موضوعنا عن موقعيّة الطلاق في حياتنا؛ هل هو نهاية العلاقة مع الجنس الآخر؟ هل هو نهاية العلاقة مع الذّات؟ هل أنا انفصلت عن الواقع وعن المجتمع، عند الطّلاق؟
في البداية، لا بدَّ من الإشارة إلى أنّ ثقافتنا الإسلاميّة تقول إنَّ “أبغض الحلال عند الله الطَّلاق”. هذا في المبدأ، لأنَّ الله يحبُّ الوصل ولا يحبُّ الفصل، لكنَّ واقعيّة الحياة تحتّم أحياناً أن يصبح هناك نوع من الانفصال. وعندما نفهم قيمة النّظرة إلى الوصل، نحترم حينئذٍ مسألة الفصل.
إنّ الله ينظر إلى مسألة الزواج على أنّه انصهار، بحيث يصبح الزّوجان جسداً واحد اعتباريّاً، بدليل قوله تعالى: {وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا}. وكلمة الشِّقاق تدلّ على جسم واحد. فقدسيّة هذا الجسم الواحد أو الفضاء المشترك، حسب التعبير القرآنيّ {وقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ}، هذا التّعبير يجعلنا نحترم هذه القدسيّة، بدليل أنّ القرآن قال: {فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ}…
ماذا يعني التَّسريح بإحسان؟
يعني أن نخرج من العلاقة بما لا يُحدِث خسارةً كبرى، لأنَّ في الطَّلاق نوعاً من الخسارة، ولكنّ ذلك لا يعني أنّها نهاية الحياة، لأنّ نظرة القرآن واقعيّة، فهو يؤمن بقدراتنا وأخلاقنا، ويدعونا إلى ذلك، فيقول: {وَلاَ تَنسَوُاْ الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ}، وأيضاً يقول: {وَإِن يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللهُ كُلاًّ مِّن سَعَتِهِ}.
هذا على مستوى الثقافي المعرفي.
على مستوى الواقع النَّفسي: نعم، هناك ردّ فعل نفسيّ من الطّرفين، وتحديداً عند المرأة، لأنها قد تعتبر أنَّ المسألة ترتبط بأنوثتها، أو أنَّها طعنة لها… ولكنّ المسألة ليست كذلك، بل إنَّ الصّحيح هو أنّه من الممكن أنّنا أخفقنا، وأنَّ مشاعرنا لم تتوافق، وأنَّ ظروفنا لم تتوافق، ولكنَّها ليست نهاية الطريق.
وإذا كنت مقتنعاً أنّ المشكلة عندي، فعليَّ أن لا أضعها عند الآخر، “الشطارة” في النجاح، أن أعترف بالمشكلة، أن أستفيد من هذا الموضوع، وأن لا أجلد نفسي، لأنَّ هناك فرقاً بين أن أجري نقداً للذَّات، وبين أن أجلد نفسي. فجلد النَّفس لا يفيد أبداً، وكذلك لا يمكنني أن أشيطنَ الآخر.. هي نهاية علاقة، أخرج منها بأقلّ خسارة ممكنة، وأستفيد من الثّغرات التي حدثت.
هناك نقطة مهمّة أوجّهها للإخوة الشّباب، وهي مسألة تعاني منهها المطلّقة. المطلّقة لا تبحث عن جنس بديل، فلا نظنّ أنها إنسانة ساهية أو فريسة جنسيَّة.. هذه مسألة مهمَّة جداً، لأنّنا بذلك نزيد من أزمتها.
نعم، هذا لا يمنع من أن تنشئ علاقة من جديد، وأن تبدأ صفحة جديدة في حياتها.. هذا أمر مختلف، ولكنّي أعطيت هذه الملاحظة، لأنّنا نجدها في مجتمعنا. فيجب أن ننظر نظرةً محترمة إلى المطلَّقة، أن نحترم خيارها، نحن لا نعرف ما يحدث داخل البيوت، هذا خيار ذاتيّ، هذا ليس معناه أنَّنا نشجّع على ظاهرة الطّلاق، ولكن في حال حدث، فلنحوِّله إلى مسألة لا يكون فيها الكثير من الخسائر، ولا تحدث نوعاً من العدوى السلبيَّة.