وسبق أن حذرت وزارة الصحة الفلسطينية بغزة من “احتمال تعرض آلاف المجوّعين الفلسطينيين للموت، عقب تدفق أعداد غير مسبوقة إلى المستشفيات بحالتي إعياء وإجهاد شديدين”. كما وصفت العديد من المنظمات الدولية المجاعة بالكارثية، مؤكدة وجود ارتفاع ملحوظ في معدلات الوفيات الناجمة عن الجوع.
ومنذ أكتوبر 2023، يشن كيان الاحتلال حرب إبادة جماعية بغزة تشمل القتل والتجويع والتدمير والتهجير القسري، متجاهلاً النداءات الدولية كافة وأوامر لمحكمة العدل الدولية بوقفها. بالتوازي مع حملة التجويع الصهيوني التي وصفها العديد بالمجازر الصامتة، واصل جيش الاحتلال الصهيوني هجماته على مختلف مناطق القطاع، ما أسفر عن إستشهاد عشرات الفلسطينيين خلال اليومين الأخيرين، واستهدف القصف الصهيوني منازل، وخيام نازحين، ومواطنين ينتظرون المساعدات.
وسط هذه الكارثة التي ستظل لطخة سوداء على جبين المجتمع الدولي الذي وقف عاجزاً عن فك الحصار عن أهالي قطاع غزة التي بدأت أجسادهم تتهالك بسبب الجوع، أجرت صحيفة الوفاق حواراً مع “بهجت العبيدي” الكاتب والمفكر المصري ومؤسس الاتحاد العالمي للمواطن المصري في الخارج، تحدث خلاله عن حالة التجويع الممنهج التي يعيشها قطاع غزة، وعن أهداف العدو الصهيوني من هذا الأمر.
وحول ما يحدث من مجاعة في غزة من قبل الاحتلال، وما الذي يهدف إليه الكيان من تجويع أهالي غزة، قال العبيدي للوفاق: ما يحدث في غزة ليس مجرد أزمة غذاء عابرة، بل هو تجويع مُمنهج ومتعمد يستخدمه الاحتلال كسلاح حرب ضد المدنيين العُزّل. الهدف من هذه السياسة القاسية هو العقاب الجماعي، وكسر إرادة الشعب الفلسطيني، وإخضاعه من خلال جعله يواجه الجوع بدلًا من مواجهة الاحتلال. هذا التجويع يهدف في النهاية إلى خلق بيئة لا تُطاق تدفع السكان إلى النزوح والتهجير القسري، في محاولة لتحقيق أهداف سياسية وعسكرية على حساب الأرواح البريئة.
وبشأن عدم إعلان الأمم المتحدة حالة المجاعة في غزة حتى الآن، ولماذا هذا العجز الدولي أمام ما يحدث، أوضح العبيدي: تأخر الأمم المتحدة في إعلان حالة المجاعة لا ينفي وجودها، بل هو بمثابة فضيحة أخلاقية وإنسانية. هذا التأخر يعكس عجزًا دوليًا مخزيًا وغيابًا للإرادة السياسية، حيث تخشى العديد من الأطراف الدولية مواجهة الاحتلال أو تحميله مسؤولية مباشرة عن جرائم حرب. هذا الصمت الدولي ليس مجرد فشل في الأداء، بل هو تواطؤ صامت مع الجريمة، ويعكس ازدواجية المعايير التي تعاني منها المؤسسات الدولية.
وبشأن وقف جرائم الاحتلال، أوضح العبيدي: الحل لا يمكن أن يكون جزئيًا، بل يجب أن يكون حاسمًا وعاجلًا. يكمن الحل في:
– وقف فوري لإطلاق النار وفتح جميع المعابر بشكل كامل لضمان تدفق المساعدات بكميات كافية.
– إلزام الاحتلال بتنفيذ أوامر محكمة العدل الدولية وجميع قرارات الشرعية الدولية.
– فرض عقوبات دولية حقيقية على المسؤولين عن عرقلة وصول المساعدات، ووقف تصدير الأسلحة التي تُستخدم في هذه الجرائم.
