حين تآمرت القوى وسجّل المؤرخون

الانقلاب الأمريكي في الذاكرة الإيرانية.. بين الوثيقة والرواية

الوفاق: هذا الحدث لم يكن مجرد انقلاب عسكري، بل كان انقلاباً على مشروع سياسي واجتماعي كان يسعى إلى تحرير إيران من التبعية الأجنبية.

في تاريخ الشعوب، هناك لحظات لا تُنسى، لا لأنها مرت، بل لأنها تركت أثراً لا يُمحى في الوعي الجمعي. الإنقلاب الأمريكي في 28 مرداد 1332 هـ.ش الموافق 19 أغسطس 1953م، في إيران هو إحدى تلك اللحظات التي غيّرت مسار التاريخ السياسي والاجتماعي للبلاد. فقد أطاح هذا الانقلاب الأمريكي-البريطاني بحكومة الدكتور محمد مصدق، التي كانت تمثل حلماً وطنياً بالاستقلال والديمقراطية، في عملية شاركت فيها قوى داخلية وخارجية، أبرزها الولايات المتحدة وبريطانيا.
 

هذا الحدث لم يكن مجرد انقلاب عسكري، بل كان انقلاباً على مشروع سياسي واجتماعي كان يسعى إلى تحرير إيران من التبعية الأجنبية، خاصة في ملف النفط. ومنذ ذلك الحين، لم يتوقف المؤرخون والباحثون عن محاولة فهم ما جرى، وتحليل أسبابه وتداعياته. وقد أُنتجت عشرات الكتب التي تناولت هذا الحدث من زوايا متعددة: سياسية، قانونية، اجتماعية، استخباراتية، وحتى سردية شخصية. هذا المقال يحاول أن يقرأ بعض هذه الكتب لا كمجرد مصادر تاريخية، بل كمرآة تعكس صراعاً بين الحقيقة والسلطة، بين الذاكرة والنسيان.

 

كتب في قلب العاصفة

في هذا المقال، نستعرض بعض الكتب البارزة التي قدّمها المؤرخ غلامرضا ظريفيان، وهي أعمال تتنوع بين التحليل السياسي، السرد التاريخي، التوثيق القانوني، والرؤية الدينية والوطنية، مما يعكس تعددية المقاربات حول الإنقلاب الأمريكي في 28 مرداد 1332 هـ.ش الموافق 19 أغسطس 1953م.

 

من خلال تقديم هذه الكتب، يؤكد ظريفيان على دور أمريكا وبريطانيا في هذا الإنقلاب الأمريكي. الأعمال التي قدّمها هذا الأستاذ في التاريخ تحتوي على وثائق أصلية وسرد مباشر لأحد أبرز الأحداث التاريخية المثيرة للجدل. فيما يلي شرح موجز لهذه الأعمال.

 

«إيران بين انقلابين»

كتاب «إيران بين انقلابين» من تأليف داريوش رحمانيان أستاذ التاريخ في جامعة طهران، يُعد من الأعمال المعروفة المتعلقة بأحداث19 أغسطس 1953 م . يرى ظريفيان أن مؤلف هذا الكتاب، بفضل إلمامه بالوثائق وقدرته العالية على التفسير والتحليل، ألّف عملاً قيّماً، وفي هذا الكتاب تم تتبع الأحداث من خلال البحث في الوثائق وتحليلها. يناقش هذا الكتاب التحولات السياسية والاجتماعية من انقلاب 3 إسفند 1299 الموافق 22 فبراير 1921م، وصعود الدكتاتور رضا شاه المقبور، حتى حركة تأميم النفط وانقلاب 28 مرداد 1332 الموافق 19 أغسطس 1953.

في هذا الكتاب، يتم تناول موضوعات مثل أسباب وكيفية وقوع انقلاب إسفند 1299 ونتائجه، حتى ملكية الدكتاتور رضا خان المقبور وتأسيس سلطنة بهلوي، وكذلك الإجراءات وبرامج التحديث في فترة حكم الدكتاتور رضا شاه المقبور والتحولات الفكرية. يولي داريوش رحمانيان في كتابه اهتماماً بالعلاقات السياسية لإيران مع الدول الأجنبية في عهد الدكتاتور رضا شاه وأحداث الحرب العالمية الثانية.

 

كذلك، فإن أزمة آذربايجان ومحافظةكردستان وقضية نفط الشمال، وكيفية نشوء حركة تأميم صناعة النفط الإيرانية حتى سقوط حكومة محمد مصدق، من بين الموضوعات التي يتم تناولها في كتاب «إيران بين انقلابين». يُذكر أنه نظراً لتأليف الكتاب للطلاب، فإن المؤلف، إلى جانب طرح وجهات النظر، يقدّم أيضاً مصادر ودراسات مهمة للقارئ.

 

الإنقلاب

كتاب «الانقلاب، مرداد 1332 هـ.ش، وكالة الاستخبارات الأمريكية المركزية وجذور العلاقات الإيرانية الأمريكية في العصر الحديث» من تأليف يرواند آبراهاميان، ترجمة محمدإبراهيم فتاحي، كتاب جدير بالقراءة ومفيد حول موضوع هذا الإنقلاب الأمريكي.

