مسؤول العلاقات الفلسطينية لحركــة الجهاد الإسلامي في لبنان الأستاذ أبو سامر موسى للوفاق:

الإبادة الجماعية مستمرة.. والمقاومة أمل الغزيين الوحيد

خاص الوفاق: رد المقاومة على محاولة العدو إنشاء منطقة عازلة سيكون قويًا ومتنوعًا، مع الاعتماد على نقاط قوتها المتاحة

عبير شمص

 
ما زالت حرب الإبادة الجماعية متواصلة في غزة في ظل صمت عالمي، وكلما تقدم العدو برياً لتحقيق المنطقة العازلة برزت قدرة المقاومة على الاشتباك في قتال متلاحم واستخدام العبوات الناسفة مما يعكس تغييراً في تكتيكاتها أو زيادة في قدراتها ومقابلة الضغط العسكري الصهيوني بعمليات استنزاف وقتال حرب العصابات. حول أهداف هذه العمليات ونتائجها في الصراع بين العدو والمقاومة وتقديرات أفق الحرب على غزة في الواقع الحالي حاورت صحيفة الوفاق مسؤول العلاقات الفلسطينية لحركــة الجهاد الإسلامي في لبنان الأستاذ أبو سامر موسى، وكان الحوار التالي:

 

 

لا أفق للحرب في غزة

 

يرى الأستاذ موسى أنه من الصعب تحديد أفق زمني دقيق للحرب في غزة في الوقت الحالي، فالوضع لا يزال متقلبًا ويتأثر بعوامل سياسية وعسكرية وإنسانية معقدة ومتداخلة ولكن يمكن التحليل عبر بعض المؤشرات والمعطيات التي قد تُساعد في فهم الاتجاهات المحتملة منها استمرار العمليات العسكرية الصهيونية وطرح بعض الهدن المؤقتة، تدهور الوضع الإنساني الكارثي نحو الأسوأ ونقص حاد في الغذاء والدواء والمياه لأن الكيان يستعملها ضمن حربه القذرة مع انهيار كامل للخدمات الصحية، وتفشي المجاعة أكثر بسبب تقاعس المجتمع الدولي، تكثيف الحراك والجهود الدبلوماسية للتوصل إلى وقفٍ دائم لإطلاق النار وتبادل الأسرى رغم وجود صعوبات كبيرة بسبب سياسة الفريق الصهيوني الحاكم وعدم تحقيق الأهداف المعلنة للحرب وتمسك كل طرف بأهدافه، وكذلك اتساع دائرة الصراع ليشمل أطرافًا إقليمية أخرى وقد يكون هناك سيناريوهات أخرى محتملة منها استمرار الحرب لفترة مطولة، في ظل تعثر المفاوضات، نجاح الضغوط الدولية أو التطورات الميدانية في دفع الأطراف إلى التوصل إلى اتفاق ينهي أو يوقف القتال بشكلٍ كبير، تصاعد إقليمي واسع مما قد يؤدي أي تطور كبير في الصراع ويحول الحرب إلى صراع أوسع. بالمحصلة لا يوجد أفق واضح لنهاية الحرب في غزة في الوقت الحالي، ويعتمد ذلك على تطورات الأوضاع الميدانية والسياسية والدبلوماسية.

 

اليوم التالي للحرب سيكون فلسطيني

 

يرى الأستاذ موسى أنه مع إنتهاء العمليات العسكرية في غزة من الممكن تصور عدة سيناريوهات محتملة يتم طرحها من المجتمع الدولي أو الوسطاء والدول الإقليمية رغم حساسية الوضع وتعقيداته وبالمحصلة يتأثر بعوامل إقليمية ودولية متعددة وهي:

 

– سيناريو الإدارة الفلسطينية بمعنى أن تتولى السلطة الفلسطينية إدارة القطاع  بدعم من قوى دولية أو عربية، عبر تشكيل حكومة وحدة وطنية بمشاركة فصائل مختلفة بعد عقد مصالحات حقيقية بين الفصائل .

 

– سيناريو الإدارة الدولية المؤقتة إي يتم الاتفاق على قوة عربية مؤقته تشرف على إدارة القطاع والاعمار والانتخابات… بموافقة دولية وتحديد مدة زمنية

 

– سيناريو الحكم المحلي أو اللجان الأهلية ومجالس محلية  لادارة شؤون الحياء وتوفير الخدمات وتنظيم الحياة اليومية وسيكون غير فاعل لسبب عدم وجود ضلبط مركزي وسلطة موحدة قد تؤدي الى مزيد من الفوضى

 

– سيناريو استمرار الوضع الراهن مع بعض التعديلات الطفيفة، يستمر الوضع القائم قبل الجولة الأخيرة من الصراع مع سيطرة حماس وهذا السيناريو لا يعالج جذور المشكلة، وهو قابل لتفجير الساحة مجدداً ويكون سببا مباشراً بتأخير عملية إعادة الإعمار وتحسين حياة السكان.

