شهادات من بين الأنقاض تكشف بُعداً آخر من الجريمة

سجن إيفين تحت القصف.. حين یتحوّل المدنیون إلى هدف عسكري

خاص الوفاق: وفقاً للاتفاقية الرابعة لجنيف (1949)، فإن الهجوم على المدنيين والأشخاص الذين لا يشاركون في النزاعات العسكرية ممنوع. حتى لو كان في السجن أفراد عسكريون ومدنيون، يجب على الأطراف الامتناع عن استهدافه.

الهجوم الذي شنّه الكيان الصهيوني على سجن إيفين في 23 يونيو/حزيران 2025، كشف وجهاً آخر من وجوه هذا الكيان الإجرامي؛ هجوم أسفر عن استشهاد 79 مدنياً بريئاً، وبحسب أحد المسعفين الحاضرين، فإن عدد الجرحى كان كبيراً إلى درجة أن الفرق الإسعافية نفدت منها المستلزمات الضرورية للتضميد. في التقرير التالي نلقي نظرة على هذا الحدث.
في صباح يوم 13 يونيو، بدأ الكيان الصهيوني هجوماً إرهابياً على طهران وعدد من المدن الإيرانية، أسفر عن استشهاد مجموعة من القادة العسكريين والعلماء والمواطنين المدنيين. وقد بدأت القوات المسلحة الإيرانية في مساء اليوم نفسه عملية «الوعد الصادق 3» ضد هذا الكيان المجرم.
في حين أن الذراع الإعلامية للكيان الصهيوني وبعض القنوات الأجنبية كانت تحصر بشكل خاطئ هذه الهجمات الإرهابية في استهداف مواقع القادة العسكريين والعلماء النوويين، فإن المواطنين العاديين كانوا أيضاً هدفاً متكرراً لهذه الهجمات خلال اليوم الأول والأيام التالية من هذه الحرب المفروضة التي استمرت ۱۲ يوماً ضد إيران، ووفقاً لآخر الاحصاءات، فقد استُشهد ۱۱۰۰ شخص في هذه الهجمات.
الهجوم الذي شنّه الكيان الصهيوني على ساحة القدس بمنطقة تجريش في 15 يونيو، والهجوم على سجن إيفين، هما مثالان فقط على هجمات هذا الكيان المجرم على مناطق سكنية بالكامل دون وجود أي قوات عسكرية، حيث فقد عدد كبير من الأبرياء حياتهم في كل من هذه الهجمات.
 

زعموا أنهم يستهدفون أهدافاً عسكرية وأمنية

 

القذائف الصهيونية التي زعمت أنها تستهدف أهدافاً عسكرية وأمنية، أودت بحياة عشرات المدنيين في هذا الهجوم. من بين الذين دُفنوا تحت الخرسانة والعوارض الحديدية الثقيلة في سجن إيفين، كان هناك أشخاص متنوعون؛ من السجناء والجنود المكلفين بالخدمة، إلى المتبرعين الذين جاؤوا لتحرير السجناء، ومن موظفي إدارة السجن إلى عائلات السجناء، ومن العاملين الاجتماعيين في السجن إلى أطفالهم. وقد قدّمت وسائل الإعلام الإيرانية روايات عن هذا الهجوم من وجهة نظر شهود العيان ومراسليها، والتقرير التالي هو جزء من هذه الروايات.

 

 

في برزخ الخرسانة، والصراخ، والأنين، والدخان

 

يقول أحد شهود العيان عن هذا الهجوم: الصورة التي بقيت في ذهني كانت لرجل وابنته، جاءا بوثيقة لإطلاق سراح أحد أفراد عائلتهما. هذا الأب حاول لمدة ساعتين كاملتين إجراء عملية إنعاش قلبي لإبنته التي سقطت نتيجة الهجوم الصهيوني، لكن دون جدوى، وفقدت الفتاة حياتها.

