وتم التوقيع على اتفاقية إنشاء هذه البوابة خلال زيارة رئيس الجمهورية الدكتور مسعود بزشكيان إلى باكستان، وذلك بين حكومتي الجمهورية الإسلامية الإيرانية وجمهورية باكستان الإسلامية.
تعزيز التبادل وتقليص التوقفات الحدودية
خلال هذه الزيارة الرسمية، وُقّعت اتفاقية مهمة في مجال التجارة الخارجية والتعاون الحدودي، تقضي بإنشاء نقطة حدودية جمركية مشتركة بهدف تسهيل حركة البضائع، تقليص زمن الانتظار عند المعابر، وتعزيز التعاون الثنائي.
وقال فرود عسكري، مساعد وزير الاقتصاد رئيس مصلحة الجمارك الإيرانية، والذي رافق رئيس الجمهورية في الزيارة: إن هذه الاتفاقية تهدف إلى فرض رقابة جمركية مشتركة، وتبادل التصريحات الجمركية إلكترونيًا، وتحسين الإجراءات الحدودية.
ميرجاوه-تفتان.. نقطة الإنطلاق
وفقًا للاتفاق، ستكون بوابة ميرجاوه-تفتان الحدودية الواقعة في محافظة سيستان وبلوشستان أول نقطة لتفعيل هذا التعاون، حيث تُعدّ من أكثر المعابر نشاطًا في التبادل التجاري بين البلدين.
وأوضح عسكري: إن “تنفيذ هذه الخطة سيؤدي بوضوح إلى تقليص طوابير الشاحنات والبضائع، والحد من عمليات التهريب والمخالفات الجمركية.”
يُشار إلى أن أكثر من 70٪ من التبادل الرسمي بين إيران وباكستان يتم عبر معبر ميرجاوه؛ لكن التحديات اللوجستية ونقص التنسيق بين الإجراءات الجمركية شكّلت دائمًا عائقًا أمام انسياب التجارة.
زيادة الشفافية وتقليل الفساد
من أبرز نقاط الاتفاق التركيز على الشفافية ومكافحة الفساد في المعابر الحدودية. ويتضمن الاتفاق أيضًا التعاون الإداري المتبادل، وإنشاء بنية تحتية رقمية لتبادل البيانات التجارية؛ بالإضافة إلى تنظيم دورات تدريبية وزيارات مشتركة لتعزيز التنسيق بين الجمارك.
تاريخ من التعاون الحدودي
يبلغ طول الحدود المشتركة بين إيران وباكستان أكثر من 900 كيلومتر، وقد شهدت السنوات الأخيرة سلسلة من المبادرات لتقوية التعاون، منها إنشاء الأسواق الحدودية، واتفاقيات التجارة التفضيلية، ومساعي لربط موانئ غوادر الباكستاني وتشابهار الإيراني ضمن ممرات نقل إقليمية.
في عام 2023، بلغ حجم التبادل التجاري الرسمي بين البلدين نحو 3/2 مليار دولار، شملت صادرات إيرانية من مواد بناء ومواد غذائية ووقود وسلع استهلاكية، مقابل واردات من باكستان مثل الفواكه والأرز والأدوية والملابس.
طريق الحرير الجديد وربط إيران بالصين
اللافت في توقيت هذا الاتفاق هو تزامنه مع مشروع “الحزام والطريق” الصيني الطموح. وتعمل بكين على تطوير شبكة نقل تمتد من ميناء غوادر الباكستاني إلى آسيا الوسطى والشرق الأوسط. وهنا، يمكن لإيران أن تلعب دورًا محوريًا كممر ترانزيت رئيسي عبر الحدود المشتركة مع باكستان.
وقد أشار رئيس بزشكيان، في تصريح له من إسلام آباد، إلى “إمكانية الانضمام إلى مشروع طريق الحرير الجديد الذي يربط الصين بباكستان، وتوسيع الربط من إيران إلى أوروبا.”
