موناسادات خواسته
الفنون البصرية هي أحد مجالات الفن في بلادنا التي تمتلك قدرة أسرع على التعبير وردّ الفعل تجاه الأحداث مقارنة بالفنون الأخرى.
شهد العالم حرباً مفروضة من قبل الكيان الصهيوني ضد إيران، وخلال هذه الأيام الـ12، وقف الفنانون إلى جانب جنود الوطن من خلال أعمالهم، مدينين هذا العدوان الوحشي، ومنهم الأستاذ «علي بِتكَر» الذي رسم لوحة عن بعض شهداء العدوان الصهيوني.
في زمنٍ تتشابك فيه ريشة الفنان مع صوت المعركة، وتتحوّل الألوان إلى صرخات مدوّية في وجه الظلم والعدوان، نقف مع الرسّام الإيراني أمام لوحة ليست مجرد جمال بصري، بل شهادة حيّة على الوعي والمقاومة.
الحديث معه يحمل وهجاً قرآنياً، وبياناً لا يُهادن الظلم، حيث الفن يصبح سلاحاً واللوحة جبهة، والكلمة وعداً بالزوال القادم. هذا الحوار ليس تأملاً عابراً في عالم الفن، بل رحلة وإلتزام إنساني وإسلامي، يُعيد تعريف الجمال بوصفه فعلاً مقاوماً، ويكشف كيف يمكن للفنان أن يحفر أثراً في الوجدان، أبلغ من الخُطب وأقوى من البيان الرسمي، وفيما يلي نص الحوار:
دور الفنان في الجبهة الثقافية
بداية، سألنا الأستاذ «علي بِتكَر» عن رأيه حول دور الفنان في الجبهة الثقافية، فيكشف لنا كيف تتحوّل الريشة إلى بندقية فكر، واللون إلى جبهة مقاومة، في مواجهة جرائم الكيان الصهيوني والعدوان الثقافي على هوية الأمة الإسلامية. يرى بِتكَر أن الفن، بوصفه لغة عالمية، قادر على حمل رسائل العزّة والموقف في زمن باتت فيه الحرب أكثر غموضاً وفتكاً، ويقول: الجريمة التي ارتكبها الكيان الصهيوني ليست الأولى ولن تكون الأخيرة، بل هي جزء من مسار مستمر منذ عهد النبي آدم(ع) وحتى خاتم الأنبياء(ص)، وستستمر بعد ذلك. إنها ذاتها معركة الحق والباطل.
في عالمنا اليوم، نلاحظ أن هذه الحرب بين الحق والباطل أصبحت أكثر وضوحاً. قبل الثورة الإسلامية، لم تكن الأمور بهذا الوضوح، فالإعلام الغربي كان يُخفي نهجه في نهب الشعوب الضعيفة.
الثورة الإسلامية والفن
ويتابع الفنان الايراني: الثورة الإسلامية، كما قال الإمام الخميني(رض)، نزعت القناع عن وجوههم وكشفت حقيقتهم. منذ بدايات الثورة، بدأت نشاطات في مختلف المجالات، ومنها المجال الفني، وكانت هذه النشاطات مختلفة تماماً عمّا قبل الثورة. ظهر فنانون جعلوا من الالتزام الإنساني والإسلامي معياراً لعملهم ورسالتهم، ولم يكن ذلك مقتصراً على الرسم فقط، بل شمل الأدب والفنون الأخرى أيضاً. وكان هذا بداية مباركة ومفيدة، وخلال العقود التي تلت الثورة، ظهرت أعمال مؤثرة ومقبولة في جبهة المقاومة الإسلامية، حتى أن بعض الأشخاص في دول أخرى، ممن لم تكن لديهم توجهات ثورية أو إسلامية، بدأوا يدركون هذه الرسالة تدريجياً.
