إلى جانب ذلك، تتحمل المصالح التجارية الصغيرة والمتوسطة، التي أجبرت على الإغلاق أو توقفت أعمالها كليًا، أعباءً ثقيلة لا تقل وطأة. وتضاف إلى هذه الخسائر المباشرة، خسائر غير منظورة تلحق بالاقتصاد الصهيوني بفعل استمرار العمليات العسكرية على أكثر من جبهة، وما يرافقها من تباطؤ اقتصادي، وتراجع في ثقة المستثمرين، واضطرابات في الأسواق المحلية.
وقد أدى هذا الإنفاق الكبير إلى ضغوط مالية على اقتصاد الكيان المحتل، حيث بدأت مؤشرات عديدة تظهر بوادر تباطؤ في النشاط الاقتصادي وتزايد أعباء الموازنة العامة.
ومع استمرار حالة عدم اليقين الأمني، يواجه الكيان الغاصب تحديات كبيرة في إدارة الموارد المالية، خاصة مع الحاجة إلى تمويل برامج الدعم المدني والخدمات الأساسية، في ظل تراجع الإيرادات بسبب الحرب. كما أن استمرار النزاعات قد يؤدي إلى المزيد من التكاليف غير المباشرة، مثل تراجع الاستثمار، وارتفاع معدلات البطالة، وتأثيرات اجتماعية واقتصادية أوسع.
في الأسبوع الأول من العدوان، أنفق الكيان المحتل حوالي 5 مليارات دولار، بينما بلغت النفقات اليومية للحرب 725 مليون دولار، منها 593 مليون دولار خُصصت للهجمات، و132 مليون دولار للإجراءات الدفاعية والتعبئة العسكرية، وفقًا لموقع “فايننشال إكسبريس”.
من جانبها، أفادت صحيفة “وول ستريت جورنال” بأن التكلفة اليومية لأنظمة الدفاع الجوي المضادة للصواريخ تراوحت بين 10 إلى 200 مليون دولار.
وكان من الممكن أن تتجاوز التكلفة الإجمالية 12 مليار دولار لو استمرت الهجمات لمدة شهر، وفقًا لمعهد آرون للسياسة الاقتصادية.
وفي هذا السياق، أشار الخبراء إلى أن الكلفة العسكرية في مواجهة إيران أكبر من المتوقع نتيجة استهلاك عدد كبير من الصواريخ الاعتراضية خلال أيام الحرب الإثني عشر.
وتجاوز عدد الصهاينة الذين أُخليت منازلهم في الأسبوع الأول 10 آلاف، وتقدّم حوالي 42000 شخصًا بطلبات تعويض، وفقًا لهيئة الضرائب الصهيونية.
وتدرس حكومة العدو الصهيوني إجراءً بين هذه الإجراءات التالية لتغطية عجز الموازنة المتزايد:
-خفض الإنفاق العام على الصحة والتعليم
-زيادة الضرائب
-اللجوء إلى الاقتراض، ما قد يرفع نسبة الدين العام إلى الدخل القومي بأكثر من 75%
وكشفت وزارة المالية الصهيونية أن الموارد المالية الحالية تستنزف بسرعة، وطلبت تحويل 857 مليون دولار إلى وزارة الحرب، بينما طلبت تخفيضات قدرها 200 مليون دولار من وزارات الصحة والتعليم والخدمات الاجتماعية. وأفادت صحيفة “غلوبس” المالية أن معظم هذه الأموال ستُستخدم لتغطية نفقات الأفراد العسكريين.
التعويضات
وحسب مصلحة الضرائب، تم شراء ما يقارب 53 ألف وثيقة تأمين جديدة منذ اندلاع الحرب، فالتعويضات الرسمية تنحصر في أضرار الأملاك العقارية وخسائر السيارات، ما يدفع المستوطنين لتأمين أغراض ثمينة من تحف فنية وأثاث فاخر ومجوهرات في مصلحة الضرائب نفسها بقسط إضافي قدره 3/0% من قيمة العقار المؤمَّن عليه، حتى سقف مليون شيكل (الدولار يساوي 42/3 شواكل تقريباً)، أو تأمين هذه الأغراض لدى شركات تأمين خاصة لتغطية ما لا تقدمه الدولة من تعويضات لخسائر الحروب.
لكن اندفاع المستوطنين في فترة ما بعد الحرب مع إيران يظهر مقدار خشيتهم من الحرب وأضرارها، خصوصاً بعد أن نقلت الحرب أضرار الممتلكات إلى مستوى جديد.
وحسب صحيفة “يديعوت أحرونوت”، فإنه بسبب طول أمد الحرب أكثر مما كان متوقعاً، فقد تمّت في وزارة المالية صياغة خطة تعويض قطاع الأعمال وتعويض الشركات لمئات الآلاف من العمّال المتغيبين عن العمل بسبب الحرب مع إيران.
