وأقيمت هذه الجولة من المفاوضات مع الجانب الاوروبي بعد العدوان الذي شنّه الكيان الصهيوني والولايات المتحدة. وتُعقد هذه المفاوضات على مستوى نواب وزراء الخارجية ونائب مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، وتكتسب أهمية استراتيجية كبيرة في ظلّ حساسية اللحظة الراهنة لملف إيران النووي وتوترات المنطقة.
وكانت الجولة الأولى من هذه المحادثات قد عُقدت في إسطنبول، حيث شدد الطرفان خلالها على ضرورة استمرار التشاور وإيجاد حلول عملية لتخفيف التوترات والعودة إلى مسار الدبلوماسية. ومن هنا، يُتوقع أن تكون مفاوضات جنيف نقطة حاسمة في تحديد مستقبل تفاعل إيران وأوروبا، وربما فتح الطريق أمام عودة أوضح إلى الاتفاقات النووية السابقة.
وتأتي هذه الجولة في وقت يقترب فيه موعد نهاية شهر آب/أغسطس كموعد نهائي للاتحاد الأوروبي لتفعيل آلية “سناب باك”، ما يضع ضغوطا زمنية إضافية على المفاوضين من كلا الطرفين، ويجعل لكل دقيقة من الحوار أهمية مضاعفة، سواء لتحقيق تقدم أو مواجهة عراقيل. ومع الأخذ بعين الاعتبار نتائج المفاوضات السابقة وتداعيات الحرب المفروضة الأخيرة ذات الـ 12 يوما وأثرت على المشهد الإقليمي.
وتُعقد هذه المفاوضات الجديدة قبل تفعيل آلية “سناب باك”- فيما تستمر مشاورات طهران مع المحور الشرقي للاتفاق النووي، أي روسيا والصين، حيث شهد هذا المسار تطورات لافتة. فقد أعلن مساعد وزير الخارجية للشؤون القانونية والدولية وعضو الفريق المفاوض الإيراني، كاظم غريب آبادي، يوم الأحد عبر حسابه على منصة “إكس”، عن إجرائه مكالمة هاتفية مع نائب وزير الخارجية الصيني، ما جاو شو.
* مسار مواجهة العودة التلقائية لعقوبات مجلس الأمن
في السياق قال المتحدث باسم الخارجية اسماعيل بقائي: ان المحادثات الجارية في جنيف، تأتي عقب الاتصالات الهاتفية التي أجراها وزير الخارجية مع نظرائه وكذلك مع مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، إضافة إلى المشاورات التي أجريت مع باقي أعضاء مجلس الأمن، ولا سيّما روسيا، وجميعها تصب في مسار مواجهة العودة التلقائية لعقوبات مجلس الأمن ضد إيران.
وقال بقائي في مؤتمره الصحفي، يوم أمس: إن التقليل من أهمية ما يُعرف بـ “آلية إعادة فرض عقوبات مجلس الأمن” ليس بالأمر الصحيح على الإطلاق. نحن على وعي كامل بالآثار والتبعات السلبية لمثل هذا الحدث. وعندما نقول إن الأطراف الأوروبية ليست مخوّلة قانونيا أو أخلاقيا لاستخدام هذه الآلية، فهذا يعني أننا لا نؤيدها فحسب، بل نشعر بالقلق من تداعياتها أيضا.
وأضاف بقائي: كما أكّد زملاؤنا في وزارة الخارجية مرارا، يجب الحرص على ألا تتحوّل هذه القضية إلى أداة للحرب النفسية ضد المواطنين ومن الضروري النظر إليها في موقعها الصحيح، وتقييم تبعاتها دون مبالغة أو تقليل.
*الترويكا لا تمتلك الصلاحية لتفعيل “سناب باك”
وتابع بقائي: في الوقت نفسه، عندما نؤكّد بصراحة أن مثل هذا الحق غير موجود وأن الأطراف الأوروبية غير مخوّلة لاستخدام هذه الآلية لإعادة فرض قرارات مجلس الأمن، فهذا يعني أن لدينا خطة واضحة. وفي هذا الإطار، بذلت جهود واسعة لمنع وقوع هذا الأمر. والمفاوضات الجارية اليوم في جنيف، بعد المكالمات الهاتفية التي أجراها وزير الخارجية مع نظرائه وكذلك مع مسؤولة السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي، فضلا عن التشاور مع بقية أعضاء مجلس الأمن وخصوصا روسيا، تجري جميعها ضمن هذا المسار.
وأضاف: الجهاز الدبلوماسي، وهو مدرك لتداعيات هذه الخطوة السلبية، ومع يقينه بأن الدول الأوروبية الثلاث لا تمتلك الصلاحية القانونية أو الأخلاقية لاستخدام هذه الآلية المعروفة باسم “سناب باك”، قد وضع هذه المسألة منذ وقت طويل على جدول أعماله، ونتطلع إلى أن تكون نتائج هذه الجهود إيجابية ومثمرة.
