عبير شمص
يُعتبر الشهيد آية الله مرتضى مطهري شخصية فريدة من نوعها إذ استطاع أن يُخرج المفاهيم النظرية إلى عالم الواقع وجعلها ضمن أطر علمية وعملية مخاطباً مختلف الطبقات، وكان يمتلك القدرة على الإقناع، ولعّل ميزة ما طرح الشهيد مطهري أنها تصلح مع تطور المجتمع وتطور العلوم سواء ما هو متعلق بالعدالة الإجتماعية ومكافحة الظلم، أو ما هو متعلق بالتوحيد والقدرة الإلهية، أو ما يتطلع إليه قادة الفكر والمقاومة من جعل الجهاد جزءًا من الهوية الإسلامية، مضافاً لفهم حيثيات التاريخ بما ينسجم مع كل المراحل التي تمر بها الأمة، وإلى كل العناوين والقضايا التي تهم الأمة وهي من صلب تطلعاتها، بأن يكون الإسلام هو الحاكم وهذا يحتاج إلى تبني قضايا المسلمين، كما القضية الفلسطينية ومكافحة الظلم، وللتعرف على فكر الشهيد الشيخ مرتضى مطهري وبمناسبة يوم المعلم في إيران والذي أعلن في يوم شهادته تكريماً لرسالته التربوية والوطنية، حاورت صحيفة الوفاق عضو المجلس المركزي في حزب الله الشيخ حسن البغدادي، وفيما يلي نص الحوار:
الشهيد مطهري..الدين يقود الحياة
يرى الشيخ البغدادي: لعّل ميزة الشهيد الشيخ مرتضى مطهري أنه من بداية رحلته العلمية كانت نظرته إلى الدين أنه يقود الحياة، وهذا معناه أن يفسح المجال للمنهج العقلي والتطّور المجتمعي، وأن تحقيق العدالة الإجتماعية لا يتحقق إلا بالتزام المنهج الإصلاحي ومواجهة الظلم، وهذا ما رآه الشهيد في الإمام الخميني(قدس)، وهذه نقطة إفتراق أساسية بين المدرسة الإمامية والمدارس الأخرى التي تقوم على تقديس الحاكم مهما كان فعله وسلوكه، فنرى الإمام الخميني (قدس) الذي كان يرى وجوب مساندة القضية الفلسطينية التي أخذت أشكالاً مختلفة من بُعدها الديني إلى كونها قاعدة للغرب لتكون معبراً لهم إلى المتوسط لنهب الثروات وتفتيت المنطقة ومواجهة الإسلام، كان يرى أن الطريق الموصل إلى التحرير يكون عبر إسقاط الأنظمة العميلة وفي طليعتهم النظام البهلوي البائد.
ويضيف الشيخ البغدادي بأن الشهيد مطهري كان يرى أنّ الفكر المعادي للإسلام كان يحاول أن يقدم سعادة الإنسان عبر عناوين براقة لا تمت إلى الحقيقة بصلة، وبسبب أن المجتمعات بعيدة عن فهمها للدين ولم تُشاهد التطبيق العملي، فكان الإسلام يُقدم للناس كدين تخلف ولا يتماشى مع الحضارة الإنسانية، ومع كل الأسف كان بعض رجال الدين يساعد على هذه الفكرة عبر الزهد المنبوذ وأنهم لا يتدخلون بالسياسة، فبقي المجتمع يتطلع إلى الإسلام الجاف الذي لا يصلح لقيادة البشر، ولهذا كنا نرى الشيوعية غزت بيوت العلماء لأن أولادهم لم يعجبهم سلوك آبائهم، بينما عندما اطلع الشباب على رؤية الإسلام عبر الشهيد مطهري والسيد آية الله بهشتي والسيد موسى الصدر والإمام الخميني (قدس) وغيرهم، كانوا ينجذبون للإسلام وبدأوا يميزون بين أهل العلم، وهذا الذي عمل عليه الشهيد مطهري والإمام الخميني (قدس) وظهر جلياً في دول محور المقاومة رغم التضحيات الجسام، إلاّ أنهم كانوا يرون في هذه التضحيات اللذة التي ستحقق لهم السعادة والعزة والكرامة.
الحفاظ على الهوية الإسلامية
يرى الشيخ البغدادي بأن الشهيد مطهري كان يرى أن المشكلة الحقيقية التي جعلت الشباب وبالأخص المثقف منهم يعيش التغريب ويبتعد عن هويته الإسلامية هو بسبب فقدان هؤلاء للخطاب الديني الذي يحاكي طموحهم الفكري والثوري، مما جعل الكثير منهم ينحرف مع التيارات المنحرفة والتي كانت تهدم بالإسلام وتُحمّل علماء الدين المسؤولية عن الجهل والتغريب والأمية والحروب التي ليس لهم دخل بها كما حدث بعد الحرب العالمية الأولى 1914م وكيف نشأت الحركات التبشيرية التي كانت مهمتها النيل من الإسلام والتمهيد للإحتلال وهنا نرى كيف واجه العلماء المتنورون هذه الحركات في إيران فكان الشهيد مطهري والسيد الشهيد بهشتي والامام السيد موسى الصدر وفي جنوب العراق الشيخ حبيب آل ابراهيم المهاجر وغيرهم… هذه الجهود تُعرفنا كيف أنتجت وعياً في هذه الطبقات المثقفة وكيف أبعدتها عن التغريب وجعلتها تحافظ على هويتها الإسلامية.
