في ذكرى استشهاده وتولي الإمام المهدي(عج) الإمامة

من سامراء إلى القلوب.. الإمام الحسن العسكري(ع) في وجدان الفن والأدب

الوفاق: لم يكن الإمام الحسن العسكري(ع) مجرد إمام في زمن القهر، بل كان مهندساً روحياً لمرحلة الغيبة.

في صباحات الحزن النبيل، حين تتوشّح الأرواح بالسواد وتنبض القلوب بالولاء، تحلّ ذكرى استشهاد الإمام الحسن العسكري(ع)، الإمام الحادي عشر من أئمة أهل البيت(ع)، الذي استشهد غدراً في ربيع شبابه، تاركاً خلفه إرثاً من النور، ووليداً غائباً حاضراً هو الإمام المهدي المنتظر(عج).
هذه الذكرى ليست مجرد حدث تاريخي، بل هي مرآة تتجلّى فيها صور الألم والصبر، وتنعكس فيها تجليات الفن والأدب، حيث تحوّلت سيرة الإمام الحسن العسكري(ع) إلى مصدر إلهام للشعراء، والرسامين، والخطباء، وكل من أراد أن يعبّر عن الحزن والرجاء في آنٍ واحد.
في الثامن من ربيع الأول، ترتجف القلوب وتخشع الأرواح أمام ذكرى استشهاد الإمام الحسن العسكري(ع)، الإمام الحادي عشر من أئمة أهل البيت(ع)، الذي ختم حياته القصيرة (28 عاماً فقط) بالشهادة، بعد أن دسّ له السم الخليفة العباسي المعتمد. لم تكن وفاته حدثاً عابراً، بل كانت لحظة انتقالية عظيمة، إذ تولّى الإمام المهدي(عج) الإمامة وهو ابن خمس سنوات، في ظروف غامضة ومليئة بالتحديات.
بين الرثاء والرمز
الأدب الديني، منذ قرون، تعامل مع الإمام الحسن العسكري(ع) بوصفه شهيداً مظلوماً، ورمزاً للهدوء المقاوم. القصائد التي كُتبت في رثائه لا تكتفي بالبكاء، بل تستحضر شخصيته الزاهدة، وعلمه الغزير، وصموده في وجه السلطة العباسية التي فرضت عليه الإقامة الجبرية في سامراء.
ومن بين هذه القصائد، ما نظمته الشاعرة «نفيسة سادات موسوي»، حيث تقول: «أحرَقه سمّ الجفاء حتى كسر جناحيه.. كأنّه لم يعد يرى من حوله شيئاً.. إحترق قلبه من العطش.. كما جدّه الغريب.. حتى تمزّق فؤاده من شدّة الألم..». وتتابع في وصف صبره رغم الأسر: «ست سنواتٍ، حافظ فيها على ميراث آبائه.. رغم القيود والسجن والسمّ المدسوس. ظنّوا أنهم بقطع الغصن، يمنعون الثمر.. لكن التاريخ كتب ما حلّ به من ظلم..».
ارتجاف الكون في لحظة الفقد
في قصيدة أخرى للشاعر محمدمهدي عبدالهي، تتجلى لحظة استشهاد الإمام العسكري(ع) كزلزال روحي يهزّ الكون: «إهتزّ عمود خيمة الإشراق فجأة.. حزناً على شمسٍ غابت، ارتجفت المجرّات.. كسر أنين الغريب صمت الصحراء.. وارتجّت أرض سامراء بنداء السماء..».
ويتابع في تصوير الحزن الكوني: «دموع الملائكة كانت تجري في كل مكان.. حتى عرش الله ارتجف من شدّة المصاب.. تشقق حلق الزهر من العطش.. وارتجف البستاني في حرقة الظمأ..». ثم يرسم مشهداً مهيباً في سرداب سامراء: «غبار الحزن القديم بلون كربلاء.. استقرّ في قلب السرداب، وارتجف اللامحدود.. في ذلك الفضاء الخانق، كم ارتجفت أنّة الإمام المجهول..».
وفي لحظة الوداع: «حين احتضن الإمام المرآة، ارتجف كالسحاب الربيعي.. بإسم الموعود، نهض العسكري، ودعا للفرج، وارتجف بلا توقّف.. أقسم بسورة العصر، في صباح الجمعة.. أن يرتجف الكون بنداء: يا صاحب الزمان(عج)..».
من السجن إلى الخلود
الفن التشكيلي، لا سيما في العراق وإيران، تناول شخصية الإمام العسكري من خلال لوحات تُظهره في لحظات التأمل أو في مشهد الوداع الأخير. غالباً ما يُرسم في فضاءٍ مغلق، يعكس سجنه، لكن بعينين مفتوحتين على الأفق، وكأن الغياب الجسدي لا يلغي الحضور المعنوي.
كما أن المسرحيات الدينية التي تُعرض في ذكرى استشهاده، تُجسّد لحظة انتقال الإمامة إلى الإمام المهدي(عج)، وتُظهر كيف أن الغياب لم يكن نهاية، بل بداية لعصر الانتظار، حيث يتحوّل الإمام العسكري(ع) إلى «بوابة الغيبة»، وإلى «أب الإمام الغائب»، وهي رمزية عميقة في الوجدان الشيعي.
الإمام العسكري(ع).. التمهيد للغيبة
لم يكن الإمام الحسن العسكري(ع) مجرد إمام في زمن القهر، بل كان مهندساً روحياً لمرحلة الغيبة. خطط بحكمة لحماية ولده المهدي(عج) من أعين السلطة، وأخفى ولادته حتى عن أقرب المقربين. فقد كانت السلطة العباسية تترصد الإمام المهدي(عج) منذ عقود، مدفوعة بهاجس النبوءات التي تتحدث عن ظهور منقذ يقوّض عروش الظلم.
الإمام العسكري(ع) لم يكتفِ بالكتمان، بل مهّد للإمامة عبر وكلائه، وأشرك خواص الشيعة في رؤية الإمام المهدي(عج)، وتكليفه بالإجابة عن أسئلتهم حتى في صباه، ليكون ذلك دليلاً على إمامته.
الشعراء ينسجون من الغياب حضوراً ومن الانتظار يقيناً
تولّي الإمام المهدي(عج) الإمامة في سن مبكرة لم يكن حدثاً عادياً، بل كان بداية لعصر جديد من الإمامة الغائبة، حيث غاب الإمام عن الأنظار، لكن حضوره الروحي ظل حياً في وجدان المؤمنين. الغيبة لم تكن انقطاعاً، بل كانت امتداداً للإمامة بشكل مختلف، حيث أصبح التواصل يتم عبر السفراء والوكلاء، واستمر الإرشاد من خلف الستار. في الأدب الديني، تتجلى هذه المرحلة في قصائد الشوق والحنين، حيث يُصوَّر الإمام المهدي(عج) كفجرٍ مؤجل، وكوعدٍ لا يخلف. الشعراء ينسجون من الغياب حضوراً، ومن الانتظار يقيناً. 
بين الحزن والرجاء
ذكرى استشهاد الإمام الحسن العسكري(ع) ليست فقط لحظة حزن، بل هي لحظة رجاء. فبإستشهاده، تبدأ مرحلة الغيبة الصغرى، ويُسلَّم زمام الإمامة إلى الإمام المهدي (عج)، الذي سيملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما مُلِئت ظلما وجورا. وهذا التحوّل من الألم إلى الأمل، هو ما يجعل هذه الذكرى تتوهّج في الأدب والفن، لا كحدث مأساوي فقط، بل كنبضٍ مستمر في قلب الأمة.
المصدر: الوفاق