اليوم، لم يعد بمقدور الفلسطينيين توفير الحدّ الأدنى من مقومات البقاء، حيث فقد غالبيتهم الدقيق اللازم لصناعة الخبز، بينما ترتفع أسعار الكميات القليلة المتوفرة منه في السوق السوداء، بشكل لا يمكن الفلسطينيين المجوّعين الحصول عليه.
ومنذ 2 مارس 2025، يغلق كيان العدو الصهيوني جميع المعابر مع القطاع ويمنع دخول المساعدات الغذائية والطبية، ما تسبب في تفشي المجاعة داخل القطاع.
وسبق وحذرت وزارة الصحة الفلسطينية بغزة من “احتمال تعرض مئات المجوّعين الفلسطينيين للموت، عقب تدفق أعداد غير مسبوقة إلى المستشفيات بحالتي إعياء وإجهاد شديدين”. كما وصفت العديد من المنظمات الدولية المجاعة بالكارثية، مؤكدة وجود ارتفاع ملحوظ في معدلات الوفيات الناجمة عن الجوع.
ومنذ أكتوبر 2023، يشن كيان الاحتلال حرب إبادة جماعية بغزة تشمل القتل والتجويع والتدمير والتهجير القسري، متجاهلاً النداءات الدولية كافة وأوامر لمحكمة العدل الدولية بوقفها. وخلفت الإبادة، بدعم أمريكي، أكثر من 198 ألف فلسطيني بين شهيد وجريح، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 9 آلاف مفقود، إضافة إلى مئات آلاف النازحين، ومجاعة أزهقت أرواح كثيرين.
مؤخراً كذلك أعلنت وزارة الصحة في قطاع غزة، وفي آخر إحصائية كانت صادمة، ارتفاع حصيلة شهداء التجويع الصهيوني المتواصل منذ أكتوبر/ تشرين الأول 2023 إلى 251 فلسطينياً بينهم 108 أطفال، بعد تسجيل 11 حالة إستشهاد جديدة خلال 24 ساعة نتيجة سوء التغذية.
بالتوازي مع حملة التجويع الصهيوني التي وصفها العديد بالمجازر الصامتة، واصل جيش الاحتلال الصهيوني هجماته على مختلف مناطق القطاع، ما أسفر عن إستشهاد عشرات الفلسطينيين خلال اليومين الأخيرين، واستهدف القصف الصهيوني منازل، وخيام نازحين، ومواطنين ينتظرون المساعدات، إضافة إلى صيادين.
وسط هذه الكارثة التي ستظل لطخة سوداء على جبين المجتمع الدولي الذي وقف عاجزاً عن فك الحصار عن أهالي قطاع غزة التي بدأت أجسادهم تتهالك بسبب الجوع، أجرت صحيفة الوفاق حواراً مع “موسى خرفي” نائب رئيس البرلمان الجزائري السابق، تحدث خلاله عن حالة التجويع الممنهج التي يعيشها قطاع غزة، وعن أهداف العدو الصهيوني من هذا الأمر.
* تزايد حالات سوء التغذية الحادّ ووفيات الأطفال
وفي ردّه على سؤال بشأن أهداف كيان الاحتلال من تجويع أهالي غزة، قال المسؤول الجزائري السابق: أحدث تنبيه فنّي مستقل (IPC) في 29 يوليو 2025 خلُص إلى أن عتبات المجاعة للاستهلاك الغذائي تحققت في معظم القطاع، وأن عتبات سوء التغذية الحاد تحققت في مدينة غزة، مع تزايد وفيات مرتبطة بالجوع؛ وطالب بوقف القتال وفتح ممرات إنسانية واسعة بلا عوائق.
مضيفاً: ميدانياً، تتزايد حالات سوء التغذية الحاد ووفيات الأطفال وفق تقارير وكالات أممية وصحافة مرموقة، والهدف المحتمل من جريمة التجويع الصهيونية كما يقدّره خبراء القانون والنزاعات: الضغط لإجبار السكان على النزوح، وهذا يندرج ضمن تجريم التجويع كوسيلة حرب في القانون الدولي الجنائي، وهي من التهم التي يسعى الادعاء لدى المحكمة الجنائية الدولية إلى ملاحقتها.
وبشأن العجز الدولي، قال موسى خرفي: أن العجز الدولي يتجلى في عدم تنفيذ أوامر محكمة العدل الدولية التي طالبت كيان الاحتلال الصهيوني منذ 26 يناير ثم 28 مارس و24 مايو 2024 بضمان وصول المساعدات بلا عوائق؛ ومع استمرار القتال والإغلاقات، بقي التنفيذ جزئياً أو متنازعاً عليه.
* ردع الجرائم التي ينفذها الصهيوني
وحول ردع الجرائم التي ينفذها الصهيوني بحق الفلسطينيين، قال نائب رئيس البرلمان الجزائري السابق: أن وقف إطلاق نار قابل للتحقق، وفتح كل المعابر وممرات آمنة برّية (هي الأنجع)، مع تسهيل إدخال الوقود والدواء والمياه وإعادة تشغيل سلاسل التوزيع داخل غزة تحت إشراف أممي/ إنساني، هذا ما شددت عليه تنبيهات IPC ووكالات الأمم المتحدة؛ مضيفاً: إن تنفيذ أوامر محكمة العدل الدولية بحذافيرها بخصوص تأمين وصول المساعدات ومنع الأفعال التي قد ترقى للإبادة، مع آلية متابعة وجدول زمني علني.
وعن سبل الردع ومتابعة الاحتلال، قال موسى خرفي: يجب المساءلة الجنائية الدولية عن جريمة التجويع وسائر جرائم الحرب/ الجرائم ضدّ الإنسانية عبر مسار المحكمة الجنائية الدولية؛ فوجود مذكرات أو طلبات مذكرات يرفع الكلفة القانونية والسياسية على استمرار الانتهاكات. وأضاف: إنه يجب إستخدام أدوات ضغط دولية (حظر سلاح مرتبط بانتهاكات، شروط على المساعدة، عقوبات موجّهة للمسؤولين عن تعطيل الإغاثة)، ونشهد زيادة حجم القوافل البرية وتثبيت نقاط توزيع محمية داخل القطاع، ودعم المستشفيات بالتغذية العلاجية الجاهزة للأطفال (RUTF) وسلاسل تبريد فعّالة، مع نظام بيانات مستقل لرصد سوء التغذية والوفيات، وسط كل هذا لابدّ من مواصل المقاومة أيضاً.
مختتماً بالقول: الواقع في غزة، وفق أحدث بيانات IPC ووكالات الأمم المتحدة، بلغ عتبات حرجة من الجوع وسوء التغذية وتزايد الوفيات، طريق الإيقاف واضح مهنياً وقانونياً: وقف النار + وصول إنساني بلا عوائق + تنفيذ أوامر محكمة العدل الدولية + مساءلة جدية، هذه خطوات مجتمعة كفيلة بكسر دوامة التجويع ومنع اتساع الكارثة.