– تحرك عربي واسلامي موحد وفاعل يستخدم كل أوراقه السياسية والدبلوماسية لوقف هذه المأساة، وفتح جسور إغاثة فورية لإدخال الغذاء والدواء إلى كل مناطق القطاع.
*جريمة حرب
من جانبه، يرى الخبير السياسي من تشاد “إدريس هارون عبدالله أبو مانديلا” إن تجويع سكان غزة بل وأي سكان في بقعة من بقاع الأرض يعد جريمة حرب وفقاً للقانون الدولي والإنساني، حيث يحظر إستخدام سلاح التجويع كوسيلة من وسائل الحرب أو تدمير مصادر الغذاء والمياه والدواء والتعليم وسد الطرق والمنافذ وقطع كل وسيلة من شأنها إمداد السكان بمتطلبات المعيشة والحياة، كما هو الحال في غزة.
وأوضح: أهداف الكيان من هذا السلاح -أي سلاح التجويع لأهالي غزة- هو السيطرة والضغط على السكان للتسليم بشروطهم، وتدمير البنية التحتية هو تدمير كل مصادر العيش الكريم للسكان، ويضاف هذا إلى إضعاف قدرة سكان غزة على الصمود وتهجيرهم من أراضيهم، ويعد ذلك من الانتهاكات القانونية وتتمثل في الآتي:
١- جريمة حرب بالنسبة لتجويع المدنيين يعد جريمة حرب وفقاً لنظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية.
٢- انتهاك الحق في الغذاء وهو حق انساني أساسي وتجويع السكان يعد انتهاكاً صارخاً لهذا الحق وتؤدي هذه الانتهاكات إلى تداعيات خطيرة جداً من ارتفاع عدد الشهداء بسبب نقص الغذاء والدواء وسوء التغذية وينتشر هذا بين الأطفال والنساء الحوامل وتدهور الأوضاع الصحية لسكان غزة بسبب نقص الغذاء والدواء، ومن هنا تأتي الأسئلة من كل الجهات: لماذا لم تعلن المنظمة الدولية حالة المجاعة في غزة حتى الآن رغم التقارير التي تشير إلى تدهور الأوضاع الإنسانية في غزة؟ والسبب هو ضغوط سياسية تتعرض لها الأمم المتحدة من مختلف الأطراف مما يؤثر على قراراتها وتصريحاتها.
وأكمل: قد أدى هذا إلى عجز دولي وهو نقصان الإرادة السياسية ويعد نقصاً حاداً في الإرادة السياسية الدولية لإتخاذ إجراءات حازمة ضد انتهاكات حقوق الإنسان في غزة. وأوضح قائلاً: لابدّ من زيادة الضغط على الكيان الصهيوني لوقف انتهاكاته لحقوق الإنسان في غزة، وهنا يأتي دور الدول العربية لأنها الداعم الأساسي للإقتصاد الغربي. كما يجب تقديم الدعم الإنساني وفوري لسكان غزة بما في ذلك الغذاء والدواء والمأوى لمن دمرت منازلهم، ومحاسبة إسرائيل على انتهاكاتها للقانون الدولي الإنساني وحقوق الإنسان. مضيفاً: يجب اللجوء إلى المحكمة الجنائية الدولية لمحاكمة المسؤولين عن جرائم الحرب والإبادة الجماعية الممنهجة والمبرمجة والانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان في غزة.
وقال الخبير التشادي: لابدّ من فرض عقوبات رادعة إقتصادياً على “إسرائيل” لردعها من الإستمرار في انتهاكاتها لحقوق الإنسان في غزة وعلى الدول العربية والإسلامية أن تقف موقف الجد في ذلك ويكون لها اليد الطولى في هذا المجال. وأكد أبومانديلا على تعزيز التضامن الدولي مع الشعب الفلسطيني ودعم حقه في تقرير المصير والحرية والعدالة والكرامة.
وختم بالقول: لابدّ من انتفاضة شعبية كبيرة في جميع أنحاء العالم في سبيل نصرة المظلوم وإعادة الحق إلى أصحابه وهو حق منشود للشعب الفلسطيني الحر.