تكامل الكفاءة الفردية والمجتمعية

ليس هناك فرق بين كفاءة المجتمع، وكفاءة الفرد، فكلاهما يعملان معا في ساحة واحدة من أجل إصلاح المشكلات الموجودة سواء في المجتمع أو في مرافق الدولة ومؤسساتها، ولكن يجب أن يتفق الجميع أولا على أهمية الكفاءة، فلا خير في نخب لا تتمتع بالكفاءة، ولا خير في قادة لا يمتلكون الكفاءة...

الكفاءة في معناها المباشر والواضح تعني إنجاز مهمة معينة بأفضل النتائج الممكنة، وكما هو معلوم لنا جميعا، يحتاج الإصلاح الاجتماعي إلى نخب فاعلة وقادرة ومتمرسة تقوده بنجاح وكفاءة نحو أهدافه، ولعلنا لا نخطئ إذا قلنا بأن أحد أكبر الأسباب في تأخّر المجتمعات والأفراد، يعود إلى قلة الكفاءة مما يعرقل الوصول إلى الأهداف المنشودة.

 

ويمكن أن نستخلص معادلة واضحة المعالم، تقول بأن قلة الكفاءة في القيادة والإدارة تعني زيادة في المشاكل التي يعاني منها المجتمع، بل حتى الأفراد يتعرضون لمشاكل كبيرة بسبب قلة كفاءتهم، لهذا كانت ولا زالت الأمم المتقدمة تُدار بكفاءة عالية من قبل النخب القيادية، ولابد أن يتوفر نوع من التعاون بين الكفاءة الفردية والمجتمعية في نفس الوقت.

 

لهذا تم حسم الأمر في خصوص تحقيق الإصلاح الاجتماعي، وتم ربط هذا الهدف بتوفر الكفاءة للأفراد وللمجتمع في نفس الوقت، ولا سبيل للإصلاح الاجتماعي من دون وجود الكفاءة اللازمة في إدارة حياة الناس، بالإضافة إلى نجاح الأفراد في إدارة حياتهم بكفاءة.

 

هناك ظاهرة يمكن أن نجدها في معظم المجتمعات والدول المتأخرة، ففي مثل هذه المجتمعات دائما نجد الشعارات أعلى صوتا من العمل، في حين أن المثل يقول (إن الأعمال أعلى صوتا من الأقوال)، لكن في المجتمعات المريضة يرفع القادة (الفاشلون) الشعارات البراقة، وغالبا ما تكون شعاراتهم خالية من المضمون الصحيح والجيد.

 

الكفاءة ليس شعارات رنانة، ولا أصوات عالية، بل هي حالة تطبيقية واقعية نراها بأعيننا ونلمسها بأيدينا، ولهذا يجب أن نتأكد من وجود الكفاءة الحقيقية عند قادتنا وفي مجتمعنا وعند الأفراد بشكل عام، لأن هؤلاء جميعا يشتركون معا في تحقيق الهدف المتمثل بالإصلاح الاجتماعي، لهذا يجب ضمان وجود الكفاءة في المجتمع وفي الفرد، وفي الأمة بأكملها.

 

التكاملية في كفاءة الفرد والمجتمع

 

إذن ليس هناك فرق بين كفاءة المجتمع، وكفاءة الفرد، فكلاهما يعملان معا في ساحة واحدة من أجل إصلاح المشكلات الموجودة سواء في المجتمع أو في مرافق الدولة ومؤسساتها، ولكن يجب أن يتفق الجميع أولا على أهمية الكفاءة، فلا خير في نخب لا تتمتع بالكفاءة، ولا خير في قادة لا يمتلكون الكفاءة، والخبرات الحقيقية.

 

النوايا الصادقة وحدها لا تكفي رغم أهميتها، وهكذا فإن رفع الشعارات البراقة التي لا يتم تطبيقها، سوف تكون وهمية وأشبه بذر الرماد بالعيون، لذلك يجب أن يكون هناك تعاون واضح بين الجميع، لرفع الكفاءات عاليا وتطويرها، حتى يمكن أن نقطف ثمرات ما نقوم به من جهود بكفاءة عالية يشارك فيها الكل.

