الجدوى الاقتصادية لهذه الاتفاقية، فإن العلاقات المتنامية بين البلدين تتجاوز قطاع الطاقة لتشمل التعاون في مجالات النقل والزراعة والصناعات الدفاعية والأمن. ويبدو أن هذا التحالف الاستراتيجي يستند إلى مصالح مشتركة أوسع نطاقاً، حيث يمكن أن يوفر لتركيا موطئ قدم في جنوب آسيا، بينما يمنح باكستان شريكاً قوياً يمكن أن يساعدها في التغلب على تحدياتها الاقتصادية والأمنية.

 

في النهاية، سيكون نجاح هذه الشراكة مرهوناً بقدرة الطرفين على تجاوز العقبات الأمنية والتقنية والمالية التي أدت إلى تردد الشركات العالمية الكبرى في الاستثمار بالقطاع النفطي الباكستاني. وستظل التطورات المستقبلية في هذا التعاون محط اهتمام المراقبين الإقليميين والدوليين لما لها من انعكاسات على خريطة الطاقة في المنطقة.

 

المصدر: الوفاق