الإعلامي والكاتب الفلسطيني الأستاذ عثمان بدر للوفاق:

غزة تواصل المقاومة وتكبد العدو خسائر فادحة

خاص الوفاق: نظراً لعدم وجود طرق للتسليح فإن شعار المقاومة الآن "كل طلقة أو قذيفة ينبغي أن تصيب هدفها

عبير شمص

 

 

رداً على المجازر الصهیونية المستمرة في قطاع غزة، نفّذت المقاومة سلسلة عمليات نوعية ونجحت في تنفيذ عدة «كمائن مركبة» متقنة ضد قوات الاحتلال وأدت إلى إلحاق خسائر مؤكدة بجيش العدو في الأفراد والعتاد، حول واقع المقاومة الذي يرفض التلاشي ضمن معادلة غير متكافئة مع العدو، حاورت صحيفة الوفاق الإعلامي والكاتب الفلسطيني الأستاذ عثمان بدر، وفيما يلي نص الحوار:

 

 

 

 

عودة عمليات المقاومة

 

 

يشير الأستاذ بدر أن المقاومة التزمت بوقف اطلاق النار، ولكن بعد أن انتهكت عصابات الاحتلال الصهيو_نازية الهدنة وماطلت وسوّفت ومن ثم جدّدت العدوان على غزة وأهلها من البديهي أن لا تقف المقاومة مكتوفة الأيدي وأن تصد الاعتداءات عن شعبنا وأن تجابه الآلة العسكريّة الفاشيّة بما لديها من إمكانيات ومقدرات، مع الإشارة إلى أن المقاومة لم ترد بشكلٍ فوري على الانتهاكات الصهيونية والتي هي أصلاً لم تتوقف حتى إبان الاتفاق على وقف إطلاق النار وأمهلت الوسطاء لبعض الوقت لإلزام الصهاينة على العودة إلى الاتفاق ولكن لم يفلح الأمر، وعلى قاعدة (إنما للصبر حدود) فقد عادت المقاومة في غزة إلى تفعيل عملياتها وتصديها للعدوان.

 

 

ويضيف الأستاذ بدر بأنه من الطبيعي أن نشهد خسائر كبيرة لعصابات الاحتلال الصهيو_نازية في المعدّات والأرواح، خاصّةً أنه وباعترافات الصهاينة أنفسهم فإن هدف القضاء على المقاومة لم يتحقق بالمطلق ولن يتحقق، وإذا ما اسثنينا التفوّق الجوي الذي يتمتع به الصهاينة ويستغلونه في قتل الأطفال والنساء والشيوخ واستهداف المدنيين ومراكز الإيواء المؤقت والمستشفيات والمساجد والمدارس والجامعات بقصد الضغط على المقاومة وبيئتها الحاضنة فإنهم يعرفون أنهم سيتعرضون لخسائر كبيرة خاصّةً وأنهم قد خبروا سابقاً قوّة المقاومة وصبرها وتكتيكاتها العسكرية التي أوقعت منهم ألاف ما بين قتيل وجريح ومعوّق، وها نحن نسمع يوميّا عن الكمائن التي ينصبها المقاومون وتوقع القتلى والجرحى في صفوف الصهاينة ولا يتم الإعلان إلا عن عدد قليل من قتلاهم وجرحاهم للحفاظ على معنويات ضباطهم وجنودهم.

 

 

 

قوة غير متكافئة بين المقاومة والعدو

 

 