 

– السيناريو الأكثر ترجيحاً يعتمد بشكل كبير على  الميدان وصمود المقاومة و نتائج المفاوضات الجارية والضغوط الدولية والكلمة الفصل في هذا الموضوع هو موقف المقاومة الذي حدد منذ اللحظات الأولى أن اليوم الأول بعد إنتهاء العداون لن يكون إلا فلسطينياً ولن نقبل بأن يملا علينا شي من الخارج وسنعتبر أي قوة عربية أو دولية تدخل القطاع دون توافق فلسطيني هو احتلال سيواجه كما يوجه الكيان الصهيونـــــي.

 

اليوم الأول بعد الحرب يوم تأسيسي لبداية جديدة 

 

يشير الأستاذ موسى بأنه بعد توقف الحرب في غزة، سيكون اليوم الأول بمثابة بداية مرحلة جديدة مليئة بالتحديات الجسيمة والآمال بغد أفضل رغم الجراح والدمار وسيكون على عدة أوجه ، منها الإنساني
وشعور بالارتياح لتوقف القصف والعنف محملاً بالحذر والقلق بشأن المستقبل مع عمليات البحث عن المفقودين وبحث العائلات عن أحبائهم الذين فُقدوا تحت الأنقاض وهذا اليوم مؤلماً للكثيرين بلا شك مع هول ما سيكشف عنه وحجم الخسائر، سيبدأ السكان الجهات المختصة تقييم الأضرار التي لحقت بمنازلهم وممتلكاتهم والبنية التحتية مما سيشكل صدمة للكثيرين والشعوب الحاجة الماسة للمساعدات من المنظمات الإغاثية. على المستوى الأمني هشاً وغير مستقر في اليوم الأول.

 

قد تستمر بعض المناوشات أو الحوادث الفردية مع انتشار الأسلحة وحاجة الأطراف المختلفة إلى إظهار قوتها أو الحفاظ على مواقعها وكل ذلك سيكون تحت مراقبة الأطراف المعنية، إقليمياً ودولياً عن كثب لمنع تجدد العنف على المستوى السياسي من المرجح أن يسود صمت حذر في الأوساط السياسية في اليوم الأول، مع تركيز الجهود على تقييم الوضع الإنساني والأمني و التفكير في المستقبل وكيفية إدارة القطاع بعد الحرب.

 

بلا شك بشكلٍ عام، سيكون اليوم الأول بعد توقف الحرب في غزة يوماً صعباً ومؤثراً: يوماً يجمع بين الفرحة بتوقف القتل والحزن العميق على الخسائر. سيكون يوماً حاسماً يضع الأساس للمرحلة القادمة، والتي ستتطلب جهوداً هائلة على كافة الأصعدة لتضميد الجراح وبناء مستقبل أفضل لسكان غزة.

 

مشاريع أمريكا والعدو ستفشل

 

يلفت الأستاذ موسى بأن قضية التخطيط الديموغرافي والسياسي لغزة والضفة الغربية معقدة للغاية فالطموحات الأمريكيـــة الصهيونيـــة تتلاقى بشكلٍ مباشر بين أمرين أولهما طرح الرئيس الأمريكي ترامب تحويل غزة إلى محميـــة أمريكية عبر ريفيرا غزة وتهجير أهلها إلى أماكن أخرى خارج القطاع وتصريحات القادة الصهاينـــة بطرد سكان الضفة الغربية إلى الأردن وإعادتها للإدارة الصهيونيــــة كذلك اقترح بعض الأطراف في الكيان تشجيع هجرة الفلسطينيين من غزة والضفة، وهو اقتراح يُدان على نطاق واسع باعتباره انتهاكًا للقانون الدولي وقد بدأت القوات الصهيونية بتدمير المخيمات واقتحام المدن في حرب ضد الشعب الفلسطيني وانقلاباً على التفاهمات المبرمة مع السلطة الفلسطينية برعاية دوليـــــة وبجمود عملية السلام أصبحت اتفاقيات أوسلو، التي هدفت إلى حل الدولتين، غير فعالة وبحكم الميتة منذ سنوات، بهذه الحرب والإجراءات التعسفية يظنون أنهم سيقتلعون الشعب الفلسطيني من أرضــــه وهذا محال فالشعب الذي قاتل وما زال منذ أكثر من مئة عام لن يتخلى عن أرضـــه ومقدساته وستبوء كل تلك المشاريع بالفشل أمام صمود المقاومـــة سواء في غزة أو الضفــــة الغربية .