 

وفقاً لغلامرضا ظريفيان، فإن هذا الكتاب عمل وصفي وتحليلي. مناقشات إيران–بريطانيا وتأميم صناعة النفط من الموضوعات البارزة والقيّمة في هذا العمل. في «الانقلاب»، يتم انتقاد الاعتقاد بأن طريقة إدارة محمد مصدق كانت سبب الانقلاب. يرواند آبراهاميان يُظهر بوضوح أن جذور الانقلاب تعود إلى معارضة أمريكا وبريطانيا لتوسّع الموارد النفطية الإيرانية.

 

«مصدق والانقلاب»

كتاب «مصدق والانقلاب» من تأليف مارك كازيوروسكي ومالكوم برن، ترجمة علي مرشدي‌زاده. في هذا الكتاب، تم نشر وثائق أصلية وقيّمة. يحتوي هذا الكتاب على وثائق أرشيفية سوفييتية. كما يحتوي على مقابلات مع عملاء استخبارات أمريكيين، ويقدّم معلومات جديدة ومفيدة للمهتمين والباحثين. من أعمال مارك كازيوروسكي الأخرى: «السياسة والحكم في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا»، و«لا شرقية ولا غربية: دراسة العلاقات الإيرانية مع الاتحاد السوفييتي والولايات المتحدة الأمريكية» (منشورات ميزان).

 

«أزمة الديمقراطية في إيران 1320–1332»

كتاب «أزمة الديمقراطية في إيران 1320–1332» من تأليف فخرالدين عظيمي؛ هذا الكتاب يستعرض أحداث 1320 حتى 1332، ويبحث في الجذور والبُنى السياسية والاجتماعية المؤثرة في هذه الأحداث؛ يتناول فخرالدين عظيمي في هذا الکتاب القضايا الجذرية. الباحث في هذا الكتاب يبحث عن إجابة لسؤال: «لماذا الديمقراطية في إيران هشّة؟».

 

سنوات 1320 حتى 1332 من الفترات المضطربة في التاريخ المعاصر لإيران. فترة بدأت باحتلال إيران من قبل القوات الروسية والبريطانية، ثم الأمريكية، وانتهت في النهاية بانقلاب 28 مرداد، الذي حلّ محلها باستقرار قائم على القمع العسكري. في وسط هذه الفترة، وقعت أحداث كبيرة وصغيرة، من اغتيالات سياسية متعددة إلى حركة الانفصال في آذربايجان ثم قمعها، من صعود «حزب توده» إلى حلّه، من ضغط الاتحاد السوفييتي للحصول على نفط شمال إيران إلى ضغط مصدق والجبهة الوطنية لتأميم نفط الجنوب.

 

«حلم النفط المضطرب»

كتاب «حلم النفط المضطرب» سلسلة من أربعة مجلدات لمحمدعلي موحد، تتناول بشكل مفصل ودقيق أحداث تأميم صناعة النفط والانقلاب في مرداد. تكمن أهمية «حلم النفط المضطرب» في شخصية وخلفية الباحث والمؤلف، أي محمدعلي موحد.

 

يقول ظريفيان في هذا السياق إن موحد شخصية قانونية ولعب دوراً مهماً في عقود النفط آنذاك، لأنه كان عضواً في صحيفة شركة النفط. جمع هذا الكتاب المناقشات القانونية حول النفط في أربعة مجلدات، وتناول الانقلاب ضمن موضوعاته. في هذا الكتاب، فإن الشروحات والتوصيفات التي يقدّمها موحد جديرة بالقراءة لأن المؤلف كان حاضراً في الأحداث، وبالتالي فإن رواياته مباشرة ومن مصادر أولية.

 

حركة تأميم صناعة النفط الإيرانية

كتاب «حركة تأميم صناعة النفط الإيرانية وانقلاب 28 مرداد 1332» من تأليف غلامحسين نجاتي، عمل وصفي وقيّم يستعرض وثائق مختلفة. يحتوي هذا الكتاب على العديد من الصور لمحمد مصدق وشخصيات سياسية إيرانية وأجنبية من تلك الفترة.

من التاريخ إلى الوعي

هذه الكتب ليست مجرد مصادر تاريخية، بل أدوات لفهم الحاضر، واستشراف مستقبل تُصان فيه إرادة الشعوب، وتُحترم فيه الذاكرة الوطنية. فالتاريخ، كما تُظهر هذه الأعمال، لا يُكتب فقط في القصور، بل يُحفظ في الكتب، ويُعاد قراءته في ضمير الأمة. الكتب التي تناولت هذا الإنقلاب ليست مجرد سرد لتاريخ مضى، بل هي أدوات لفهم الحاضر، وأن الذاكرة لا تموت، والكتابة التاريخية يمكن أن تكون مقاومة في وجه النسيان. وربما يكون أهم درس من انقلاب 28 مرداد الأمريكي هو أن الاستقلال السياسي لا يتحقق دون استقلال فكري، وأن السيادة الوطنية تبدأ من الوعي الشعبي.

 

المصدر: الوفاق