 

ضحيتان أخريان هما زهراء عبادي، العاملة الاجتماعية في سجن إيفين، وابنها البالغ من العمر خمس سنوات، مهراد خيري. وسط اضطراب الأب، استمرت محاولات العثور على مهراد، وبعد عدة ساعات، عثر المسعفون على جثة هذا الطفل، الذي فارق الحياة بين يدي رجل. كانت اليدان هما يدا حميد رنجبري، موظف وحدة الإفراج في سجن إيفين، الذي احتضن الطفل بقوة لإنقاذه؛ لكن لا هو ولا مهراد نجيا، وماتا تحت الخرسانة. بعد العثور على الجثتين، شكر والد مهراد جسد حميد قائلاً: «شكراً يا صاحب الغيرة، شكراً لأنك أردت إنقاذ طفلي».

 

أحد مسعفي الهلال الأحمر كتب على إنستغرام: سمعنا صوت «عمو، ساعدني» من تحت الأنقاض. حاولنا إنقاذه لمدة ۸ ساعات. أزلنا الخرسانة والأنقاض حتى وصلنا إليه. كان جندياً شاباً مكلفاً بالخدمة. نُقل إلى المستشفى. اليوم، أرسل لي أحد الأصدقاء صورة تابوته. استُشهد الجندي الشاب بسبب شدة إصاباته. لا يزال صوته في أذني وهو يقول: «عمو، ساعدني».

 

 

عندما نفدت الضمادات والغاز من فرق الإنقاذ

 

ضحية أخرى كانت امرأة تبلغ من العمر 61 عاماً، خرجت من منزلها في تلك المنطقة لدفع أجر عامل عمل في بيتها. موجة الانفجار حطّمت نوافذ المباني السكنية المجاورة، وكانت تمرّ من تلك المنطقة، فاستُشهدت.

 

بابك صفري، أحد مسعفي الهلال الأحمر الذين كانوا في موقع سجن إيفين منذ الساعات الأولى، يقول: كانت أوضاع سجن إيفين سيئة جداً. وصلنا بالدراجة النارية، وكانت سيارة الإسعاف خلفنا. الطريق كان مغلقاً. من هناك كنت أرى أجساد الناس القادمين من الجهة المقابلة وهي تنزف. أحدهم كان يرتدي ملابس ملطخة بالدماء، وآخر رأسه ينزف، وثالث كان يُسند من تحت ذراعيه. كانت أعمارهم مختلفة.

 

لم أكن أعرف إنهم كانوا سجناء، أو حراس سجن، أو مواطنين عاديين. رأيت مشاهد مؤلمة جداً، لأن الأماكن الأخرى التي ذهبنا إليها للمساعدة كانت في الليل أو في الصباح الباكر. كانت هناك إصابات، لكن لم يكن هناك الكثير من الجرحى، بل شهداء أخرجناهم من تحت الأنقاض. لكن السجن كان مختلفاً؛ الناس، وعائلات السجناء، والحراس، كلهم كانوا هناك. أحد الزملاء الذين وصلوا قبلي أرسل لي الموقع. دخلت ورأيت الناس مستلقين على الأرض. كان أول مكان لا فرق فيه بين السجين والحارس. نفدت الضمادات والغاز من الأطفال، فذهبت بالدراجة إلى صيدلية في سعادة‌آباد لشراء المستلزمات، وعندما اردت دفع الحساب للصيدلية،لم يقبلوا أخذ قيمتها . قلت لهم إن لدينا ميزانية لهذه النفقات، فقالوا: نحن نريد أن نساعد، ولن نأخذ المال.

 

 

رواية شاهد عيان عن الطائرة الصهيونية

 

يقول أحد شهود العيان: رأيتُ طائرةً حربية ظهرت في منطقة إيفين، وبعد ذلك سمعتُ الضوء وصوت الانفجار. كان مشهداً مرعباً. عدد القذائف كان كثيراً. يقول شاهد عيان آخر: بعض غرف الحراسة في إيفين أيضاً دُمّرت، وأخرجنا بصعوبة جثث الجنود المحترقة من هناك.

