“بريكـس” وديناميكية القوة الاقتصادية في العالم

تشهد ديناميكية القوة الاقتصادية تحولاً ناتجاً عن نمو دول مجموعة "بريكـس" في إدارة وتخطيط السياسات في القطاع الزراعي العالمي، وتعتبر السياسات الفعّالة في إدارة التفاعل المعقّد بين المصالح الوطنية والنظم الغذائية العالمية أمراً بالغ الأهمية لضمان توفير الغذاء بشكل مستدام وعادل للجميع.

وبحسب المعايير المذكورة أعلاه، فإن الأسواق الخمسة الرائدة في تصدير المنتجات الزراعية لدول “بريكـس” و”بريكـس بلس” تشمل: الزيوت النباتية، القطن، الأسماك، الحبوب واللحوم، حيث تتراوح حصة صادرات دول “بريكـس” من هذه المنتجات بين خُمس إلى خُمسي الصادرات العالمية.

 

وعلى وجه الخصوص، سيطرت دول “بريكـس” في عام 2023 على السوق في مجال الزيوت النباتية والقطن، حيث احتلت ما يقارب 40% و45% على التوالي من حصص التصدير العالمية.

 

وتتوافق حصة صادرات الزيوت النباتية تقريبًا مع حصة دول مجموعة السبع G7 بنسبة 37%. أما بالنسبة للقطن، فإن هذه الحصة أعلى بشكل ملحوظ لتصل إلى 46%، وفي مجال الأسماك تبلغ حوالي 20%، وهي تقريبًا عند مستوى دول مجموعة السبع 15% والاتحاد الأوروبي 18%.

 

وفي عام 2022، كانت البرازيل أكبر مصدّر للزيوت النباتية بين دول “بريكـس” بحصة 85% ما يعادل 39 مليار دولار. وقد تم تداول حوالي ثلثي هذه الكمية 63% داخل دول “بريكـس” نفسها. في الوقت نفسه، سيطرت البرازيل على جزء كبير 68% من الواردات إلى مناطق أخرى من العالم.

 

وحول تجارة مجموعة بريكـس، كتب “حسين شيرزاد” الباحث والمحلل في مجال التنمية الزراعية أن “ما يقارب 86% من إجمالي صادرات دول بريكـس من الزيوت النباتية هو فول الصويا، والذي يأتي غالبيته من البرازيل. ومنذ عام 2021، وصلت التجارة العالمية لفول الصويا إلى 80 مليار دولار”.

 

أهم 8 صادرات زراعية لبريكس

 

يُستخدم فول الصويا بشكل أساسي كعلف للحيوانات في الإنتاج الحيواني، بينما يُستخدم جزء صغير منه فقط للاستهلاك البشري المباشر، مثل زيت الصويا.

 

وتُعدّ الصين أكبر مستورد لفول الصويا بنسبة 60%، بينما يُعتبر البرازيل والولايات المتحدة المُصدرين الرئيسيين، حيث وفّرا معًا 85% من الطلب العالمي على الواردات في عام 2023.

واحتلت البرازيل نسبة 50% من السوق، بينما كانت حصة الولايات المتحدة 35% خلال العقد الماضي.

 

وشهدت السوق العالمية لفول الصويا اضطرابًا كبيرًا، خاصة في الفترة بين يوليو 2018 ويناير 2020، بسبب تصاعد النزاع التجاري بين الولايات المتحدة والصين، الذي تضمن فرض رسوم جمركية انتقامية وعقابية.

 

وانتهى هذا الاضطراب مطلع عام 2020 بتوقيع اتفاقية المرحلة الأولى، التي التزمت بموجبها الصين باستيراد سلع أمريكية بقيمة 200 مليار دولار.

 

بالإضافة إلى التقلبات السعرية قصيرة الأجل في سوق الصويا، أدى النزاع التجاري أيضًا إلى تغييرات مؤقتة مرتبطة بالسياسات في التدفقات التجارية.

 

وفي عام 2017، بلغت صادرات البرازيل من فول الصويا إلى الصين 20 مليار دولار، أي ما يقارب ضعف قيمة صادرات الولايات المتحدة “12 مليار دولار”.

 

وبعد تصاعد النزاع التجاري عام 2018، تغيرت خريطة التبادل التجاري بشكل كبير، حيث قفزت صادرات البرازيل إلى الصين لتصل إلى 9 أضعاف صادرات الولايات المتحدة “26 مليار دولار مقابل 3 مليار دولار”.

 

في المقابل، زادت الولايات المتحدة صادراتها إلى مناطق أخرى من العالم بنسبة 50%، من 10 مليارات دولار إلى 15 مليار دولار، مع تخفيض المساحات المزروعة بحوالي 6 ملايين هكتار.

 

وبعد تراجع التوترات التجارية، شهدت واردات الصين من الولايات المتحدة في 2021 قفزة كبيرة إلى حوالي 14 مليار دولار “نسبة 30% من السوق”. ومع ذلك، حافظت البرازيل على هيمنتها بنسبة 60% من السوق الصينية (28 مليار دولار)، مسجلة حصة أكبر مما كانت عليه قبل الأزمة.

