مدخل مركز التسوق يبدو كعادته، مزدحمًا ومليئًا بالحركة؛ لكن في غضون دقائق قليلة، يتحوّل الفناء إلى خشبة مسرح حيّ، وتتكوّن حلقة الجمهور في أقل من دقيقة.
ومع ارتفاع صوت حوارات الممثلين، تصبح الأجواء أكثر حيوية، ويزداد عدد المتفرجين؛ فالعرض مسرح شارع، ويتطلب – كما هو الحال في هذا النوع من الفنون – مشاركة الجمهور.
يتفاعل الحضور مع الممثلين، يجيبونهم، ويصبحون جزءًا من العرض، رغم أن كثيرين منهم لا يستطيعون تخمين مسار القصة، ما يجعلهم يتابعون حتى النهاية بدافع الحماس والفضول.
تبدأ القصة من مكتب عقاري، حيث يحاول أحد الممثلين شراء منزل قديم وثمين من صاحبه بعروض مغرية، لكن تطوّر الأحداث يقود الجمهور في النهاية إلى مواجهة مع إرث الوطن.
وهنا، يتفاعل الجمهور بحرارة أكبر؛ أحيانًا بالهتاف، وأحيانًا بالبكاء، وأحيانًا تلمع الدموع في أعينهم. النتيجة: عرضٌ يُجسّد التزام أهل شيراز بأرضهم؛ إذ حين يتعلّق الأمر بإرث الوطن، فإن الانتماء الوطني لا يعرف فكرًا أو توجّهًا سياسيًا.
هنا… مهرجان حبّ إيران
على هامش هذا العرض، الذي يملأ الأماكن المزدحمة في شيراز بالحيوية منذ يومين، أجرينا حوارًا قصيرًا مع مخرج المسرحية مهدي دلال، الذي قال: “ردود الفعل التي نتلقاها من الناس مذهلة؛ يقولون إن هذا المكان تحوّل إلى عيد للوطنية”.
وأوضح أن هذا العمل يتمتع بهيكل خاص ويُقدَّم بأسلوب تفاعلي.
وأضاف: “لأن القصة لا تشير منذ البداية مباشرة إلى أرض إيران أو العدوان عليها، يدخل الجمهور في اللعبة، بل ويطالبون باستمرار الحوار الحيّ مع الممثلين”.
وأشار إلى أن في المونولوج الختامي، حين يُخرج الممثل خريطة إيران من جيبه ويعلن أنه لن يبيع ترابها، يبكي كثير من المتفرجين.
وتابع دلّال: “في جميع العروض التي قدّمناها خلال اليومين الماضيين، تفاعل الناس من مختلف التوجّهات، بل إن كثيرين ممن لم نتوقعهم، أظهروا حبّهم العميق لإيران”.
وأضاف: “الآن، وقد تعرّضت البلاد للعدوان، أرى لأول مرة هذا التكاتف الشعبي؛ حتى إن أحد الحضور حاول التشويش على العرض، فوقف الجمهور في وجهه ودافع عن اسم إيران”.
العرض يستمر، وفقًا لمعايير هذا النوع من المسرح، من 10 إلى 15 دقيقة، ويُختتم بتصفيق حارّ ينبع من حماس الجمهور وانتمائهم.
ملحمةٌ من أجل إيران
الآن، جاء دور فتيات شيراز قارئات الشاهنامة ليتسلّمن نبض الجمهور؛ فـ”شاهنامة” الفردوسي، بأسلوبه الملحمي، لطالما اقترن بحبّ الوطن، والآن، وقد تعرّضت الأرض للاعتداء، فإن هذا الشعور بات أكثر قوّة.
قامت الفتيات الشابات بتلاوة أبيات من الشاهنامة تتناول هجوم العدو على أرض إيران، ثم واصلن العرض بأسلوب الراوي الملحمي (النقّالي)، واختُتمت الفقرة بإلقاء مؤثّر عن الوطن.
ما لفت الأنظار أكثر من أي شيء، هو تفاعل الناس وترديدهم للأبيات عن ظهر قلب، حين كانوا يرددون بعيون دامعة: “إذا لم تبقَ إيران، فلا أريد أن أبقى.. لا ينبغي أن يعيش أحد في هذا الوطن إن لم يكن حرًّا.. وإن قدّمنا أرواحنا جميعًا.. فذاك خيرٌ من أن نسلّم البلاد للعدو”..
وقالت سوگند آزادي، إحدى الفنانات المشاركات: “في العروض الأربعة التي قدّمناها خلال اليومين الماضيين، طلب الناس مرارًا إعادة بعض مقاطع الشاهنامه أو النقّالي”.
وأضافت، وهي عضو في فرقة “شمس السلام” الدولية، التي استُضيفت أيضًا على قنوات التلفزيون الوطني: “في هذه العروض، رأينا حبّ الناس لإيران، وشهدنا مرارًا دموع الفرح في عيون مواطنينا”.
استمر هذا العرض الميداني الفني نحو 45 دقيقة، وانتهى بحصاد من الفرح الجماعي والحماس الوطني
.
حزمة فنية ميدانية… وتلاحم شعبي في شيراز
توجّهنا إلى مسؤولي “حوزه هنري” في محافظة فارس، بصفتهم الجهة المنظمة لهذا الحدث الفني–الاجتماعي، لنسأل عن خلفيته ومدى استمراره.
قال سيد مهدي موحد، القائم بأعمال “حوزه هنري” في فارس: “يُقام هذا الحدث بهدف تعزيز التلاحم الشعبي في شيراز، وفي قلب الحياة اليومية.. في أماكن مزدحمة كـالأسواق والمراكز التجارية، ويستمر العرض من 30 إلى 40 دقيقة”.
وأضاف أن هذا الحدث، الذي بدأ مساء السبت، مخطط له أن يستمر 10 أيام، ويشمل:
عرضًا مسرحيًا ميدانيًا، وفقرتين من النقّالي وقراءة الشاهنامة.
وأوضح أنه على هامش الفعالية، تُوزَّع أعلام وخريطة إيران على الأطفال، ما يخلق جوًا من التلاحم بين الناس.
وأشار موحد إلى أنه نظرًا للإقبال الكبير، سيتم زيادة عدد الفرق لتقديم العروض في مناطق أكثر من المدينة.
وقد نُفّذت هذه الحزمة الفنية حتى الآن في مناطق مزدحمة مثل عادل آباد، عفيف آباد، ستارخان، وبارامونت، ومن المقرر أن تستمر حتى نهاية الأسبوع، يوميًا من الساعة 18:00 إلى 20:00 في مواقع مختلفة من المدينة.
في هذه الأيام، تؤدي الفنون الشارعية في شيراز رسالتها الحقيقية: بثّ الروح، وتعزيز الفرح الاجتماعي، وترسيخ التلاحم والوحدة بين الناس.