قد يُهدد دعم كييف ويُنهي العقوبات على موسكو

خشية أوروبية من تقارب أمريكي-روسي

رفع العقوبات عن روسيا تحول جذري في السياسة الأمريكية يهدد بزعزعة الاستقرار الأوروبي وإعادة تشكيل التحالفات الجيوسياسية في المنطقة

 

 في ظل التطورات السياسية المتسارعة على الساحة الدولية، تبدو ألمانيا في حالة قلق متزايد من احتمال حدوث تقارب مفاجئ بين الولايات المتحدة وروسيا، قد يؤدي إلى انسحاب واشنطن من دعم أوكرانيا ورفع العقوبات الاقتصادية عن موسكو. هذا السيناريو، الذي تُعرِّفهُ برلين بأنه «الأسوأ على الإطلاق»، يُهدد بزعزعة الاستقرار الأوروبي وإعادة تشكيل التحالفات الجيوسياسية في المنطقة.  
مخاوف ألمانية من تحوّل أمريكي
كشفت صحيفة «بيلد» الألمانية عن مخاوف رسمية في برلين من أن إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قد تتجه نحو التخلي عن الدعم العسكري والسياسي لأوكرانيا، بل وربما ترفع العقوبات المفروضة على روسيا منذ ضمّ القرم في 2014. ونقلت الصحيفة عن مصدر مطلع قوله إن برلين ترى أن هذا السيناريو هو «الأسوأ على الإطلاق». وتأتي هذه المخاوف بعد المكالمة الهاتفية الأخيرة بين ترامب وبوتين، والتي أثارت تساؤلات حول طبيعة التفاهمات غير المعلنة بين الزعيمين. فترامب، المعروف بمواقفه المهادنة تجاه موسكو، رفض في أكثر من مناسبة التزامات أوروبية بشأن أوكرانيا، ما يُنذر بتحول جذري في السياسة الأمريكية.
ترامب والأوروبيون؛ شراكة متوترة
منذ عودته إلى البيت الأبيض، أظهر ترامب نفوراً واضحاً من الاستمرار في دعم أوكرانيا بالشكل الذي تريده أوروبا. ففي وقتٍ سابق، رفض الرئيس الأمريكي مطالب أوروبية بزيادة المساعدات العسكرية لكييف، مُعتبراً أن القارة العجوز يجب أن تتحمل مسؤولية أمنها بنفسها.  
هذا التحول يُثير ذعر القادة الأوروبيين، خاصةً أن ألمانيا تعتمد بشكل كبير على الدعم الأمريكي في مواجهة التهديدات الروسية. ففي حال انسحبت واشنطن من المعادلة، سيكون على برلين وحدها قيادة الموقف الأوروبي، وهو تحدٍّ كبير في ظل الانقسامات الداخلية داخل الاتحاد الأوروبي حول كيفية التعامل مع بوتين.  
ما الذي يدفع ترامب لرفع العقوبات عن روسيا؟
تطرح إدارة ترمب احتمال تخفيف العقوبات كورقة تفاوض في محادثاتها مع روسيا لإنهاء الحرب في أوكرانيا، وإلى جانب السعي لتحقيق السلام، تحضر المصالح التجارية الأميركية أيضاً، إذ ينظر ترمب إلى إعادة رسم العلاقات بين واشنطن وموسكو كفرصة اقتصادية واعدة، في تقارب كان يُعد حتى وقت قريب شبه مستحيل.
كان الرئيس الأميركي أعلن أنه ناقش مع بوتين في اتصال هاتفي في فبراير/ شباط  «صفقات كبرى تسهم في النموّ الاقتصادي»، بينما ذكر الكرملين أن الزعيمين تطرقا في اتصالٍ لاحق إلى آفاق التعاون «في مجالي الاقتصاد والطاقة في المستقبل».
ماذا يعني رفع العقوبات عن روسيا لأوروبا؟
 
يعتبر القادة الأوروبيون أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بعد محادثته الأخيرة مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين، أجهض خطة لفرض عقوبات جديدة ضد روسيا بغطاء أمريكي، وبدلاً من فرض عقوبات «واسعة النطاق» على روسيا أشاد  ترامب باحتمال استئناف التجارة مع موسكو، وهو ما صدم الأوروبيين.
وهم يعتقدون أنه في حال قررت الولايات المتحدة رفع العقوبات الاقتصادية عن روسيا، فإن ذلك سيكون ضربة قوية للموقف الأوروبي الموحد. فالعقوبات الحالية، التي تستهدف قطاعات الطاقة والتمويل والصناعة الروسية، كانت نتاج جهد دبلوماسي مشترك بين الطرفين.  
لكن في حال انفردت واشنطن بإنهاء هذه العقوبات، فإن ذلك قد يؤدي إلى:
1- تدمير الوحدة الاوروبية إذ قد تضطر بعض الدول، خاصةً تلك المعتمدة على الغاز الروسي، إلى تليين مواقفها، كما أن  دولة هنغاريا قد تمنع تمديد العقوبات الأوروبية في يوليو/ تموز المقبل.
2- تصاعد النفوذ الروسي في أوروبا الشرقية، مع احتمال زيادة الضغوط على أوكرانيا لقبول شروط سلام غير مواتية.  
3- أزمة ثقة بين الحلفاء الأطلسيين، إذ سيشكك الأوروبيون في موثوقية الولايات المتحدة كشريك استراتيجي.
كما أن من شان هذه الخطوة  أن تنهي القيود المفروضة على أصول البنك المركزي الروسي المجمدة في الاتحاد الأوروبي والتي تقدر بـ2.1 مليار يورو.
هل تستطيع أوروبا الصمود دون الدعم الأمريكي؟
السؤال الأكبر الآن هو: هل تمتلك أوروبا، وألمانيا على وجه الخصوص، الأدوات الكافية لمواجهة روسيا في حال انسحاب واشنطن؟ الإجابة معقدة، فبرلين لا تزال تعتمد على الغاز الروسي جزئياً، كما أن قدراتها العسكرية ليست كافية لردع موسكو وحدها.
 
لكن في المقابل، قد يدفع هذا التهديد الأوروبيين إلى تسريع خطط تعزيز استقلاليتهم الاستراتيجية، سواء عبر:  
زيادة الإنفاق الدفاعي وتطوير القدرات العسكرية المشتركة.  
تنويع مصادر الطاقة لتقليل الاعتماد على روسيا.  
تعزيز التعاون مع حلفاء جدد، مثل بريطانيا بعد خروجها من الاتحاد الأوروبي، أو حتى مع الصين في بعض الملفات الاقتصادية.
 
أوروبا على مفترق طرق
التقارب الأمريكي-الروسي، إذا حدث، سيكون اختباراً حقيقياً لوحدة أوروبا وقدرتها على حماية مصالحها في ظل غياب الدعم التقليدي من واشنطن. ألمانيا، كقوة اقتصادية وسياسية رئيسية، ستكون في قلب هذه العاصفة، وسيتحدد مصير القارة بناءً على رد فعلها.  
في النهاية، قد تكون الرسالة الأهم هي أن أوروبا يجب أن تعتمد على نفسها قبل فوات الأوان، لأن التحالفات القديمة قد لا تصمد أمام رياح التغيير القادمة من واشنطن وموسكو.
المصدر: الوفاق