وكشفت سلطة الضرائب للجنة المالية في الكنيست عن حجم الأضرار الهائلة الناجمة عن الهجوم على إيران، فخلال أسبوعين فقط من بدء القتال المباشر تقرر هدم 25 مبنى في جميع أنحاء الاراضي المحتلة، مقارنة بمبنى واحد فقط تضرر بالدرجة نفسها خلال الحرب مع غزة.
وأقرّت السلطة بوجود موجة غير مسبوقة من مطالبات التعويض من الشركات المتضررة. وخلال النقاش، قدّم أمير دهان، مدير قسم التعويضات في سلطة الضرائب الصهيونية، صورة شاملة للأضرار الاقتصادية التي لحقت حتى وقت يقترب من نهايتها.
وأوضح أنه منذ بداية الحرب مع إيران، قُدّمت حوالي 40 ألف مطالبة تعويض، مقارنة بحوالي 70 ألف مطالبة مُقدمة منذ بداية الحرب بأكملها.
وبحسب قوله، فإن مبالغ التعويضات مرتفعة للغاية: “حتى الآن، منذ بداية الحرب، دفعنا 5/2 مليار شيكل. ومنذ جولة القتال المباشر مع إيران في الأسبوعين الماضيين، وصلنا إلى حوالي 5/4 مليارات، وأعتقد أننا سنصل إلى 5 مليارات.
هذه مبالغ لم نشهدها من قبل في الأضرار المباشرة. معهد وايزمان ومصفاة بازان لتكرير النفط في حيفا حدثان ضخمان، ولدينا 25 مبنى يجب هدمها، مقارنة بمبنى واحد فقط منذ بداية الحرب وحتى جولة إيران”.
“نقص خطير ووشيك” في غاز الطهي
وفي وقت سابق، حذّرت وزارة الطاقة الصهيونية من “نقص خطير ووشيك” في غاز الطهي عقب الهجوم الذي تعرّض له مجمع بازان في حيفا، والذي أدى إلى توقف كامل في نشاط المصفاة، التي تُعد المصدر الرئيسي لهذا النوع من الوقود في السوق المحلية.
وبحسب رسالة رسمية وجّهتها الوزارة إلى مديري شركات الغاز، فقد تم وضع خطة لتحديد أولويات توزيع غاز الطهي في حال حدوث عجز فعلي في الإمدادات. وكشفت صحيفة “كالكاليست”، التي حصلت على نسخة من الوثيقة، أن الأسر المستوطنة ستكون في أسفل قائمة الأولوية، مما يعني حصولها على كميات محدودة أو مؤقتة فقط، مقارنة بقطاعات أخرى أكثر حيوية.
وأظهرت خطة وزارة الطاقة أن الأولوية القصوى ستُمنح للمستشفيات، والمغاسل التابعة لها، إضافة إلى دور رعاية المسنين، والمخابز، ومصانع الأغذية، ومؤسسات ذوي الاحتياجات الخاصة، والمرافق الصناعية الحيوية، وأن هذه الجهات ستحصل على ما يصل إلى 60% من استهلاكها الطبيعي في الظروف العادية.
في المرتبة الثانية تأتي السجون والمزارع الحيوانية والفنادق وخدمات الإطعام التي ستحصل على نسبة تصل إلى 30% فقط من استهلاكها المعتاد.
يُذكر أن بازان كانت تُنتج حتى نوفمبر/ تشرين الثاني 2024 نحو 44% من غاز الطهي المستخدم في الأراضي المحتلة، ويأتي 19% إضافياً من مصفاة أسدود، بينما يتم استيراد الكمية المتبقية عبر خطوط شركة كاتسا المملوكة للحكومة.
هلع المستثمرين
حذر الخبراء من أن معدل النمو في الكيان قد يتباطأ، وأن البطالة قد ترتفع، وأن معدلات الفقر قد ترتفع.
واستهدفت إيران بنى تحتية حيوية في تل أبيب وحيفا، بما في ذلك هجوم أدى إلى إغلاق مصفاة بازان، أكبر مصفاة نفط في الكيان، متسببًا في خسائر يومية تُقدّر بـ3 ملايين دولار، وفقًا لصحيفة “فايننشال تايمز”.
وعلّق مطار بن غوريون عملياته ردًا على الضربات الإنتقامية الإيرانية، وهو المطار الذي يستقبل عادة حوالي 300 رحلة و35 ألف مسافر يوميًا، ولم يُفتح إلا جزئيًا اعتبارًا من الأحد الماضي لأغراض إعادة المستوطنين، ومن المتوقع أن يؤدي هذا التعطيل إلى خسائر اقتصادية أكبر.
وتزامن تعليق الرحلات في أكبر مطار في البلاد مع قيام شركة الطيران الوطنية “العال” بتعليق رحلاتها وتحويل مسار طائراتها، تحسبًا لأي تهديد بالاستهداف.