يؤكد الأستاذ بدر بأنه لا شك أن هناك تفوق نوعي بالسلاح والعتاد والذخيرة لدى العصابات الصهيونية، وخاصةً في سلاحي الجو والدبابات، كما أن الدعم اللوجستي يصل إليها من حلفائها الأمريكان والبريطانيين والفرنسيين والغربيين بكل الوسائل والطرق وعبر البر والبحر والجو وهذا ليس خافياً على أحد، في وقت المقاومة في غزة محاصرة من الجميع وتصبح إمكانية وصول أسلحة أو حتى مقومات الصمود شبه مستحيلة، وهذا ما يضفي الكثير من القوّة لهذه العصابات ويجعلها أكثر تفوّقاً، غير أن المقاومة في غزّة لديها الكثير من مراكز القوّة، وأولها الحاضنة الشعبيّة والجماهيريّة، فأهل غزة بغالبيتهم القصوى يحتضنون مقاومتهم ولن يتخلّوا عنها مما بلغت التضحيات، ومن ثم فإن غالبية المقاومين في الأنفاق ويخرجون منها لتنفيذ المهمات القتالية، ولذلك رأينا أن قوّة المقاومة البشريّة لم تتأثر بشكلٍ كبير جرّاء العدوان الغاشم والمستمر منذ 18 شهراً تقريباً، وشاهدنا كيف أنهم خرجوا من الأنفاق بنظام وانتظام قل نظيرهما وتعجز عنه الجيوش الكلاسيكيّة وبطريقة لافتة للنظر إبان عمليات تسليم الأسرى، ولذلك فإن الصهاينة يصبون جام غضبهم ويستهدفون المدنيين العزل في محاولة للضغط على المقاومة فإن أبطالها لا يعييهم ندرة السلاح وشح الطعام وندرة الماء، فهم يبتكرون الوسائل لإنزال الكثير من الخسائر بالعدو والكمائن التي نسمع عنها ونشاهدها عبر لقطات الفيديو خير شاهد ودليل، والجميل في الأمر أن القذائف والصواريخ التي تطلقها عصابات الاحتلال على غزة ولا تنفجر يعيد المقاومون تدويرها وتصنيعها وتحويلها إلى متفجرات شديدة الانفجار تؤدي بحياة العديد من الصهاينة وتصيب البعض الأخر، ولعل الميّزة الاكثر تأثيراً على سير المعارك التي يتفوق فيها المقاومون الفلسطينيون على الصهاينة هي قوة الإيمان بشقيه الديني ولذلك يسعون الى نيل أحد الحُسنيين النصر أو الشهادة والدنيوي وبحتميّة النصر، إذ يؤمنون أنهم أصحاب الأرض ويدافعون عن وطنهم وشعبهم وممتلكاتهم وأعراضهم ومقدساتهم، بينما الصهاينة وهم بغالبيتهم من المرتزقة ويعرفون يقيناً أن هذه ليست أرضهم وليست بلادهم ولذلك فإنهم يهربون من القتال وجهاً لوجه ويعتمدون أسلوب المجازر والقتال عن بُعد.

 

 

صمود في وجه حرب عالمية

 

 

يلفت الأستاذ بدر بأنه رغم انقضاء أكثر من 18 شهراً من حرب إبادة حقيقيّة لم يشهد لها التاريخ مثيل تٌشن من الصهاينة وحلفائهم الأمريكان والغربيين ضد غزّة ومقاومتها، حتى يصح أن نقول أنها حرب عالمية ضد غزّة، إلاّ أن المقاومة لم تفقد للحظة زمام المبادرة إن كان على صعيد ضبط الأوضاع الداخلية وتماسك المقاومة من الداخل، وإن كان لناحية التصدّي البطولي لعصابات الاحتلال وعلى مختلف الجبهات وبراً وبحراً وجوّاً، وتكبيد الأعداء الخسائر الفادحة بالأرواح والمعدّات رغم الحصار الخانق والمحكم، وبالتالي فإن كمين واحد يتكبد فيه العدو بعض الخسائر كفيل بأن يجعل ضباطه وجنوده ينهارون بالمعنى الحرفي للكلمة، وقد سمعنا عن حالات تمرد كثيرة في صفوف عصابات الاحتلال رفضاً للحرب والذهاب إلى غزة، وهذا دليل لا لبس فيه أن هؤلاء يعرفون بأس المقاومة وقوتها وقدرتها على إنزال الخسائر الفادحة بهم.

