مدججًا بصور مجازر مروعة ستُعرض على طاولة السياسة كإنجازات عسكرية، لا كجرائم حرب. وهنا تتكشف بوضوح طبيعة الدور الأميركي: شريك مباشر في الحرب، وليست وسيطًا في أي عملية سلام.
فمنذ بدء حرب الإبادة، قدّمت الإدارات الأميركية – الحالية والسابقة – غطاءً سياسيًا وعسكريًا للاحتلال، لم يتوقف عند استخدام حق النقض (الفيتو) في مجلس الأمن، بل تجاوزه إلى إرسال شحنات السلاح النوعي، والتدخل الدبلوماسي المتواصل لإجهاض كل محاولات وقف إطلاق النار أو فرض هدنة إنسانية. وقد وصلت الإدارة الحالية، بقيادة دونالد ترامب، إلى درجة من التحيّز والانخراط الفعلي في الحرب، تجعل من واشنطن طرفًا في النزاع، لا حكمًا عليه. فالخطاب الأميركي بات يستعير مفردات جيش الاحتلال، ويتبنى رواياته بشكل شبه كامل، متجاهلًا حجم المجازر التي تُرتكب بحق المدنيين يوميًا.
وعندما ردّت إيران على جرائم الاحتلال بقصف أهداف داخل الأراضي المحتلة، سارع ترامب لتقديم نفسه حاميًا لـ”إسرائيل”، متناسياً أن ملايين الفلسطينيين يُقتلون بأسلحة أميركية، وبدعم أميركي سياسي وعسكري مباشر. واليوم، حين يذهب نتنياهو إلى واشنطن، فإنه يحمل لائحة طلبات لاستكمال الحرب، لا لإنهائها، في حين تواصل الإدارة الأميركية الترويج لاتفاق “جزئي” لا يخدم إلا مصلحة الاحتلال، على حساب دماء الفلسطينيين.
في المقابل، تدرك المقاومة الفلسطينية تمامًا طبيعة التحالف الأميركي الإسرائيلي، ولذلك لا تنظر إلى أي مبادرة أميركية كفرصة حقيقية لحل سياسي، بل كمناورة هدفها التجميل الإعلامي، والتغطية على الجرائم المتواصلة. ومن هذا المنطلق، تتعامل المقاومة مع الضغوط الدولية بحذر، وتُصر على أن أي هدنة لا تضمن وقفًا شاملًا للعدوان، ورفعًا كاملًا للحصار، هي فخٌ لتصفية الإنجازات الميدانية.
وعلى الأرض، تستمر المقاومة في تطوير أدوات الردع وشنّ عمليات نوعية، تؤكد قدرتها على فرض معادلات جديدة رغم القصف والتجويع. أما سياسيًا، فهي تتمسك بسقف وطني موحد، وترفض العودة إلى “صفقات شكلية” لا تحقّق الحد الأدنى من الحقوق.
الولايات المتحدة ليست وسيطًا نزيهًا، بل هي راعٍ متطرّف لأبشع الجرائم التي تُرتكب في غزة. وذهاب نتنياهو إلى واشنطن ليس بحثًا عن حل، بل محاولة لتثبيت شروط الحرب وتمديدها. وفي المقابل، فإن المقاومة باتت أكثر وعيًا بالتلاعب الأميركي، وأكثر تصميمًا على مواصلة المواجهة حتى انتزاع الحقوق، لا التسوّل عليها من طاولة واشنطن. وإن كانت واشنطن جادّة في مواقفها، فعليها أن تترجم أقوالها إلى أفعال، عبر وقف الإبادة، ولجم نتنياهو، ومحاسبة مجرمي الحرب، لا استضافتهم على البساط الأحمر في عاصمة القرار الدولي.