وبالنسبة للمفاوضات مع أوروبا، قال بقائي: نحن نتفاوض مع أوروبا حول نفس القضية التي كنا نتفاوض بشأنها منذ فترة طويلة، أي رفع العقوبات. وفي هذه المرحلة، سيكون موضوع القرار 2231 والوضع المرتقب بشأنه جزءا من النقاش، وفي المقابل يستمر بناء الثقة والتوضيح حول طبيعة البرنامج النووي الإيراني السلمي، ومن هذا المنطلق لم يطرأ أي تغيير جوهري على موضوع المفاوضات.
*لا يحق لأي دولة أوروبية إعادة فرض قرارات العقوبات ضد إيران
وبشأن القرار المحتمل لمجلس الأمن الدولي حول القرار 2231 ، قال بقائي: إن اتخاذ القرار في هذا الموضوع من صلاحيات مجلس الأمن، وقد عبّرنا عن مواقفنا سابقا بشكل سريع وحاسم، وأكدت ذلك مجددا اليوم، لذلك لا حاجة للتكرار.
وأضاف: في نهاية المطاف، فإن مجلس الأمن له آلياته وبنيته الخاصة، ويتألف من خمسة أعضاء دائمين و10 أعضاء غير دائمين، وتُتخذ القرارات فيه وفق الإجراءات المعروفة. ومع ذلك، فإن هذا لا ينفي أبدا الموقف المبدئي للجمهورية الإسلامية الإيرانية، القائم على أن أيّا من الدول الأوروبية لا تملك مطلقا الحق في إعادة تفعيل قرارات العقوبات ضد إيران.
*إيران أثبتت بوضوح أنها أهل للتفاوض
وفي رده على سؤال حول سبب عدم بدء الحوار مع الولايات المتحدة رغم ضعف أوروبا، أجاب بقائي طارحا عدة تساؤلات:”ألم تكن الجمهورية الإسلامية الإيرانية هي التي كانت تتفاوض مع الولايات المتحدة؟ ألم تكن إيران هي التي، في منتصف المفاوضات، كانت مستعدة وراغبة في الحوار ولم تدّخر جهدا في دفع العملية الدبلوماسية قدما؟ أليس صحيحا أن إيران كانت تستعد للجولة السادسة من المفاوضات في مسقط، وأن جميع مراحل الحوار جرت بوعي وقرار مشترك من الطرفين؟ لكن، وللأسف، قبل يومين فقط من الموعد المحدد، تخلّت الولايات المتحدة عن الدبلوماسية وخانت مسار المفاوضات. لذلك لا يمكن لأحد أن يلوم الجمهورية الإسلامية الإيرانية على الابتعاد عن الحوار.” ومضى في القول مؤكدا على أن إيران خلال الشهرين أو الثلاثة الماضية أثبتت بوضوح أنها أهل للتفاوض، مشيرا الى أن المفاوضات مع الولايات المتحدة كانت قائمة حتى في عهد الحكومة الثالثة عشرة وما قبلها، قائلا:”لم نغادر طاولة المفاوضات قط. نحن الآن أيضا نجري محادثات مع أوروبا، لأنها مستعدة للتفاوض، وهي جزء من الاتفاق النووي، وتستخدم الآليات المنصوص عليها في الاتفاق والقرار 2231 للضغط وانتزاع الامتيازات. ومن واجبنا ألا نهدر أي فرصة للدفاع عن مصالحنا الوطنية.”
وتابع بقائي: “لقد أظهرت إيران دائما حسن نيتها وستظل كذلك.لا نريد أن يُفهم بأن إيران هي الطرف الذي رفض التفاوض. نحن دوما كنا مستعدين للمفاوضات بكل جدية وبحسن نية. واستعراض الأحداث خلال الأشهر الثلاثة أو الأربعة الماضية يبيّن أي طرف دخل المفاوضات بنوايا صادقة، وأي طرف عطّل العملية بتغيير مواقفه المتكررة واعتراضاته المستمرة. وفي النهاية، عندما عجز الطرف الآخر عن تحقيق مصالحه عبر الدبلوماسية، لجأ بالقوة إلى تحقيق مصالحه غير المشروعة والأحادية، وهو ما لن يقبله أيّ من أبناء شعبنا.”
*بريطانيا تقود نهجا مناقضا للاتفاق النووي
وعن إجراءات الحظر البريطانية الجديدة ضد إيران، قال المتحدث: “السياسات الأوروبية تجاه إيران متناقضة؛ فمن جهة يدّعون الرغبة في الحوار والتعامل، ومن جهة أخرى يصرون على النهج التصادمي، عبر فرض عقوبات غير قانونية بحجج مختلفة. ومن الطبيعي أن يكون لهذه المواقف أثر على محادثاتنا مع هذه الدول.”
وأضاف: “إن بريطانيا، كإحدى دول الترويكا الأوروبية المشاركة في الاتفاق النووي، ارتكبت خلال السنوات العشر الماضية انتهاكات متعددة للاتفاق. ولا سيما بعد خروجها من الاتحاد الأوروبي واتفاقية بريكست، حيث أصبحت في موقع المتصدر لسلسلة من الإجراءات المناقضة لنص وروح الاتفاق النووي. وعليه، فإن العقوبات التي فرضتها بريطانيا لا تتعارض فقط مع القانون الدولي، بل أيضا لن تؤثر مطلقا على نهج الجمهورية الإسلامية الإيرانية في حماية مصالحها الوطنية العليا.”