فلسطين قضية جامعة
يقول الشيخ البغدادي أنه مما لا شك فيه أن الشهيد مطهري وأمثاله من المفكرين لم يكونوا مجرد ناقلي للأحداث، بل كان يفهم الحيثيات والأبعاد كي لا تبقى مجرد قصص تاريخية، ومجرد حوادث حدثت في زمان محدد وانتهت وهذا بالتأكيد غير صحيح في فهم خصوصيات الأحداث وحيثياتها لهذا لا تموت ولا تنتهي، فقط الذي ينتهي هو الحدث نفسه وعناصره، فكان الشهيد مطهري يقرأ ما حدث في كربلاء أنها ثورة يمكن أن تتكرر في أي زمان ومكان، وكذلك صلح الإمام الحسن(ع) مع معاوية، وأيضاً يمكن للأمة في أي مرحلة قد تكرر هذه التجربة، هذه المحطات التاريخية يجب قراءتها بشكلٍ دقيق فالقائد يحمل هذه الحيثيات ليطبقها بما يتماشى مع مصلحة الإسلام والمسلمين في كل قضايا الصراع القائمة في المنطقة وفي طليعتها القضية الفلسطينية.
وكان الشهيد مطهري يرى أن القضية الفلسطينية يمكن النظر إليها من جنبتين: جنبة دينية كون المسجد الأقصى هو قبلة المسلمين الأولى ويجب تطهيره من دنس الصهاينة. أما الجنبة الثانية فهي في رؤية الغرب وعلى رأسهم أمريكا إلى المتوسط وما نسمّيه اليوم الشرق الأوسط الجديد والحرب في غزة ولبنان والعدوان الأمريكي على اليمن وتغيير النظام في سوريا هو لأجل تحقيق هذا المشروع، كان الإمام (قدس) يرى أن مواجهة هذا الخط الذي بدأ منذ الحرب العامة 1914م لا يمكن أن يتحقق من دون إسقاط النظام البهلوي البائد، ولذلك كل الاعتراضات والمقاومات التي انطلقت قبل قيام الجمهورية الإسلامية لم يُكتب لها الحياة لفقدها السند الحقيقي والقوي وإن كانت مشكورة ومأجورة ولها لمسات طيبة ظهرت بعد انتصار الجمهورية، الشهيد مطهري كان يرى هذه الحقائق لذلك وقف إلى جانب الإمام (قدس) مسانداً ومنظراً ومفكراً داعياً إلى وحدة الأمة، معتبراً أن فلسطين قضية جامعة ويمكن للأمة أن تلتف حول هذه القضية وبالفعل استطاعت الجمهورية الإسلامية بقيادة الإمام الخميني (قدس) أن تؤسس وتدعم مقاومات مختلفة المشارب مذهبياً وتجمعها حول تحرير فلسطين ليتكون لاحقاً محور مقاومة.
فكر الشهيد مطهري لكل الأجيال
يؤكد الشيخ البغدادي أن قيمة ما توصل إليه الشهيد مطهري من آراء ونظريات لم تكن بمعزل عن الواقع الذي تعيشه الأمة وكانت تتماشى مع تطوره ومع المتغيرات الشكلية فقط، أما جوهر الأمور فكانت واحدة على الدوام، لهذا كانت نظريات الشهيد مطهري تصلح لقيام الجمهورية وهي نفسها استمرت من بعد استشهاده العام 1980م إلى اليوم، لما تُمثل هذه النظريات من حقائق التاريخ ومن فهم دقيق لحيثيات الأمور، ما بناه الشهيد مطهري في عزة الفرد وتشكل الهوية الإسلامية لدى المجتمع جعله يبحث عن كرامته وحضوره مهما تكلف من تضحيات، وهذا نفسه الذي كان في خلال ثماني سنوات في الحرب المفروضة، وفي جبهات المقاومة اليوم لم يتغير شيء، وكان الجيل الذي يقاتل اليوم غير موجود في تلك المرحلة، لذلك ستبقى نظريات وأراء الشهيد مطهري تشق طريقها عبر الأجيال لأنها تحاكي عقل وفطرة هذه المجتمعات الباحثة عن وجودها وعزتها وكرامتها.
الوحدة بين الجامعة والحوزة
يشير الشيخ البغدادي بأن الشهيد مطهري جمع بين الحوزة العلمية والجامعة، فكما كان أستاذاً في الحوزة العلمية كان أستاذاً في جامعة طهران، وكان يجمع بين الفقه والأصول وعلم الكلام والتفسير والفلسفة وبين العلوم الحديثة، واليوم نرى جهوده ترجمت عملياً في مدينة قم المقدسة ومناطق مختلفة في إيران وخارجها، إذ نرى على سبيل المثال جامعة المصطفى(ص) فإنها تضم العديد من الكليات المتخصصة التي تجمع بين المنهج الحوزوي والجامعة، والطالب يمكنه الحصول على شهادة دكتوراه رسمية وهو في الوقت نفسه عالم دين حوزوي.
وفي ختام حديثه يؤكد الشيخ البغدادي أنه عندما نطلّع على فكر الشهيد مطهري نراه لم يكن مجرد معلمٍ لمادة علمية أو مجموعة مواد كما يفعل الكثير من الأساتذة، بل كان مفكراً ومنظراً ومربياً ومجاهداً وشهيداً نتيجة أفكاره وأرائه ونظرياته، فكان من الطبيعي أن يتحول إلى رمز وطني، والذي اغتاله هم أعداء التطور والفكر الأصيل، فكان من الطبيعي أن تكون شهادته مختلفة عن بقية الشهداء، شهادته كانت لضرب الفكر الإسلامي الأصيل ولإنهاء حياة شخصية مربية ومعلمة وركيزة الثورة الإسلامية على الصعيد الفكري فمن الطبيعي حينئذٍ أن تُطلق الثورة الإسلامية على يوم شهادته بيوم المعلم.