في هذا السياق، أجرينا حواراً مع الفنان الإيراني الأستاذ رضا بدر السماء، الذي كرّس فنه لخدمة الرسالة المحمدية، وعبّر عن رؤيته العميقة لتأثير الفن الديني في المجتمع.
عُرف الأستاذ بدر السماء بأسلوبه الفريد في توظيف الخط والرؤية البصرية لنقل القيم الروحية، وقد أنجز عشرات الأعمال الفنية التي تتناول سيرة النبي الأكرم(ص)، وأهل بيته(ع)، والشهداء والمقاومة، بأسلوب يجمع بين الجمال الفني والعمق الإيماني. في هذا الحوار، يحدثنا عن تجربته في التعبير عن الرسالة المحمدية من خلال الفن، وعن لوحاته التي تحاكي آيات الرحمة، وتُجسّد لحظات من النور، وعن رؤيته لدور الفن في نشر القيم الإسلامية في عصر الصورة والرقمنة. وإليكم نبذة عن ميلاد النبي(ص) وبعد ذلك تفاصيل الحوار:
حين أشرقت الرحمة على العالمين
في ليلةٍ من ليالي شهر ربيعٍ الاول المبارك، لم يكن الكون على موعد مع ولادة إنسان فحسب، بل مع انبثاق النور الذي سيهدي البشرية إلى قيم الرحمة والعدالة.
ميلاد النبي محمد بن عبد الله(ص) كانت لحظة فاصلة في التاريخ، تجلّت فيها الرحمة الإلهية، وانكشفت فيها بشائر النور التي غمرت الأرض والسماء، يصادف غداً الأربعاء هذا الميلاد المبارك.
وقد وصفه الله تعالى بأبلغ وصف: «وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين» فهو ليس نبياً لقومٍ دون آخر، بل رسولٌ للإنسانية جمعاء، يحمل في قلبه حباً لا يُحد، ويدعو إلى السلام، ويزرع في النفوس نوراً لا يخبو.
لقد استقبل أهل المدينة هذا النور مردّدين: «طلع البدر علينا من ثنيات الوداع، وجب الشكر علينا ما دعا لله داع» وما كانت تلك الأبيات مجرد ترحيب، بل كانت إعلاناً روحياً بأن النور قد حلّ، وأن الرحمة قد بدأت تتنفس في قلب الأمة.
ميلاده ليس مناسبة للاحتفال فقط، بل دعوة للتأمل في جوهر الرسالة، واستلهام الرحمة التي جاء بها، لنكون بحق من أتباعه الذين يسيرون على درب النور، ويُحيون القيم التي جاء بها في كل زمان ومكان.
تأثير الفن الديني على المجتمع
على أعتاب ميلاد النبي الأكرم(ص) سألنا الأستاذ «رضا بدر السماء» عن رأيه حول تأثير اللوحات الدينية على المجتمع، فقال: من خلال تجربتي، رأيت بأم عيني كيف يتفاعل الناس مع هذه الأعمال، وكيف يلمع الفرح في عيونهم عند رؤيتها. هذا التفاعل هو أعظم دافع لي للاستمرار. من المهم أن يتم دعم من لديهم القدرة على إنتاج ونشر الأعمال الدينية، خاصة تلك التي تتناول سيرة النبي(ص)، وأن تُعرض بشكل أوسع عبر الإنترنت والتلفزيون. لقد أنجزت أكثر من 30 عملاً فنياً حول النبي الأكرم(ص)، منها عدة لوحات للصلوات التي لاقت ترحيباً كبيراً. أول عمل لي في هذا المجال كان بخط الأستاذ مهدي فروزنده، وقد عرضه على أستاذ الخط الإيراني «غلامحسين أميرخاني» الذي قال: «من يرى هذا العمل ولا يسلم، فقد ظلم نفسه!» وهذا يدل على مدى تأثير الفن. كما أنجزت 10 أعمال حول الأذان، باعتباره رمزاً وصوتاً للإسلام، وقد استغرقت مني سنتين من العمل.