ويرى الخبراء أنه إذا نجحت إيران في مواءمة بنيتها التحتية الجمركية والمعايير الفنية مع الدول المجاورة، فإن موقعها الجغرافي سيتيح لها الاستفادة من هذه الفرص الاستراتيجية، لاسيما مع جوارها لكل من باكستان، أفغانستان، آسيا الوسطى، والصين.
من البنية التحتية إلى السياسة النقدية
رغم أهمية هذه الخطوة، إلا أن تنفيذها الفعّال يتطلب تلبية عدة شروط: تحسين البنية التحتية الجمركية والنقل البري في سيستان وبلوشستان، التي تعاني من نقص في التمويل.
وتوحيد المعايير والإجراءات الجمركية بين البلدين، وهو ما يتطلب لجان فنية مشتركة. وتوفير الموارد المالية لتحديث التجهيزات وتسهيل أنشطة القطاع الخاص الإيراني. وحل مشكلات التسويات البنكية والقيود المالية، وهي من أبرز معوقات التجارة الثنائية.
خطوة إلى الأمام في التجارة الإقليمية
يمكن اعتبار توقيع هذه الاتفاقية إنجازًا بارزًا ضمن مساعي الحكومة الإيرانية لتفعيل دبلوماسيتها الاقتصادية، بما يتيح لإيران دورًا أكبر في المبادرات الإقليمية الحيوية مثل ممر الصين-باكستان والترانزيت الأوراسي؛ لكن لضمان نجاح هذه الخطوة، لابد من تنفيذ الاتفاقيات بشكل دقيق، ومواصلة المتابعة، وتمكين القطاع الخاص، والالتزام المتبادل ببنود التعاون المشترك.
إطلاق خط بحري بين البلدين
إلى ذلك، أصدرت وزارة الشؤون البحرية الباكستانية، الإثنين، أول ترخيص رسمي لتشغيل خط عبّارات دولي للركاب لشركة “سي كيبرز”.
ويسمح هذا الترخيص للشركة بإطلاق وتشغيل خطوط بحرية بين باكستان وإيران ودول مجلس تعاون الخليج الفارسي.
وكانت وسائل الإعلام الباكستانية قد أعلنت في يوليو من العام الماضي أن إطلاق خط بحري كان على جدول الأعمال لتسهيل سفر الزوار الباكستانيين إلى الجمهورية الإسلامية الإيرانية.
وصرح وزير الشؤون البحرية الباكستاني، محمد جنيد أنور شودري، بأن هذا الخط البحري الجديد سيتمتع بقدرة على نقل مئات الآلاف من الأشخاص سنويًا، وسيغطي بشكل خاص الزوار الإيرانيين والعراقيين والعمّال المهاجرين والسيّاح من دول الخليج الفارسي.
ووفقًا لهذا المسؤول الباكستاني، يُعدّ هذا القرار خطوة تاريخية، حيث سيوفر إطلاق هذا الخط الملاحي فرصًا واسعة لتعزيز الروابط الإقليمية، وتطوير السياحة الدينية، وتعزيز الاقتصاد من خلال الطرق البحرية.
وأضاف: “مع إطلاق هذا الخط، سينخفض الضغط على المعابر البرية، وستُخفّض تكاليف السفر مقارنةً بالنقل الجوي”.
وستنطلق المرحلة الأولى من هذا الخط البحري من ميناءي كراتشي وغوادر. وسيُستخدم على هذا الخط سفن ركاب حديثة مزودة بوسائل السلامة والرعاية اللازمة لرحلة آمنة واقتصادية. كما سيعتمد تطوير المسارات وموانئ الوصول على الطلب والاتفاقيات الثنائية.
ووُضعت خطة إطلاق الخط البحري بين إيران وباكستان قبل عقد من الزمن.
يذكر أن رئيس الجمهورية الإسلامية الإيرانية، مسعود بزشكيان، زار باكستان يومي الأحد والإثنين الماضيين بدعوة رسمية من رئيس الوزراء شهباز شريف.
ووقّع كبار المسؤولين في إيران وباكستان، بحضور قادة البلدين، 12 وثيقة تعاون في مجالات متعددة شملت العلوم والتكنولوجيا، النقل والترانزيت، الاقتصاد والتجارة، السياحة والزراعة.