قال وزير التراث الثقافي والسياحة والصناعات اليدوية: «في فضاء الثقافة الإيرانية، تُسجل أحداث تتجاوز حدود الجغرافيا والزمان، لتصبح صفحة من تاريخ الحضارة الإنسانية. إن تسجيل مواقع ما قبل التاريخ في «وادي خرم آباد» ضمن قائمة التراث العالمي خلال الدورة السابعة والأربعين للجنة التراث العالمي لليونسكو، هو أحد تلك الأحداث الفريدة؛ لاعلان ايران صوتها المدوي في الأفق العالمي، لتشهد مرة أخرى على المكانة الرفيعة لها في منظومة التراث الإنساني العالمي». واضاف سيد رضا صالحي أميري: أن «وادي خرم آباد» يُعتبر اليوم وجهة عالمية تمتلك إمكانيات استثنائية لتطوير السياحة العلمية والثقافية والنخبوية.
رحلة «الحضارة»
تمتلك إيران الآن 29 موقعًا مسجلاً في قائمة التراث العالمي، مما يضعها في مراتب متقدمة في الجدول العالمي، بل يجعلها في قلب النقاش حول الهوية والتاريخ والحضارة. لكن ما يميز تسجيل «وادي خرم آباد» ليس مجرد تسجيل المواقع الأثرية، بل الكشف عن المعنى الحضاري الكامن في طبقات تراب هذا الوادي؛ حيث بدأ الإنسان قبل آلاف السنين، بالفكر والأدوات، رحلة نسميها اليوم «الحضارة».
خرم آباد.. مهد الثقافة والحياة البشرية المبكرة
يُعد «وادي خرم آباد»، في سياق الجغرافيا الثقافية لجبال زاغروس، أحد أغنى الممرات الأثرية في العالم؛ منطقة توثق سلسلة الحياة البشرية من العصر الحجري القديم حتى العصر الحديدي. وتشكل الكهوف والمواقع مثل كهف كَلدَر، وقَمَري، وکيلوران، ويافته، وکَنجي، وموقع کر أرجنة، وغيرها من المواقع الأثرية في الوادي، شواهد واضحة على النشاط الثقافي، واستمرارية الحياة البشرية، وابتكارات الإنسان الذكي في غرب الهضبة الإيرانية.
ووفقًا للدراسات المقارنة والاكتشافات الأحفورية، يعد هذا الوادي من بين المواقع النادرة في الشرق الأوسط (غرب آسيا) التي تضم دورة كاملة من حياة الإنسان كصياد وجامع للطعام، حتى نشوء المجتمعات القروية. وهكذا، فإن خرم آباد ليست مجرد مدينة، بل هي وثيقة حية لتشكل الحضارة الإنسانية؛ وثيقة نالت الآن ختم اليونسكو العالمي. هذا التنوع والاستمرارية جعلا من خرم آباد مركزًا فريدًا لدراسات الأنثروبولوجيا وعلم الأحافير في غرب آسيا.
من التسجيل إلى التطوير
التسجيل العالمي ليس مجرد شرف رمزي، بل هو استثمار طويل الأمد ثقافيًا واجتماعيًا واقتصاديًا. واليوم، يُعتبر «وادي خرم آباد» وجهة عالمية تمتلك إمكانيات فريدة لتطوير السياحة العلمية والثقافية والنخبوية. يمكن للسياحة القائمة على التراث، إذا اقترنت برؤية تشاركية ونهج قائم على العدالة، أن تمهد الطريق لتنمية إقليمية متوازنة، وازدهار الاقتصادات المحلية، وتوفير فرص عمل مستدامة، وتعزيز الصناعات اليدوية في محافظة لرستان.
تعمل وزارة التراث الثقافي والسياحة والصناعات اليدوية بالتعاون مع محافظة لرستان، على تحويل خرم آباد إلى مركز للتعليم والبحث وحماية وتفسير التراث ما قبل التاريخ في غرب آسيا. وفي هذا المسار، فإن مشاركة الجامعات والمؤسسات المدنية والمجتمعات المحلية ليست خيارًا ثانويًا، بل ضرورة حضارية لا مفر منها.
التراث العالمي.. التزام عبر الأجيال
يجب أن ندرك أن التسجيل العالمي ليس نهاية المطاف، بل بداية لمسؤولية جسيمة. كل موقع تراثي عالمي هو أمانة تحملها الأمم؛ أمانة من الأسلاف إلى الأجيال القادمة. نحن ملزمون ليس فقط بحماية هذه المواقع ماديًا، بل أيضًا بإبقائها حية وفعالة في السرد، والتعليم العام، والتوثيق، والاستغلال المستدام. في عصر الأزمات المناخية والإعلامية والهوياتية، نحن بحاجة أكثر من أي وقت مضى إلى العودة إلى جذورنا الحضارية. خرم آباد ومواقعها الأثرية هي جزء من هذه العودة الذكية؛ مصباح يضيء في ظلام النسيان، مع التسجيل العالمي، ستتحول القلعة إلى وجهة سياحية دولية، مما سيعزز الاقتصاد المحلي ويوفر فرص عمل للشباب.