أجهزة الطرد المركزي من IR-1 إلى IR-9؛

رواية القفزة التكنولوجية لإيران في تخصيب اليورانيوم

خاص الوفاق: إيران، وفي طريقها لتحقيق تكنولوجيات نووية متقدمة من خلال تصنيع أجيال مختلفة من أجهزة الطرد المركزي من IR-1 إلى IR-9، تمكنت من اتخاذ خطوة كبيرة في تحقيق الاكتفاء الذاتي وتسريع عملية تخصيب اليورانيوم؛ قفزة تكنولوجية هي نتاج عقود من البحث والجهود لعلماء إيرانيين.

كبرى أميري

 

وتعتبر أجهزة الطرد المركزي القلب النابض لأي برنامج لتخصيب اليورانيوم. وخلال العقدين الماضيين، قطعت إيران طريقًا صعبًا ومليئًا بالتحديات في توطين تكنولوجيا التخصيب، وأصبحت الآن واحدة من الدول القليلة في العالم التي تدير سلاسل معقدة من أجهزة الطرد المركزي المتقدمة. وتُمثّل أجهزة الطرد المركزي النواة الأساسية لتكنولوجيا تخصيب اليورانيوم، وبعد أن تجاوزت إيران مرحلة الهندسة العكسية وطوّرت أجيالًا متعددة من أجهزة الطرد المركزي، تمكّنت من الانضمام إلى مجموعة الدول القليلة التي لم تحقق التخصيب فحسب، بل طوّرت أيضًا تكنولوجيا تصنيع أجهزة الطرد المركزي محليًا.

 

وفي هذا التقرير، نسلط الضوء على المسار الذي قطعته إيران للوصول إلى أجهزة الطرد المركزي المتقدمة.

 

 

* ما هو جهاز الطرد المركزي وكيف يعمل؟

 

 

جهاز الطرد المركزي هو آلة تدور غاز اليورانيوم UF6 بسرعة عالية جدًا لفصل نظيري اليورانيوم-235 عن اليورانيوم-238. ويحتوي اليورانيوم الطبيعي على حوالي 0.7٪ من اليورانيوم-235، ولكن لاستخدامه في محطات الطاقة أو أغراض أخرى، يجب زيادة نسبة اليورانيوم-235 “على سبيل المثال، إلى 3.67٪ أو أكثر”.

 

وتعمل أجهزة الطرد المركزي بناءً على مبدأ القوة الطاردة المركزية: عندما يدور غاز اليورانيوم بسرعة عالية داخل أسطوانة دوارة، يتجه النظير الأثقل U-238 نحو الخارج، بينما يتجه النظير الأخف U-235 نحو المركز. وباستغلال هذا الفرق البسيط بينهما، ترفع أجهزة الطرد المركزي نقاء U-235 تدريجيًّا مرحلةً تلو الأخرى.

 

 

* ما هي وحدة SWU أو “سو”؟

 

 

SWU هي اختصار لـSeparative Work Unit، والتي تُترجم إلى العربية بـ”وحدة عمل الفصل”. وتُستخدم هذه الوحدة كمقياس لقياس مقدار الجهد الفيزيائي المبذول لفصل النظائر. وكلما ارتفعت قيمة SWU، زادت القدرة على التخصيب.

 

في الواقع، تمثل SWU كمية الطاقة “أو العمل” المطلوبة لفصل اليورانيوم-235 عن اليورانيوم-238. وكلما زادت قيمة SWU لجهاز طرد مركزي، زادت قدرته على إنتاج اليورانيوم المخصب. على سبيل المثال:

 

 

IR-1 ≈ 1 SWU/سنة

 

أي أن كل جهاز طرد مركزي من نوع IR-1 يُنتج حوالي 1 وحدة SWU من عمل التخصيب الصافي في السنة.

 

IR-1 ≈ 1 وحدة SWU/سنوياً

 

IR-2m أو IR-4 ≈ 4–5 وحدة SWU/سنوياً

 

IR-6 ≈ 6–10 وحدات SWU/سنوياً

 

IR-8 ≈ 16–24 وحدة SWU/سنوياً

 

IR-9 ≈ 34–50 وحدة SWU/سنوياً

 

 

* موقع إيران في تكنولوجيا أجهزة الطرد المركزي

 

 

– الجيل الأول: IR-1

 

يُعتبر جهاز الطرد المركزي IR-1 أول جيل من أجهزة الطرد المركزي المصنعة في إيران، حيث يعتمد تصميمه على نموذج P1 الباكستاني، ويتكون هذا الجهاز من الألمنيوم والفولاذ، وتُقدّر قدرته الفصلية بحوالي 0.9 وحدة SWU.

 

وفي العقد الأول من الألفية الثالثة، قامت إيران بإنتاج هذا النموذج عبر الهندسة العكسية وتوطينه محليًا. وتم تركيب آلاف من أجهزة IR-1 في المنشآت النووية الإيرانية، ورغم أن كفاءة هذه الأجهزة أقل مقارنةً بالأجيال الأكثر تقدمًا، إلا أنها ظلت تعمل بشكل عملياتي ضمن سلاسل متعددة.