أتمنى أن تُعرض هذه الأعمال في التلفزيون والمنصات الرقمية ليستمتع بها الناس، خاصة أن الأذان بصوت جميل موصى به، واليوم نحن في عصر الصورة، لذا يجب أن يُعرض الأذان بصرياً أيضاً.
الإسلام دين جميل، ويجب أن نُظهر هذا الجمال من خلال الفن، كما قال الإمام الرضا(ع): «كلامنا إذا وصل إلى الناس، فإنهم سيقبلونه»، لأن فطرة الإنسان تميل إلى الله، وكلام الأئمة مستمد من القرآن. لذا، كلما استطعنا إيصال رسالة النبي الاكرم(ص) عبر الفن، نكون قد أدينا جزءاً من واجبنا.
كما أنجزت أعمالاً عن الشهداء، فهم أحياء عند ربهم يُرزقون، ويجب أن نحافظ على ثقافتنا ونُجسّد أهدافهم ورسالة النبي(ص) وأهل بيته(ع) في أعمالنا الفنية.
أهمية الصلوات على النبي محمد(ص)
بعد ذلك تطرقنا إلى اللوحات التي أنجزها الأستاذ حول النبي الاكرم(ص)، فقال بدرالسماء في هذا المجال: من أبرز أعمالي لوحة مستوحاة من الآية: «إِنَّ ٱللَّهَ وَمَلَـٰئِكَتَهُۥ يُصَلُّونَ عَلَى ٱلنَّبِيِّ يَـٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ صَلُّواْ عَلَيهِ وَسَلِّمُواْ تَسلِيماً»، في أعلى اللوحة يظهر نور، وكأن الله يشير لنا إلى أهمية الصلاة على النبي(ص). في وسط اللوحة رسمت الزهور، وحولها الملائكة تطير. عندما طلبت من الأستاذ فروزنده كتابة الآية في وسط اللوحة، قال لي: «لا أستطيع أن أكتب على هذه الزهور»، فكتبها في الأسفل. هذا العمل كان من أولى لوحاتي حول النبي(ص)، وبعده أنجزت العديد من الأعمال.
قبل عامين، تواصل معي إيرانيون من فرنسا وطلبوا مني تصميم عمل فني لطباعة طابع بريدي بمناسبة ميلاد النبي(ص)، بموافقة الحكومة الفرنسية. فأنجزت لوحة بعنوان «أنا أحب النبي(ص)» ليتم استخدامها في الطابع التذكاري.
كما أنجزت لوحتين مستوحاة من الآية الكريمة«وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ» إلى جانب أعمال أخرى حول المباهلة، غار حراء، وحديث الكساء.
إصدار ثلاثة طوابع بريدية من اللوحات
وأخيراً عندما طلبنا من الأستاذ بدر السماء أن يصف النبي محمد(ص) باعتباره نبي الرحمة، قال: في الأشهر الماضية، أنجزت عملين مهمين: الأول بعنوان «14 نورا مقدسا»، وهو شجرة نسب النبي(ص) وأهل بيته(ع).
والثاني بعنوان «محمد شمع جمع آفرينش»، أي «النبي محمد(ص) شمعة الخليقة» وقد تم الكشف عنه في مؤتمر أقيم في أصفهان، حيث تم الاتفاق مع شركة البريد على إصدار ثلاثة طوابع بريدية بمناسبة مرور 1500 عام على ميلاد النبي(ص)، مستوحاة من أعمالي، ولا يوجد وصف أبلغ من قول الله تعالى:«وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ»، علينا أن نطيع هذا النور، ونتبع تعاليم النبي(ص) لننال الخير.
لقد كان النبي(ص) رؤوفاً بالناس إلى درجة أن الله قال له: «فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ…».
النبي(ص) لا يزال شاهداً علينا، فلنُسلّم عليه، ونقول:«يا رسول الله، اجعلنا من الذين ينعمون برحمتك، ويسيرون على دربك، لنكون محل رضاك ورضا الله.»