في ذكرى يوم تكريمه

صائب التبريزي.. شاعر الحكمة في الشعر الفارسي

تجلّت في أشعاره روح التواضع، ورفض المظاهر الزائفة، والدعوة للتفكر في النفس والوجود.

يُعدّ صائب التبريزي، أحد أعمدة الشعر الفارسي في العصر الصفوي، وممثلاً بارزاً لأسلوب «الهندي» الذي امتاز بالخيال العميق، والتراكيب المدهشة، والتأملات الفكرية المكثفة. وُلد في تبريز سنة ۱۰۰۰ هـ تقريباً الموافق 1592م، ثم انتقل مع أسرته إلى أصفهان، العاصمة الثقافية والسياسية آنذاك.

 

برز صائب التبريزي منذ شبابه في ميادين الأدب والبلاغة، وكتب شعراً غزيراً تجاوز في بعض التقديرات مئة ألف بيت، وهو عدد ضخم قلّ نظيره في تاريخ الأدب الفارسي. نظم في مختلف الأغراض الشعرية من الغزل والتأمل والمديح والوصف والزهديات، لكن ما ميّزه خصوصاً هو «البيت المفرد الحامل للمعنى»، أي أن كل بيت من أبياته غالباً ما يحمل حكمة مكتملة أو فكرة عميقة، ما جعل شعره أشبه بسلسلة من التأملات المتقطعة.

 

سافر صائب التبريزي إلى الهند، وهناك وجد بيئة ملائمة لتجريب أسلوب جديد، حيث ازدهر أسلوب «الخيال المركّب» و«المعنى البعيد»، وهو ما يُعرف اليوم بـ «الأسلوب الهندي». امتاز بأسلوبه بالتصوير البديع، الاستعارات الجريئة، والتشابيه غير المألوفة، مما جعله محطّ إعجاب النقاد ومحبي الشعر، لكن في الوقت ذاته مثار جدل لدى من فضّلوا البساطة الكلاسيكية.

 

كان صائب أيضاً شاعراً ملتزماً دينياً وذو نزعة صوفية واضحة. تجلّت في أشعاره روح التواضع، ورفض المظاهر الزائفة، والدعوة للتفكر في النفس والوجود. كثير من أبياته كانت تهزّ القارئ بتعابيرها البليغة عن فناء الدنيا وثقل الآخرة، بأسلوب يوازن بين الإحساس الجمالي والبعد الروحي.

 

ختم حياته في أصفهان، حيث توفي سنة 1086 هـ، الموافق 1676م. لا يزال قبره هناك مقصداً للأدباء، وشعره مادة للباحثين والمهتمين، وقد نُقشت أبيات كثيرة له على جدران المساجد والمكتبات في إيران والهند وأفغانستان.

 

صائب التبريزي لم يكن فقط شاعراً، بل مدرسة قائمة بذاتها، تجسدت فيها التجربة، والموهبة، والإبداع الحر في زمن تغيّرت فيه معايير البلاغة والتعبير.

 

المصدر: الوفاق

الاخبار ذات الصلة