مودريتش.. صفقة فاشلة كتبت أسطورة كروية خالدة

عندما وقع ريال مدريد مع لوكا مودريتش في صيف 2012، لم يكن أحد يتخيل أن هذا اللاعب الكرواتي النحيل سيصنع لنفسه مكانة خالدة بين عظماء النادي الملكي.

انتقاله من توتنهام هوتسبير لم يكن سهلًا، المفاوضات امتدت لأشهر، وواجهت رفضًا متكررًا من إدارة النادي الإنجليزي، لكن رغبة اللاعب حسمت كل شيء.

 

كان يحلم بقميص ريال مدريد، وقرر الانتظار حتى جاء اليوم المنشود في 27 أغسطس/ آب 2012، حين تم تقديمه رسميًا في “سانتياجو برنابيو”، في صفقة بلغت قرابة 35 مليون يورو، بعد صراع طويل خلف الكواليس شارك فيه المدير الفني جوزيه مورينيو شخصيًا.

 

بدأ مودريتش مسيرته مع ريال مدريد وسط تشكيك من بعض الجماهير ووسائل الإعلام، ووُصف في استفتاء شهير لصحيفة “ماركا” بأنه “أسوأ صفقة في الليجا” في موسمه الأول.

 

ولم يكن ذلك لقصور في الأداء، بل لصعوبة تأقلمه في فريق يعج بالنجوم، وفي دوري يعتمد على السرعة والاندفاع البدني.

 

لكن النجم الكرواتي لم يستسلم، وشيئًا فشيئًا بدأ في فرض شخصيته الفنية والذهنية داخل الملعب.

 

جاءت نقطة التحول الحقيقية في ربيع 2014، عندما سجل هدفًا قاتلًا في مرمى بايرن ميونخ في نصف نهائي دوري الأبطال، ليقود مدريد نحو “العاشرة” المنتظرة، ومن هناك بدأت حقبته الذهبية.

 

مع كل موسم، تطور أداء لوكا ليصبح جوهر خط وسط ريال مدريد، قائدًا فنيًا بأداء استثنائي وهدوء لا يضاهى، مهاراته في التمرير، رؤيته الثاقبة، تحكمه بإيقاع المباراة، وقدرته على الظهور في اللحظات الحاسمة، كلها جعلت منه أحد أهم مفاتيح النجاح للفريق في أحد أعظم عصوره الأوروبية.

 

ففي الثلاثية التاريخية (2016–2018) تحت قيادة زيدان، كان مودريتش القلب النابض للفريق، الذي يُحرك كل شيء، ويجعل المستحيل ممكنًا.

 

ولاء لا يُضاهى

 

لكن ما ميزه أكثر من أي شيء هو تمتعه بوفاء لا يُشترى، فعلى مدار 13 عامًا، ظل مودريتش وفيًا لقميص ريال مدريد رغم العروض الضخمة التي تلقاها.

 

بعد تألقه في مونديال 2018 وقيادة كرواتيا إلى النهائي، انهالت عليه العروض، من إنجلترا، الصين، والشرق الأوسط، وخاصة من أندية السعودية، التي قدمت له عرضًا ضخمًا في عامه الـ37، لكنه رفض.

 

فمتوسط الميدان الأسطوري قالها بوضوح: “هنا بيتي، ولا أرى نفسي في مكان آخر”.

 

ليس هذا فحسب، بل أبدى استعدادًا دائمًا لتخفيض راتبه، وتقبل دوره كلاعب بديل في أواخر مسيرته، دون أن يفتعل أزمة أو يصرح بما قد يخل بتوازن غرفة الملابس.

 

وبالتالي، ما قدمه مودريتش لريال مدريد لم يكن مجرد أداء على العشب، بل كان روحًا وعقلًا وولاءً نادرًا.

 

لعب دور القائد الهادئ، وبمثابة الأب للاعبين الشباب، وكان نموذجًا في الاحترافية حتى آخر يوم له.

 

وتصفيق الجماهير له في البرنابيو لم يكن مجرد تحية، بل اعتراف بأنهم أمام أسطورة يصعب تكرارها.

 

أسطورة حقيقية

 

وبالنظر إلى أرقامه، فإن ما حققه لوكا مودريتش يصعب اختزاله، حيث شارك في 591 مباراة رسمية مع الفريق، سجل خلالها 43 هدفًا، وصنع 95 تمريرة حاسمة، لكن القيمة الحقيقية كانت في الأثر الذي لا يُقاس بالأرقام.

 

فـ”كرويف الشرق” حقق مع ريال مدريد 28 لقبًا رسميًا، يتصدرها 6 بطولات دوري أبطال أوروبا (رقم تاريخي)، إلى جانب، كأس العالم للأندية 5 مرات، الدوري الإسباني 4 مرات، كأس السوبر الأوروبي 5 مرات، كأس الملك في مناسبتين، كأس السوبر الإسباني 5 مرات، كأس الإنتركونتيننتال مرة واحدة

 

كما تُوج بالكرة الذهبية عام 2018، متفوقًا على ميسي ورونالدو، ليصبح أول لاعب يكسر هيمنتهما منذ أكثر من عقد، في إنجاز شخصي يعكس عظمة الموسم الذي قدمه مع ريال مدريد ومنتخب بلاده.

 

رحل مودريتش عن معقل ريال مدريد في صيف 2025، بعد آخر ظهور له أمام ريال سوسيداد، وسط تصفيق جماهيري طويل، وعيون تلمع بحب وامتنان.

 

لم يحتج إلى خطاب وداعي أو كلمات مؤثرة؛ فكل لحظة قدمها كانت رسالة حب صادقة لهذا الكيان.

 

وهكذا يُغلق لوكا مودريتش صفحة مجيدة من كتاب ريال مدريد، صفحة كتب فيها اسمه بجوار الأساطير، لا بالحبر، بل بالتاريخ.

 

 

المصدر: الاخبار كووره

الاخبار ذات الصلة