دماء شبان فلسطين تحوّل الكيان المؤقت الى رهينة

العامل الجهادي ودور حزب الله في المواجهة مع العدو، قد تمكنا من كسر تلك الإستراتيجية، وكشف زيف البالونة الصهيونية المنفوخة تبنًا وقشًا في وجوه مدمني الهزائم والانسحابات وأهل الخيانات.

منذ إعلان الكيان في 1948، ظل الردع قائمًا وناجحًا، والإستراتيجية الصهيونية التي تبدو ثابتة في أية مواجهات طويلة مع جبهة عربية، تؤمن وتبنى على أن العرب المثقلين بالهموم والتشرذم المروع، أصحاب النفس الأقصر في الحرب، قد يتمكنون من حشد جهودهم بالفعل لمعركة، لكن إن طال الوقت تراخت التعبئة وضعفت الحماسة، ثم تنفجر شواغلهم وخلافاتهم الداخلية وتأخذهم إلى طرق أخرى بعيدة عن التي جمعت بينهم في البداية.

لكن العامل الجهادي ودور حزب الله في المواجهة مع العدو، قد تمكنا من كسر تلك الإستراتيجية، وكشف زيف البالونة الصهيونية المنفوخة تبنًا وقشًا في وجوه مدمني الهزائم والانسحابات وأهل الخيانات. في نيسان من العام 1996، جرت محاولة صهيونية لاستعادة زمام المبادأة في الصراع المشتعل بجنوب لبنان حينذاك، وأطلقوا عليها تسمية “عناقيد الغضب”، وكان الظرف متشابهًا مع الوقت الحالي تمامًا، حكومة صهيونية مفككة أو شبه متهاوية بقيادة السفاح شمعون بيريز، وغضب داخلي مشتعل مع عمليات بطولية في الجنوب تحصد ضباطه وجنوده، وحاجة شديدة إلى انتصار يعيد الهيبة ويوقف نزيف الثقة.

النتيجة المباشرة كانت وبالًا على العدو، ثبات مذهل لأبطال الله على الأرض، ودماء تسطر ملاحم الفداء، ونسجوا أساطيرهم الخالدة من لحم ودم، من إرادة وأمل، ومن عقيدة وإيمان، أبطال لديهم من اليقين ما يستطيعون به أن يجابهوا الدنيا كلها، وهم يقبضون على حقهم، ولا يخشون أو يتراجعون مهما بلغت العواصف أو طالت المسيرة، كانت نيسان 1996 هي الخطوة المباشرة التي تسبق التحرير في أيار 2000.

لم يستطع العدو، رغم كل الجرائم ضد الإنسانية التي ارتكبها في لبنان، ويندى لها الضمير البشري، أن يستمر على قطعة أرض تلفظه، ولا أن يحكم شعبًا اختار الحرية والحياة، ورغم استعانته بجيش من الخونة، إلا أن الإيمان الذي كان يقود حركة حزب الله منذ أيامه الأولى، لم يرها معركة سياسية تحتمل التنازلات، ولا معركة اقتصادية تكفيها بعض النجاحات، ولا معركة عنصرية يسهل دحض أسبابها، لكنها في القلب كانت معركة عقيدة، معركة بين حق وحقد، معركة كفر أو إيمان، لا يجوز فيها إلا احتمالية وحيدة وهي الانتصار الكامل.

اليوم في فلسطين يعيد الصهيوني ترتيب أوراقه المبعثرة ولملمة شتاته، ويحاول عبر عملية عسكرية غادرة في نابلس الباسلة، ارتقى فيها 11 شهيدًا، أن يعيد عقارب الساعة إلى الوراء، إلى ما قبل معركة وحدة الساحات، وأن يستغل الظرف الحالي في الاستفراد بالمدن والمخيمات الفلسطينية واحدة بعد الأخرى.

والهدف والظرف لا يختلفان كثيرًا عن “عناقيد الغضب”، الحصول على صك تفويض وقبول داخلي بالحكومة المتشققة الجديدة، وورقة يخفي بها نتنياهو وبن غفير عورتيهما، أمام رأي عام صهيوني بدأ يشعر ويزمجر بالقلق على وجود الدولة.

فلسطين لا تبكي أبطالها إلا لتوفيهم حقهم، فهذه النفوس الأبية والشبان صغار السن، عظام القدر والقيمة، لا يعزيهم البكاء، لكنْ عزاؤهم الحقيقي في تناول البارودة والاستمرار في طريق النضال القاسي الطويل.

المصدر: موقع العهد الإخباري/ أحمد فؤاد