هذه الأعمال استطاعت أن تجد جمهورها وتؤثر فيه، والآن أصبح التعبير الفني وسيلة تخصصية، تتجاوز الخطاب العادي والدعاية، وتُحدث تواصلاً مع الجمهور يفوق تأثير الكتب. هذا التنوير هو رسالة الفنان، ونحن نرى في تعاليمنا الإسلامية أن هذه الرسالة والتكليف قد أُوكلت إلى الفنان. علينا أن نُعبّر بهذه اللغة بشكل واضح ورفيع، وإذا كان هناك خلل أو نقص في هذا المجال، فلن نتمكن من إيصال الرسالة كما ينبغي. الفن هو وسيلة يمنحنا القدرة على أداء هذا الدور بشكل أفضل، وكلما كان الفن أقوى وأكثر وضوحاً، كان تأثيره أكبر. لذلك، كلما استثمرنا في هذا المجال، سنحقق تقدماً كبيراً، والتاريخ يُثبت ذلك. لذا، يجب ألا نغفل عن هذه اللغة القوية والواضحة.
بلاغة القرآن الكريم والفن
يُشبّه بتكر تعبير الفنان ببلاغة القرآن الكريم، قائلاً إنّه من دون بيانه الفصيح، لما خلّد أثره في النفس والوعي، داعياً الفنانين إلى الاقتداء بروعة التعبير القرآني، لخلق أعمال سامية تُخاطب المسلم وغير المسلم بقوة الكلمة وجمال الصورة.
ويقول: نحن نعلم أن القرآن يتجاوز كونه مجرد تعبير فني، فلو لم يكن للقرآن هذا البيان، لكان تأثيره أقل. عندما نزل القرآن في جزيرة العرب، كان الحديث عن الكلام الفصيح والبلاغة أمراً شائعاً، وكان هناك شعراء أقوياء يشعرون بالتنافس مع النبي(ص). لكن القرآن، ببلاغته وفصاحته المعجزة، استطاع أن يُقصيهم، وأصبح معجزة خالدة في أذهان المسلمين، وما زلنا نرى بركاته حتى اليوم. في ظل القرآن، لدينا فنانون كبار في بلادنا، وفي الأدب أيضاً، فإن مولوي وسعدي وحافظ كلهم يتغذّون من القرآن.
الشهادة لا تقتل المقاومة بل تُحييها
عندما سألناه عن رأيه حول إستشهاد قادة المقاومة، وهل تضعف المقاومة بعد ذلك، يرفض بِتكَر الربط بين استشهاد القادة وتراجع المقاومة، ويستعرض تجربة المقاومة اللبنانية في تسعينيات القرن الماضي، مؤكداً أن استشهاد شخصيات كالسيد عباس الموسوي لم تُنهِ حزب الله بل زادت جذوته بقيادة الشهيد السيد حسن نصر الله. ويُذكّر بأن الثورة الإسلامية ليست قومية بل أممية، وأن جبهة المقاومة لا تنهزم باستشهاد الأبطال، بل تتمدّد وترتفع بأصواتهم ودمائهم.
ويقول: لا، أبداً، الثورة الإسلامية، تعتمد على تعاليم الإسلام والجهاد الإسلامي، ولا تأخذ الحدود القومية بعين الاعتبار، بل تنظر إلى الأمة الإسلامية ككل، والأمة الإسلامية لا تعتبر الجهاد شيئاً يُهزم باستشهاد بعض الأفراد، بل كما قال الإمام الخميني(رض)، فإن هذه الشهادات تُوقظ الشعوب أكثر. «إسرائيل» مخطئة تماماً في هذا التصور، وكما نرى في غزة، فإنهم يعتقدون أنه بقتل الناس والنساء والأطفال، ستنهار غزة وفلسطين، لكننا نرى أن ذلك لم يحدث. بل رغم استشهاد خمسين ألفاً، منهم ثمانية عشر ألف طفل، إلا أن المقاومة مستمرة، والنضال ضد الظلم قائم.