الصواريخ الإيرانية تُصيب بورصة الألماس
عانت الأسواق المالية كذلك من تصاعد التوترات العسكرية، مثل إصابة الصواريخ الإيرانية بورصة الألماس الإسرائيلية، وهي قطاع يُمثل حوالي 8% من إجمالي صادرات الكيان.
ووفقًا لمعهد الألماس الإسرائيلي، أثارت الهجمات مخاوف في بورصة تل أبيب. وتسببت الضربة التي تلقاها سوق الأسهم في ذعر المستثمرين، مما أدى إلى عمليات بيع مكثفة وتسريع وتيرة تباطؤ السوق، وعرّض الاستقرار الاقتصادي للخطر على المدى القصير.
ضربات إيران تستنزف اقتصاد الكيان
تفيد تقارير إسرائيلية بتكبد الاحتلال قرابة 5 مليارات دولار، أي نحو 725 مليون دولار يومياً، للإنفاق على العمليات الهجومية على إيران وتكاليف الإجراءات الدفاعية لصدّ صواريخ طهران ومسيّراتها، التي مخلفة دماراً وأضراراً بالغة في المواقع التي تستهدفها، لاسيما في حيفا العاصمة الاقتصادية للكيان.
ويُقدَّر الإنفاق لتغطية احتياجات صندوق تعويضات الأضرار فقط بنحو 5 مليارات شيكل (حوالي 44/1 مليار دولار)، وفق تقرير لصحيفة “كالكاليست”، مشيراً إلى أن الأسواق تتوقع عجزاً حكومياً يتجاوز 6% العام الجاري، مقارنة بالسقف الذي حددته الحكومة البالغ 9/4% من الناتج المحلي الإجمالي.
وفي عام 2023، قدّر المحاسب العام عجز الموازنة الصهيونية بنسبة 2/4% من الناتج المحلي الإجمالي؛ لكن العجز قفز إلى 1/5%. وفي 2024، قدّرت وزارة المالية العجز بنسبة 9/6%؛ لكنه صعد إلى حوالي 3/8% وفقاً لحسابات المكتب المركزي للإحصاء. وفي جميع الحالات الثلاث، يُعتبر هذا عجزاً كبيراً، حيث كان السقف المحدد للعجز قبل اندلاع الحرب على قطاع غزة في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023 يقدّر بنسبة 3% من الناتج المحلي الإجمالي.
تكاليف الحرب
في المقابل، قال وزير مالية الاحتلال الإرهابي بتسلئيل سموتريتش في تصريحات صحافية أخيراً إنه سيكون هناك بالفعل انخفاض في الناتج المحلي الإجمالي، وبالتالي في عائدات ضرائب الكيان؛ ولكن ليس بمبالغ لن يتمكن الاقتصاد من مواكبتها. لكن استمرار الحرب يزيد فجوة العجز المالي، إذ قال رام عمينوح، الذي عمل مستشاراً مالياً لرئيس الأركان ورئيس قسم الميزانية في وزارة الحرب، إن تكلفة الحرب حتى الآن تقدر بما يتراوح بين 15 و16 مليار شيكل؛ لكنها تنمو بسرعة، وفق تأكيده لصحيفة “كالكاليست”.
يمكن تقسيم التكاليف إلى فئتين: نفقات الهجوم ونفقات الدفاع. وتشمل نفقات الدفاع صواريخ “آرو 3” الاعتراضية، حيث تقدّر تكلفة كل صاروخ بحوالي 10 ملايين شيكل (88/2 مليون دولار)؛ بالإضافة إلى ذلك، تكلفة القوى العاملة والتي تتركز في أنشطة الجبهة الداخلية.
ووفقًا لتقديرات عمينوح، تبلغ هذه التكلفة حوالي 100 مليون شيكل يومياً (8/28 مليون دولار).
وتضاف إلى تلك التكاليف الأعباء الناتجة عن تعويضات ستضطر الحكومة إلى دفعها للمتضررين، إذ تشير بيانات سلطة ضريبة الأملاك إلى إجلاء نحو 10 آلاف صهيوني من منازلهم خلال الأسبوع الأول من الحرب، وتقديم 36 ألفاً و465 مطالبة بالتعويض.
وتقدّر صحيفة “وول ستريت جورنال” الأميركية أن كلفة اعتراض الصواريخ الإيرانية فقط تتراوح بين 10 ملايين دولار و200 مليون دولار يومياً، ما يجعلها أحد البنود الأكثر استنزافاً للميزانية. ويضفي استمرار المواجهات العسكرية مزيداً من الضغوط على الاقتصاد الصهيوني، وسط مؤشرات على تباطؤ الاستثمارات وتراجع حركة التجارة والسياحة، فضلاً عن تذبذب أداء سوق المال وتزايد التكاليف الأمنية.