 

 

استعادة المقاومة زمام المبادرة

 

 

يرى الأستاذ بدر بأنه لا شك أن المقاومة في غزّة قد استفادت في المرحلّة الماضية من الحرب من تجاربها، وبدأت باستخدام تكتيكات عسكريّة جديدة تتمثل بعدم التصدّي المباشر للدبابات والآليات الصهيونية والفرق العسكرية والألوية المتوغّلة في سياق المحافظة على المخزونين البشري والتسليحي، فقد لجأت إلى عمليات استدراج بعض الأليات والجنود إلى مناطق محدّدة مسبقاً لتنفيذ كمائن وهي غالباً ما تكونّ  كمائن مركّبة أي أكثر من كمين في الوقت نفسه وتكون في الغالب بمناطق ضيقة أو في أزقّة وزواريب وليس في مناطق مكشوفة بحيث تُجرد العدو من القدرة على المناورة وتشل حركة الطائرات وقدرتها على قصف المنطقة التي تدورها فيها الاشتباكات مع تأمين عملية الإنسحاب للمقاومين نحو الأنفاق أو ملاجىء أو دُشم تحت الأرض، وبالتالي ونظراً لعدم وجود طرق للتسليح فإن شعار المقاومة الآن «كل طلقة أو قذيفة ينبغي أن تصيب هدفها»، ولا شك أن هذا التكتيك الجديد يوقع أكبر قدر ممكن من الصهاينة بين قتيلٍ وجريح، ويضمن حياة المقاومين وعودتهم إلى مواقعهم بسلام، كما أن أبطال المقاومة هم من أبناء غزّة ويعرفون تضاريسها وزواريبها وأزقتها وبيوتها ومداخلها ومخارجها وربما كل بيت فيها، يصبح من الصعوبة بمكان أن تتجاوز العصابات الصهيونية هذه الكمائن لا سيّما وأنها تدب الرعب في قلوب ضباط وجنود العدو وتجعلهم أكثر خوفاً من التقدّم والتوغل أكثر، وهذا يؤسس لفشل كبير في أي اجتياح بري كبير يمكن أن تنفذه العصابات الصهيونية.

 

 

رسائل عمليات وكمائن المقاومة

 

 

يؤكد الأستاذ بدر بأنه لا شك أن الرسائل من هذه الكمائن واضحة ولا لبس بها،خاصةً وأنها تحصل في مناطق سبق لعصابات الاحتلال أن دخلتها مراراً وتكراراً واعتقدت أنها أصبحت خالية من المقاتلين ولعل أول هذه الرسائل أنه مهما فعلتم ومارستم من فاشية ونازيّة فلن تتمكنوا من القضاء على المقاومة وها أنتم وبعد 18 شهراً على المجازر التي تفتعلوها بحق أهل غزة وعلى مرأى العالم ومسمعه فإنكم لم تتمكنوا من تحقيق هدف واحد من أهداف حربكم النازية المعلنة، وأن لا خيار أمامكم إلا الإنصياع لشروط المقاومة، والرسالة الثانية أن المقاومة قادرة على استنزاف العدو عسكريّاً وليس إنزال خسائر بشريّة وماديّة فحسب بل إنزال خسائر معنويّة تتمثل برفض آلاف الضباط والجنود من الالتحاق بالخدمة العسكرية وخاصةً في غزّة وهذا يعني أن غزّة أصبحت هاجساً مرعباً يعيشه الصهاينة وبالطبع رفض الصهاينة الخدمة العسكرية يقابله انضمام آلاف من المقاتلين الجدد إلى فصائل المقاومة المختلفة، هذا بالإضافة إلى أنه كلما ازداد عدد القتلى والجرحى من الصهاينة كلما ازداد الضغط على نتياهو و«حكومته» الفاشية وكلما ازداد أيضاً الشرخ الداخلي بين القيادتين السياسيّة والعسكريّة، وبالتالي يتم دحض مقولتيّ «التفوق» و«النصر» التي يتغنى بهما العدو.

 

 

 

المصدر: الوفاق/ خاص

الاخبار ذات الصلة