طريق الحسين طريق الله: عندما تلتقي الخطوات بالمعنى الأسمى

إن من يحاول التقليل من شأن هذه المسيرة العظيمة أو ينظر إليها بعين الاستغراب، هو في الحقيقة لم يفهم جوهر التشيّع ولا عمق الانتماء الذي يربط الشيعة بأئمتهم. هؤلاء لا يعبدون الحسين، وإنما يعبدون الله من خلال الحسين، ويستلهمون من دمه الطاهر طريقًا للحياة الكريمة في الدنيا، والفوز في الآخرة...

إن من يحاول التقليل من شأن هذه المسيرة العظيمة أو ينظر إليها بعين الاستغراب، هو في الحقيقة لم يفهم جوهر التشيّع ولا عمق الانتماء الذي يربط الشيعة بأئمتهم. هؤلاء لا يعبدون الحسين، وإنما يعبدون الله من خلال الحسين، ويستلهمون من دمه الطاهر طريقًا للحياة الكريمة في الدنيا، والفوز في الآخرة…

طريق الحسين (عليه السلام) طريق الله” ليست مجرد عبارة مفعمة بالعاطفة، بل هي خلاصة وعي متجذر في أعماق وجدان الشيعة، وجوابٌ واضح على سؤالٍ أزليّ: أيّ طريقٍ يؤدي إلى الله؟ في مذهب أهل البيت (عليهم السلام)، الطريق إلى الله لا يُقطع بالأقدام وحدها، بل يُسلك بالوعي، بالبصيرة، وبالولاء لمن اختارهم الله أئمةً وهداةً لا يضلّ من تمسّك بهم.

 

حين يخطو الملايين صوب كربلاء، لا يفعلون ذلك بدافع التقاليد أو العاطفة فقط، بل يستجيبون لنداءٍ أبديّ أطلقه الإمام الحسين (عليه السلام): “ألا من ناصرٍ ينصرني؟” فيجيبونه عبر الأجيال، بأقدامهم، وقلوبهم، ودموعهم، وعزيمتهم التي لا تهزمها حرارة الشمس ولا طول المسافة. كل خطوة تُقطع نحو الحسين هي خطوة باتجاه الله، لأن الحسين هو “باب من أبواب الله” كما جاء في الزيارة الجامعة الكبيرة، وهو “مصباح الهدى وسفينة النجاة”.

 

من هنا نفهم أن زيارة الحسين (عليه السلام)، وخاصة المسير في الأربعين، ليست شعيرة عابرة، بل هي إعلان ولاء وبيعة متجددة لنهج السماء، ورفضٌ لكل أشكال الظلم والطغيان. فحين نُحيي ذكرى الحسين، فإننا نُحيي القيم التي استشهد من أجلها: العدالة، الكرامة، الحرية، الإصلاح في أمة جدّه، والتضحية من أجل الحق. لذلك، فإنّ طريق الحسين هو ذاته طريق الله، لأن الله لا يُعبد إلا بالحق، ولا يُتقرّب إليه إلا بالطاعة والعدل.

 

في زيارة الأربعين، نرى تجلّي هذه المعاني بأوضح صورها. الملايين يمشون حفاة أحيانًا، حاملين أطفالهم، خادمين لغيرهم، لا يطلبون مالًا ولا شكورًا، فقط يسعون لرضا الله عبر الحسين. هذا المشهد الذي لا نظير له في العالم، لا يمكن فهمه إلا من خلال العقيدة الشيعية التي ترى في الإمام المعصوم امتدادًا للنور الإلهي، وواسطة القربى إلى الله. فالمشي إلى الحسين ليس عبادة جسدية فحسب، بل هو تربية نفسية وروحية، وموقف سياسي وفكري ضد كل من يريد حرف مسار الأمة عن طريق الحق.

 

وإذا تأملنا في البعد الرمزي لهذا الطريق، فإننا سنجده يشبه طريق الأنبياء. كل نبي واجه طاغية، وكل إمام واجه انحرافًا، لكن الحسين واجه الطغيان والانحراف معًا، فكان دمه امتدادًا لدماء الأنبياء، وكان قتله امتدادًا لغربة الدين في زمن كانت الخلافة فيه غطاءً للفساد. لذا فالسير إليه هو استعادة لمسيرة الأنبياء، لا سيما نبي الإسلام محمد (صلى الله عليه وآله) الذي قال: “حسين مني وأنا من حسين”.

 

اللافت في الأمر، أن هذا الطريق يجمع الفقراء والأغنياء، العرب والعجم، النساء والرجال، الأطفال والشيوخ، بلا تمييز، تحت راية واحدة: “لبيك يا حسين”. وهذا ما يجعل من مسيرة الأربعين تظاهرةً توحيديةً فريدة، تذيب الفوارق وتعيد تعريف الإنسانية من منطلق الإيمان والبذل والمشاركة.

 

إن من يحاول التقليل من شأن هذه المسيرة أو ينظر إليها بعين الاستغراب، هو في الحقيقة لم يفهم جوهر التشيّع ولا عمق الانتماء الذي يربط الشيعة بأئمتهم. هؤلاء لا يعبدون الحسين، وإنما يعبدون الله من خلال الحسين، ويستلهمون من دمه الطاهر طريقًا للحياة الكريمة في الدنيا، والفوز في الآخرة.

 

ولذلك نقولها بكل يقين: طريق الحسين هو طريق الله، لأن الله لا يُطلب إلا عبر أوليائه، ولا يُطاع إلا من خلال طاعتهم، ولا يُحب إلا بمحبتهم. ومن أراد الوصول إلى الله بعيدًا عنهم، فقد ضل السبيل، وتاه عن الصراط المستقيم.

المصدر: شبكة النبأ