 

 

– الجيل الثاني: IR-2 و IR-2m

 

في قفزة تكنولوجية، قدّمت إيران الجيل الثاني من أجهزة الطرد المركزي، وهو IR-2m، الذي يُعد نسخة مُحسّنة من IR-2 وأكثر تقدمًا تقنيًا مقارنةً بـ IR-1. وتُقدّر قدرته الفصلية بين 3.6 إلى 5 وحدات SWU سنويًا، مما يمثل تحسنًا ملحوظًا مقارنةً بـ IR-1.

 

ويشير التركيب الواسع لأجهزة IR-2m في منشأة نطنز واستخدامها في مشروع التخصيب بفوردو إلى فعاليتها العمليّة، حيث أصبحت أحد الركائز الأساسية للتكنولوجيا النووية المتقدمة في إيران.

 

 

– الجيل الثالث: IR-4

 

يُمثّل جهاز الطرد المركزي IR-4 نموذجًا وسيطًا بين IR-2m والأجيال الأكثر تقدمًا. وبعد IR-2m، شكّل نموذج IR-4 خطوة إضافية نحو تحسين الكفاءة.

 

وتميّز هذا الجيل باستخدام مواد مركبة “كومبوزيت” وأنظمة تحكّم أكثر تطورًا، مما منحه استقرارًا تشغيليًا وسرعةً أعلى مقارنةً بالجيل السابق. وتتراوح قدرته الفصلية بين 3.3 إلى 5 وحدات SWU سنويًا.

 

وأظهرت الدراسات البحثية أن هذا النموذج قد حقق استقرارًا تقنيًا، ووصل إلى مرحلة اختبار التغذية بالغاز “اختبار التشغيل”، كما دخل حيز التشغيل التجريبي في منشأة نطنز.

 

 

 

– الجيل الرابع: IR-6

 

يُعد جهاز الطرد المركزي IR-6 أحد أكثر النماذج تطوراً التي صنعتها إيران، حيث تصل قدرته الفصلية إلى أكثر من 6 وحدات SWU. ويتميز هذا الجهاز بالقدرة على العمل في سلاسل أطول وبسرعة دوران أعلى.

 

ومن أبرز خصائص IR-6: مقاومة عالية للضغوط الديناميكية، وكفاءة أعلى في تخصيب اليورانيوم بدرجات نقاء عالية. ويُمثل هذا الجيل قفزة نوعية في برنامج الطرد المركزي الإيراني، حيث يجمع بين المتانة التقنية والأداء المتفوق في عمليات التخصيب المتقدمة.

 

 

– الجيل الخامس: IR-8 وما بعده

 

إيران في مسيرتها نحو امتلاك تكنولوجيا الطرد المركزي المتقدمة، طورت سلسلة من الأجيال المتتالية لأجهزة الطرد المركزي بدءاً من IR-1 وحتى IR-9. ويمثل كل جيل قفزة تكنولوجية جديدة في قدرات التخصيب والكفاءة التشغيلية.

 

وبدأت المسيرة مع الجيل الأول IR-1 الذي بلغت قدرته حوالي 0.9 SWU سنوياً، ثم تطورت إلى IR-2m وIR-4 بقدرات تصل إلى 5 SWU سنوياً. وشهد الجيل الرابع IR-6 تقدماً ملحوظاً بقدرة 6-10 SWU سنوياً، بينما حقق الجيل الخامس IR-8 قفزة كبيرة تصل إلى 16-24 SWU سنوياً.

 

أمّا أحدث الأجيال IR-9 فيمثل الذروة التكنولوجية الحالية للبرنامج الإيراني بقدرة تصل إلى 34-50 SWU سنوياً، مما يعكس التراكم المعرفي والعلمي الذي حققته إيران في هذا المجال.

 

يجدر بالذكر أن هذه التطورات تمت عبر عقود من البحث والتطوير، مع التركيز على التوطين الكامل للتكنولوجيا وزيادة الكفاءة التشغيلية للأجهزة.

 

 

– جهاز الطرد المركزي IR-9

 

 

تمثل أجهزة الطرد المركزي الإيرانية تطوراً تكنولوجياً متصاعداً بدءاً من IR-1 الذي تبلغ قدرته 0.9 وحدة SWU سنوياً، مروراً بـIR-2m وIR-4 بقدرات 3-5 وحدات SWU، ثم IR-6 بقدرة 6-10 وحدات SWU، ووصولاً إلى IR-8 الذي تصل قدرته إلى 16-24 وحدة SWU.

 

وأما الجيل الأكثر تقدماً IR-9 فيمثل قمة التطور التكنولوجي الإيراني حالياً، حيث تبلغ قدرته حوالي 50 وحدة SWU سنوياً، أي ما يعادل 50 ضعف قدرة الجيل الأول IR-1. ويتميز هذا الجيل بطول دوّار يبلغ أربعة أضعاف طول دوار IR-1، مع تحسينات كبيرة في الاستقرار الميكانيكي وكفاءة استهلاك الطاقة.