الشهادة فوز عظيم
ويعتقد الفنان الإيراني أن الشهادة هي فوز عظيم، وان المسلمين دائماً يفتخرون بها. في حرب الدفاع المقدس التي استمرت ثماني سنوات، كان كثيرون يذهبون إلى الإمام الخميني(رض) ويطلبون منه أن يدعو لهم بالشهادة، وهذا أمر مذهل. لذلك، سواء كانت شهادة أو نصر، فكلاهما نصرٌ في جبهة المقاومة الإسلامية، ولا معنى للهزيمة فيها. هذه الشهادات لن تُضعفنا، بل ستزيدنا وعياً، ولن تُضعف إيماننا أو أهدافنا السامية وأحلامنا الإسلامية. وأعتقد أن هذا المسار سيستمر، وسنقترب تدريجياً من زوال الكيان الصهيوني.
الصهاينة إن كانوا يظنون ذلك، فهم مخطئون تماماً، ومع هذه الجرائم، فإنهم يغرقون يوماً بعد يوم في مستنقع من صنع أيديهم، نتيجة لجرائمهم ونتيجة لوعي العالم.
نرى الآن أن الكيان الغاصب منبوذ بشدة في العالم، حتى في الدول الأوروبية، وكلما استمر في ارتكاب الجرائم، أصبح أكثر عزلةً وكرهاً، حتى جنرالاته وشخصياته يعترفون بذلك، الان في داخل الكيان نفسه، هناك خلافات كبيرة.
وهذا أمر مهم، لأن الكيان يرتكب جرائم، ولا يخوض حرباً كلاسيكية حيث يتقاتل الجنود وجهاً لوجه، بل يمارس الاغتيالات ويختبئ. والآن، بعد عملية «طوفان الأقصى»، لم يستطع هزيمة حماس، ولم يتمكن من تحرير أسراه، ولم يستطع فرض شروطه على حماس. وهذا هو الفشل بعينه. لكنه يرتكب جرائم بحق المدنيين – النساء، الأطفال، الشيوخ- ليخفي هذا الفشل. لكن من يملك منطقاً وتحليلاً يدرك أن هذه الجرائم لا قيمة عسكرية لها.
طليعة الزوال… حين ينطق الفن بالعدل
وأخيراً تحدث الأستاذ عل يبتكر عن اللوحة التي رسمها، قائلاً: رسمت هذا العمل الفني تأثراً بالجرائم التي ارتكبها الكيان الصهيوني، وصوّرت فيه عدداً من القادة الشهداء الذين سقطوا في الهجمات الأخيرة على إيران، والتقنية هي تركيب من الحبر الملون والأكريليك، وفي خلفية اللوحة، يظهر مشهد رمزي لإنهيار الكيان الصهيوني، لأقول إن خلف هذه الاغتيالات، هناك بداية سقوط الكيان الصهيوني بإذن الله.
اسم هذا العمل هو: «طليعة زوال إسرائيل». بدأت معركة الدفاع المقدس التي استمرت اثني عشر يوماً بعد الاغتيال المفاجئ لكبار قادة الجيش والحرس الثوري والعلماء النوويين، وتعطيل بعض مراكز الدفاع الجوي لدينا على يد الكيان الصهيوني.
كما ترون، في هذا العمل الفني، تم تصوير بعض الشهداء البارزين الذين سقطوا في تلك الجريمة. وفي مركز اللوحة، يظهر بشكل رمزي ردٌّ وهجومٌ مدمّر من الجمهورية الإسلامية الإيرانية ضد المعتدي، على هيئة صاروخٍ يهبط على الكيان الصهيوني بكامله، والذي يُمثَّل بـ «نجمة داوود»، ويبدو أن نجمة داوود على وشك أن تُمحى وتُباد، وهذا هو الثمن الباهظ الذي سيُعاقَب به المعتدي، ويُعبّر عن أن الثمن الذي سيدفعه المعتدي لن يكون سوى زواله الكامل، عاجلاً أم آجلاً.