 

أجزاء الحراسة، النيابة، قاعة اللقاءات الحضورية، المجمع القضائي «الشهيد كجويي»، جناح النساء، المستشفى ذو الـ ۴۸ سريراً أو ما يُعرف بالمصحة، ومكتبة جناح أربعة في السجن، كلها تضررت في هذا الهجوم؛ بعضها بشدة وبعضها بشكل أخف. كانت كمية الأنقاض كبيرة إلى درجة أنه حتى بعد عدة أيام لم يتم الحصول على أي إحصائية لعدد القتلى والجرحى. كما وصف أصغر جهانغير، المتحدث باسم السلطة القضائية، عدد شهداء هذا الهجوم الإرهابي بأنه غير محدد.

 

 

الهدف من إستهداف السجن

 

كما نفى هذا المسؤول القضائي وجود جواسيس صهاينة معتقلين في القسم الذي تم استهدافه من السجن. في وقت سابق، كانت إحدى المواقع الإخبارية المحلية قد ادّعت أن هدف الكيان الصهيوني من الهجوم على سجن إيفين هو قتل الجواسيس الصهيونيين المعتقلين في ذلك القسم من السجن، لمنع تسرب المعلومات الحساسة التي قد يكشفونها أثناء التحقيقات.

 

وبعد 16 يوماً من الهجوم، أعلنت السلطة القضائية الإحصائية الدقيقة والأسماء. شهداء سجن إيفين كانوا من موظفي الإدارة في السجن، الجنود المكلفين بالخدمة، السجناء المحكومين، عائلات المحكومين الذين جاؤوا للزيارة أو لمتابعة الإجراءات القضائية الخاصة بسجنائهم، والجيران الذين كانوا يسكنون بجوار السجن.

 

 

الهجوم على السجون يُعدّ جريمة حرب

 

وفقاً للبروتوكولات والاتفاقيات الدولية، فإن الهجوم على أماكن مثل المستشفيات، والملاجئ، والسجون ممنوع، والدولة التي ترتكب هذا الفعل تُعتبر مجرمة حرب. وقد اعتبر مكتب حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة هذا الهجوم الصهيوني انتهاكاً خطيراً للقوانين الإنسانية الدولية. وقالت ثمين الخيطان، المتحدثة باسم هذا المكتب، في إدانتها لهذا التصرف: سجن إيفين ليس هدفاً عسكرياً.

 

وفقاً للاتفاقية الرابعة لجنيف (1949)، فإن الهجوم على المدنيين والأشخاص الذين لا يشاركون في النزاعات العسكرية ممنوع. حتى لو كان في السجن أفراد عسكريون ومدنيون، يجب على الأطراف الامتناع عن استهدافه.

 

كما اعتبر جان نوئل باروت، وزير الخارجية الفرنسي، في اليوم نفسه، أن الهجوم الذي شنّه الكيان الصهيوني على سجن إيفين خطير وغير مقبول. وكتب في رسالة على شبكة «إكس»: الهجمات على سجن إيفين غير مقبولة، وقد عرّضت حياة اثنين من السجناء الفرنسيين الموجودين في هذا السجن للخطر. يجب أن تتوقف جميع الهجمات فوراً لفتح الطريق أمام التفاوض والدبلوماسية.

 

 

الهجوم الإرهابي الصهيوني على سجن إيفين خلّف 79 شهيداً وعشرات الجرحى. وفي عالم يُقتل فيه سكان غزة في طوابير الحصول على الحد الأدنى من الطعام على يد جنود الكيان الصهيوني، ويموت فيه أطفال غزة من الجوع ونقص الدواء، يجب أن نصرخ بصوت عالٍ: بِأَيِّ ذَنبٍ قُتِلَت؟ صرخةٌ تمزّق صمت العالم.

 

 

المصدر: الوفاق/ خاص