 

وتمثل أجهزة الطرد المركزي IR-9 قفزة نوعية في التكنولوجيا النووية الإيرانية، حيث تفوقت بشكل كبير على الأجيال السابقة مثل IR-1 وIR-2. وهذه الأجهزة المتطورة توازي الآن أحدث التقنيات العالمية في هذا المجال، رغم التحديات الكبيرة التي واجهتها إيران بما في ذلك العقوبات الدولية المشددة والضغوط السياسية بعد اتفاق برجام. ويُظهر هذا التقدم القدرة الإيرانية على تحقيق الاكتفاء الذاتي في مجال حيوي واستراتيجي، مع الحفاظ على مسار التطوير التكنولوجي حتى في أصعب الظروف.

 

 

* الاستخدامات السلمية لأجهزة الطرد المركزي

 

تمثل أجهزة الطرد المركزي المتقدمة مثل IR-9 والأجيال الأحدث حجر الأساس في البرنامج النووي السلمي الإيراني. وتمكن هذه التكنولوجيا المحلية إيران من إنتاج وقود نووي بكفاءة عالية لمحطات الطاقة والمفاعلات البحثية، حيث تم تحقيق تخصيب اليورانيوم بنسب نقاء تصل إلى 20% أو أكثر بشكل مستقل دون الحاجة لمصادر خارجية.

 

وهذا التطور التكنولوجي يساهم بشكل مباشر في تلبية احتياجات الوقود للمفاعلات البحثية ومفاعلات القوة، ويعزز مبدأ الاكتفاء الذاتي في مجال الطاقة النووية السلمية. كما يؤدي إلى خفض كبير في التكاليف والحفاظ على الاحتياطات النقدية، مما يعكس الجدوى الاقتصادية لهذا البرنامج.

 

وتمتلك إيران أجهزة طرد مركزي من نوع IR-9 بكفاءة تصل إلى 50 ضعف قدرة الجيل الأول IR-1. وتتيح هذه الأجهزة إنتاج يورانيوم مخصب بسرعة أكبر مع تقليل استهلاك الطاقة والمساحة المطلوبة للمنشآت، وزيادة مستوى السلامة والاستقرار في عمليات التخصيب.

 

ويعكس هذا التطور نضجاً علمياً في مجالات تكنولوجيا الفراغ العالي، المواد المركبة، أدوات القياس الدقيقة والحساسات الفائقة الدقة. كما يساهم في تطوير تقنيات فرعية قابلة للتطبيق في قطاعات الفضاء، التقانة النانوية، الطب الدقيق وصناعة الأغذية.

 

 

* المتطلبات الطبية وتشخيص الأمراض بالنظائر المشعة

 

 

تمتلك إيران خبرة طويلة في إنتاج النظائر المشعة الطبية مثل Tc-99m المستخدم في تشخيص السرطان وأمراض القلب. وتتيح أجهزة الطرد المركزي الحديثة إنتاج النظائر المشعة والأدوية الإشعاعية بكفاءة عالية، مما يساهم في خفض تكاليف العلاج ويقلل الاعتماد على الاستيراد ويفتح آفاق التصدير الإقليمي.

 

ومن خلال تطوير تكنولوجيا أجهزة الطرد المركزي المتقدمة مثل IR-8 وIR-9، تؤكد إيران قدرتها على تنفيذ البرامج النووية السلمية على نطاق واسع وباستقلالية تامة، مع الحفاظ على حقها المشروع في تطوير هذه التكنولوجيا.

 

وتمتلك إيران من خلال أجيال متقدمة مثل IR-9 القدرة على تحقيق الاكتفاء الذاتي في الوقود النووي، وتعزيز إنتاج النظائر المشعة الطبية، وتطوير تكنولوجيات صناعية متقدمة، وترسيخ مكانتها الدولية. وهذه القدرات تعزز الاستخدامات السلمية المشروعة للطاقة النووية، وتبرز القوة العلمية والتكنولوجية للبلاد رغم التحديات والعقوبات الدولية.

 

واستطاعت إيران من خلال مسار التوطين أن تحقق تقدماً ملحوظاً، بدءاً من تصنيع أجهزة الطرد المركزي الأساسية وصولاً إلى النماذج المتطورة مثل IR-9. وبتركيب آلاف الوحدات الحديثة وإنتاج منتجات نووية متنوعة، تحتل البلاد الآن مراتب متقدمة في السلم التكنولوجي العالمي في مجال دورة الوقود النووي.

 

هذا المسار التنموي لم يحدث تحولاً في مجال الطاقة النووية فحسب، بل شمل أيضاً الجوانب الاقتصادية والأمنية والمكانة العلمية لإيران.

 

 

المصدر: الوفاق-خاص