 

المقاومة تخوض حرب استنزاف مع العدو

 

يعتقد الأستاذ موسى أن الإجراءات والتقارير تشير إلى أن الكيان الصهيونــــي قد يقوم بتوسيع وجوده العسكري في غزة وإنشاء منطقة عازلة على طول الحدود لتوسيع السيطرة العسكرية وإنشاء منطقة عازلة داخل غزة على طول الحدود مع الأراضـــي المحتلــة عام 1948 وقد تصل إلى حوالي كيلومتر ونصف داخل القطاع في بعض المناطق ولتحقيق الهدف دمر العدو منازل وبنية تحتية فلسطينية لإنشاء هذه المنطقة لإحكام السيطرة الأمنية طويلة الأمد، وهناك نقاش إسرائيلي أمريكي حول السيطرة العسكرية على قطاع غزة بعد الحرب وتهجير السكان مما سيؤدي حتماً إلى استمرار وتصاعد في عمليات المقاومة ضد القوات الصهيونية المتواجدة في غزة والمناطق المحيطة بها، بما في ذلك محاولة استهداف الآليات والجنود العاملين في إنشاء المنطقة العازلة وتطوير تكتيكات جديدة مثل زرع المزيد من العبوات الناسفة، واستخدام القناصة، وتنفيذ عمليات تسلل خلف خطوط التوغل والتركيز على حرب الأنفاق ومباغتة القوات الصهيونية وتهريب الأسلحة والإمدادات وستسعى المقاومة لحشد الدعم الشعبي الفلسطيني والإقليمي والدولي ضد هذه الخطوة الصهيونية، باعتبارها إعادة احتلال وضم أراضٍ من غزة ناهيك عن استخدام ملف الأسرى كورقة ضغط إضافية لإجبار العدو الصهيوني على وقف عملياته والتراجع عن خطط المنطقة العازلة وهناك عدة عوامل قوة تحتفظ بها المقاومة منها شبكة الأنفاق الواسعة والمتطورة التي توفر لها القدرة على الحركة والتخفي وشن الهجمات ونقل الأسلحة والإمدادات بعيدًا عن أعين الجيش الصهيوني وطائراته والعقيدة القتالية والإصرار على مواجهة الجيش الصهيوني وإلحاق الخسائر به والقدرة على تصنيع أسلحة محلية، فعلى الرغم من الحصار، تمكنت المقاومة من تطوير وتصنيع بعض أنواع الأسلحة محليًا كل ذلك مترافقاً مع الحاضنة الشعبية للمقاومة في قطاع غزة، وهو ما يوفر لها غطاءً اجتماعيًا ولوجستيًا واعتماد المقاومة على هيكل قيادة وسيطرة لامركزي، مما يجعل من الصعب على العدو القضاء عليها بشكلٍ كامل مع  تراكم الخبرات القتالية المكتسبة في الجولات المتكررة من الصراع مع العدو واستخدام تكتيكات حرب العصابات مثل الكمائن والهجمات الخاطفة التي تستنزف القوات الصهيونية والمهم أيضاً مصير الأسرى في ظل هذه الحرب وتصاعد الاحتجاجات الداخلية على حكومة نتينياهو. وبتلخيصٍ واضح إن رد المقاومة على أي محاولة صهيونية لإنشاء منطقة عازلة سيكون قويًا ومتنوعًا، مع الاعتماد على نقاط قوتها المتاحة. أما بالنسبة للأسرى، فإن مصيرهم يبقى مرتبطًا بشكلٍ وثيق بتطورات الحرب وجهود التفاوض، ويواجهون خطرًا حقيقيًا في ظل استمرار العمليات العسكرية.

 

“طوفان الأقصى” غير قواعد الاشتباك

 

استراتيجيًا، لقد غيّر “طوفان الأقصى” أفق الميدان الفلسطيني والإقليمي بشكل كبير واهمها تغيير قواعد الاشتباك وإعادة القضية الفلسطينية إلى الواجهة و ال تأثير على التطبيع حيث زادت الضغوط الشعبية العربية الرافضة للتطبيع في ظل استمرار الصراع و تعزيز محور المقاومة في المنطقة وزيادة التنسيق بين فصائله المختلفة تحديات أمنية جديدة لإسرائيل على المدى الطويل مع تطور قدرات المقاومة وتغير طبيعة الصراع واستطاعت المقاومة من خلال طوفان الأقصى على المستوى الاستراتيجي إحباط عدة سيناريوهات مرسومة من خلال الصمود العسكري و الحفاظ على وحدة الصف والتمسك بالحقوق والثوابت.

 

يختم الأستاذ موسى حديثه بالقول في ظل التطورات الميدانية وتداعياتها، تواجه المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة خيارات صعبة ومعقدة، ولكنها أيضًا تمتلك بعض الأوراق التي يمكن أن تستخدمها للتأثير في مسار الصراع منها الاستمرار في القتال والصمود العسكري والتركيز على حرب الأنفاق وتطوير تكتيكات جديدة واستخدام ملف الأسرى كورقة ضغط والعمل على وحدة الصف الفلسطيني وحشد الدعم الشعبي والإقليمي والدولي والإعلامي والاستعداد لجولة طويلة من الصراع مع الأخذ بالاعتبار بعدم وجود الخيارات السهلة أمام المقاومة، وكل خيار يحمل في طياته تحديات ومخاطر. ويعتمد القرار النهائي على تقييم القيادة للموقف الميداني والسياسي، والموازنة بين المكاسب المحتملة والخسائر المتوقعة، والاخذ في الاعتبار تطلعات الشعب الفلسطيني بالحريــــة والاستقلال.

 

 

 

المصدر: الوفاق/ خاص