الإمام الحسين (ع) كما لم نعرفه

خاص الوفاق: في كل لحظة من كربلاء المقدسة كان الإمام الحسين(ع) يزرع درسًا حتى في عطشه لم يشتم ولم يتراجع لم يُحرّض أصحابه على الحقد بل رفع راية الصبر وقال ألا ترون إلى الحق لا يُعمل به وإلى الباطل لا يُتناهى عنه ليربط الثورة بميزان القيم لا برد الفعل وحين خاطب جيش العدو لم يُخاطبهم بلغة الدم بل بلغة الضمير إن لم يكن لكم دين فكونوا أحرارًا في دنياكم لم يدعهم لتغيير مذهبهم بل لتفعيل إنسانيتهم لأن الثورة في جوهرها دعوة للحرية لا فرضًا للاتجاه.

 

د. بتول عرندس

 

الإمام الحسين(ع) لم يكن رجل معركة بل رجل مبدأ لم يكن هدفه الانتصار على جيش بل على الغفلة لم يكن ينشد دمًا بل ضميرًا حيًا يثور على التسليم الأعمى ويستعيد كرامة الإنسان من بين ركام التبعية واللاموقف لقد سار الإمام الحسين(ع) إلى كربلاء لا ليكتب سيرة بل ليقيم حجة عقلية أخلاقية متكاملة على كل من يأتي بعده ويدّعي أنه لا يستطيع أن يغيّر شيئًا ما دامت الأرض ممتلئة بالجور والطغيان فكانت مسيرته درسًا تطبيقيًا في تربية النفس على القرار الصادق المنبعث من العقيدة لا من المصلحة وعلى أن الإنسان لا يُقاس بحياته بل بمواقفه ولا يُكرَّم بطول البقاء بل بصدق الاتجاه.

 

حين ترك مكة لم يخرج لأنه طُرد أو خاف بل لأنه أدرك أن الدم لا يُسفك في بيت الله وأن احترام قداسة المكان مقدّم على مصلحة الشخص حتى لو كانت حياته في الميزان فكان أول دروس كربلاء أن من يحترم القيم يحترم المكان ومن يقدّس رسالته يختار التضحية على أن يُشوّه قدسيتها وقد أراد بذلك أن يُربّي الأمة على أولويات العقيدة لا على حسابات النجاة الجسدية التي تبرر الصمت أحيانًا باسم الحذر فيسقط الوعي باسم البقاء.

 

في تعامله مع أصحابه كان الإمام الحسين(ع) مربّيًا لا قائدًا لم يجرّهم إلى الموت بل دعاهم إلى التفكير قال لهم هذا الليل قد غشيكم فاتخذوه جملًا وانجوا بأنفسكم ومن بقي فليعلم أنه سيُقتل لم يُرهبهم لم يُدنِهم بالعاطفة فقط بل سلّط نور البصيرة على الطريق ومنحهم حرية القرار ليُرسّخ فيهم أن الموقف لا يُبنى على الجماعة بل على القناعة وأن التربية الحقيقية هي أن تملك قرارك لا أن تُساق في اتجاه لا تفهمه وبهذا صنع من أصحابه قادة أحرار لا جنودًا يتبعون الصوت الأعلى.

 

مع عياله وأهل بيته لم ينقل إليهم الجزع بل ربّاهم على الثبات رافق الأطفال بكلماته اللطيفة وضمّهم بقلبه وعلّمهم أن العز لا يُربّى بالدلال بل بالفهم وأن المرأة لا تُحرم من الوعي بل تُشارك في حمل الرسالة فكانت زينب شريكته في البلاغ لا ملحقًا به وعلّم بناته أن الكرامة لا تعني القسوة وأن الإيمان لا يعني العجز فخرج من خيمته يوم العاشر مطمئنًا لأن بيته أصبح بيت وعي وليس فقط بيت أحزان.