 

أما كيف يمكن تثبيت الخلل هنا أو هناك، ومعرفة قلة الكفاءة عند الأفراد أو في عموم المجتمع، فإن هذا الأمر مرهون بالنتائج، فإذا كانت المشاكل كثيرة وكبيرة في واقع الناس وفي حياتهم، فهذا يعني وجود خلل واضح في الكفاءة، مما يستوجب الانتباه إلى هذا الخلل الخطير، فلا يصح أن يبقى الأفراد غافلون متأخرون وجاهلون في عالم يسير بل يركض بشكل سريع نحو التقدم والتطور في جميع مجالات الحياة.

 

كذلك بالنسبة للمجتمع كله، يجب أن يتعامل مع نقص الكفاءة بجدية وحزم، وأن توضع الخطوات العملية والتشريعات والتنظيمات الإدارية بحيث يساهم الجميع في رفع الكفاءة، حتى يتخلص المجتمع من المشكلات التي يعاني منها، والتي تسبب له التأخر عن باقي المجتمعات التي فهمت اللعبة جيدا فتعلمت وطورت قدراتها جيدا وأصبحت أكثر كفاءة من غيرها، وكلما كان المجتمع أكثر كفاءة كان في المقدمة بشكل دائم.

 

نبذ الشعارات المزيفة

 

 

بالطبع هذه الظاهرة التي تتعلق بقلة الكفاءة، لا علاقة لها بنوع معين من المجتمعات، فقد يكون المجتمع في الغرب وكفاءته ضعيفة فتجده متأخرا، وقد يكون المجتمع في الشرق لكنه ذو كفاءة عالية فيكون في المقدمة، فالمكان والجغرافية لا علاقة لها في هذا الأمر بقدر تعلق الأمر بطبيعة الناس، وتمسكهم بالكفاءة أو نبذهم لها.

 

فالأمر يعود أولا وأخيرا إلى طبيعة المجتمع نفسه، وثقافته، وإرادته، وطبيعة تفكيره وتحديد أهدافه، هناك مجتمعات تعوزها الثقافة والوعي، لذلك تتأخر عن المجتمعات الأخرى، وهناك مجتمعات تمنح الكفاءة أهمية خاصة فتجدها في المقدمة دائما، وخلاصة الأمر أن التركيز يجب أن ينصبّ على تحصيل الكفاءة حصرا وعدم التفريط بها، فهي طريق المجتمعات والأفراد نحو الرفعة والتطور والإبداع.

 

لقد دخلت المجتمعات كافة في قاعة الاختبار (العالمية)، وهناك من تجاوز الامتحان بنجاح، وحصل على النتائج الجيدة، وهناك من بقيَ يراوح في مكانه، ولم يعبر الاختبار، أما المسلمون فإنهم من المجتمعات التي لم تخرج ناجحة من قاعة الاختبار وإنما فشلت لسبب واضح، فهي لم تعطِ الكفاءة ما تستحقه من اهتمام، ولهذا بقيت في مكانها فيما تقدم الآخرون عليها.

 

المسلمون بقيادة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، كانت الصدارة تبحث عنهم، والكفاءة منهجهم، وكذلك في حكومة الإمام علي عليه السلام، لكن عندما غابت الكفاءة عن المجتمعات الإسلامية وعن الأفراد أيضا، تأخرت الأمة كثيرا، والواقع يؤكد هذه النتيجة بلا لفّ ولا دوران.

 

الخلاصة يجب أن يكون الأفراد من أصحاب الكفاءة العالية، كذلك المجتمعات الإسلامية لابد أن تنتقل من الشعارات الزائفة إلى التطبيق، فالمشاكل كبيرة وكثيرة، ولا يمكن معالجتها إلا بالإصلاح الاجتماعي، وهذا لا يتحقق إلا بالكفاءة المتكاملة بين الأمة وبين أفرادها، فالجميع عليه أن يحصل على الكفاءة حتى يعمل الجميع للقضاء على التخلف والجهل إلى الأبد.

 

 

المصدر: وكالات