 

يُظهر هذا السوق، الذي يتشكل من ثنائي المنتجين الرئيسيين “البرازيل والولايات المتحدة” مع مشتري مهيمن “الصين”، مرونة واضحة في التكيف، دون أي اختلالات كبيرة في سلاسل التوريد.

 

التخصص في تصدير الحبوب

 

في صادرات الحبوب من دول مجموعة بريكس، هناك “تخصصية” واضحة، حيث يشكل الأرز 39%، والقمح 33%، والذرة 23% من إجمالي قيمة صادرات الحبوب.

 

ويعتبر الأرز والقمح من المواد الغذائية الأساسية خاصة في دول الجنوب العالمي، وبالتالي فإن التجارة دون عوائق لهذه السلع هي مفتاح تقليل مخاطر انعدام الأمن الغذائي.

 

وتصدّرت الهند في عام 2021 قائمة مصدري الأرز بحصة سوقية عالمية بلغت 35%، تليها تايلاند بنسبة 12% وفيتنام بنسبة 10%. وكانت الوجهات الرئيسية هي الصين والفلبين وبنغلاديش في آسيا، بالإضافة إلى دول غرب أفريقيا وجنوب أفريقيا.

 

أما في القمح، فقد سجلت روسيا أعلى نسبة تصدير بحوالي 15%، تليها الولايات المتحدة بنسبة 13%، ثم أستراليا 12%، وكندا 11%، وأوكرانيا 10%. أظهرت هذه الدول المصدرة علاقات إمداد مستقرة نسبياً في الأسواق العالمية خلال الفترة من 2011 إلى 2024.

 

وکانت الدول الرئيسية المستوردة هي مصر ونيجيريا والجزائر في أفريقيا، وإندونيسيا والصين وتركيا في آسيا، والبرازيل في أمريكا اللاتينية.

 

وتستخدم الذرة ليس فقط كغذاء للإنسان وعلف للحيوانات، بل أيضًا كمادة خام لإنتاج الغاز الحيوي والوقود الحيوي.

 

في عام 2021، استحوذت البرازيل على ما يقرب من عشر صادرات الذرة، لتحتل المرتبة الرابعة كأكبر مصدر بعد الولايات المتحدة 36%، والأرجنتين 17%، وأوكرانيا 11%. وشملت الوجهات الرئيسية حتى عام 2024 كلاً من الصين والمكسيك واليابان وكوريا الجنوبية.

 

تأثيرات بريكس الاقتصادية على الزراعة العالمية

 

برزت دول مجموعة بريكس كفاعلين اقتصاديين أقوياء يُحدثون تأثيرًا ملحوظًا على الأسواق الزراعية العالمية. أدى نموهم الاقتصادي إلى زيادة الطلب على المنتجات الزراعية، وإحداث تغييرات في أنماط التجارة العالمية، وتحفيز ديناميكية القوة الاقتصادية.

 

فعلى سبيل المثال، أدى توسع الطبقة الوسطى في الصين إلى زيادة طلبها على منتجات غذائية متنوعة وعالية الجودة، مما دفع إلى ارتفاع واردات الحبوب وفول الصويا وسلع أخرى.

 

وقد غيّر هذا الطلب المتزايد تدفقات التجارة العالمية، واضطر المصدرون الزراعيون الكبار إلى تعديل استراتيجياتهم لتلبية تفضيلات دول بريكس.

 

كما أن استثمارات دول بريكس في القطاع الزراعي كانت تحويلية، وأدت إلى تغييرات جذرية في الإنتاج والتجارة الزراعية العالمية. فقد ساهمت هذه الاستثمارات في تعزيز الإنتاجية، وتطوير البنى التحتية، وتبني التقنيات الحديثة، مما عزز موقع هذه الدول كمحاور رئيسية في السلسلة الغذائية العالمية.

 

بالإضافة إلى ذلك، فإن سياسات دول بريكس المشتركة في مجال الأمن الغذائي والتنمية الزراعية تساهم في تشكيل نظام غذائي عالمي أكثر توازنًا واستدامة. ومع استمرار نمو نفوذ المجموعة، من المتوقع أن تتعمق هذه التأثيرات، مما يعيد رسم خريطة القوة الاقتصادية في القطاع الزراعي خلال العقود المقبلة.

 

واستخدمت البرازيل، بصفتها المنتج الرائد لفول الصويا ولحوم الأبقار، استثماراتها الزراعية لتصبح قوة مهيمنة في الأسواق العالمية. غيّرت التقنيات الزراعية المتقدمة والقدرات الإنتاجية الواسعة لهذا البلد أسعار السلع وأنماط التجارة.

 

وبالمثل، عززت الاستثمارات الصينية الكبيرة في الأبحاث والتكنولوجيا الزراعية كفاءة الإنتاج وتحقيق الاكتفاء الذاتي، مما أثر على المعايير والممارسات الزراعية العالمية.

 

ساهمت هذه الاستثمارات في: تنويع مصادر الإمدادات الزراعية العالمية، وتقليل الاعتماد على المصدرين التقليديين.

 

وأدت هذه التحولات إلى إعادة هيكلة المشهد الزراعي الدولي، مع تعزيز دور اقتصادات بريكس كأقطاب فاعلة في ضمان الأمن الغذائي العالمي.

 

 

المصدر: الوفاق خاص