 

في كل لحظة من كربلاء المقدسة كان الإمام الحسين(ع) يزرع درسًا حتى في عطشه لم يشتم ولم يتراجع لم يُحرّض أصحابه على الحقد بل رفع راية الصبر وقال ألا ترون إلى الحق لا يُعمل به وإلى الباطل لا يُتناهى عنه ليربط الثورة بميزان القيم لا برد الفعل وحين خاطب جيش العدو لم يُخاطبهم بلغة الدم بل بلغة الضمير إن لم يكن لكم دين فكونوا أحرارًا في دنياكم لم يدعهم لتغيير مذهبهم بل لتفعيل إنسانيتهم لأن الثورة في جوهرها دعوة للحرية لا فرضًا للاتجاه.

 

حتى تعامله مع الجواد لم يكن مجرد مشهد بل تربية حين قال له لا تشقّ علي فإني ابن رسول الله لم يكن يشتكي بل كان يُشفق وكأن الرحمة التي ملأت قلبه لم تتوقف عند الإنسان بل امتدت حتى للحيوان الذي سار معه وكان بذلك يُعلّمنا أن الإنسان المهذّب لا يترك أخلاقه عند الألم بل يزداد نقاءً وأن الدين ليس شعائر فقط بل تعامل شفيف مع كل ما حولك.

 

ولم يكن انتقاؤه لأصحابه عشوائيًا بل تربويًا فقد رفض من يلتحق فقط لأن الإمام الحسين(ع) ابن بنت رسول الله(ص) وقال لهم هذا الطريق لا يكفي فيه النسب بل يحتاج إلى نية ونقاء ليُربّي فيهم أن الانتماء الحقيقي هو الانتماء للحق لا للدم ولا للقرابة وأن الإصلاح لا يصنعه الاسم بل الموقف الصادق.

 

الإمام الحسين(ع) حين سقط لم يسقط صريعًا بل وقف حيًا في ذاكرة الضمير الإنساني لأنه لم يكن يبني معسكرًا بل مدرسة ولم يصرخ ليستجدي الحزن بل قال لتلاميذه سيروا بثقة وعلّم من بعده أن التربية لا تكون بالكلمات بل بالمواقف وأن أعظم ما يمكن أن يتعلّمه الشاب اليوم من كربلاء هو أن الحياة ليست في طول العمر بل في عمق الرسالة وأن الكرامة ليست خيارًا بل جزء من تكوين المؤمن وأن الإنسان كلما زادت بصيرته صغرت عنده الدنيا وكبرت عنده القيم.

 

لا نحتاج أن نقدّم الإمام الحسين(ع) في كتب التاريخ فقط بل نحتاج أن نُعيد إدخاله إلى مناهج التربية في بيوتنا ومدارسنا وجامعاتنا نحتاج أن نُعلّم أبناءنا أن قول لا في زمن النفاق عبادة وأن الصبر حين يكون من أجل الحق ليس ضعفًا بل شجاعة وأن الإصلاح يبدأ من الداخل ومن دائرة القرار الفردي لا من الخارج أو من انتظار المنقذ نحتاج أن نقرأ الحسين لا كذكرى نمرّ بها بل كوعي يُربّي ذوقنا وأسلوبنا ومواقفنا نحتاج أن نراه لا في الدماء بل في القيم لا في العزاء بل في البناء لا في الطقوس بل في السلوك لا في الهتاف بل في الفهم.

 

حين نفهم الإمام الحسين(ع) كمعلم نبدأ بتصحيح علاقتنا بالدين وحين نقدّمه كقيمة نبدأ بإعادة تشكيل شخصياتنا التربوية من جديد وحين نراه كضمير نبدأ بكسر عادات السكوت والخوف والتقليد حين نحبّه كما أراد الله أن نحبّه نعود إلى أنفسنا لا لنجلدها بل لنحرّرها وحين نقتدي به لا نصرخ بل نتحرّك بصمت العارفين الذين لا يريدون ضجيج الثورة بل صفاء التربية التي تصنع أمةً لا تموت.

 

المصدر: الوفاق/ خاص

الاخبار ذات الصلة