موناسادات خواسته
في زمنٍ تتشابك فيه الجبهات العسكرية مع الجبهات الثقافية، ينهض الفن من بين الركام ليحمل راية المقاومة، ويعيد تعريف الجمال كفعلٍ سياسي، والرمز كأداةٍ للوعي. لم يعد الفنان مجرد شاهد على الحدث، بل أصبح فاعلاً فيه، يدوّن باللون والصوت والرمز ما تعجز عنه الكلمات والخطب. في هذا العدد الخاص، نسلّط الضوء على ثلاثة من الفنانين الإيرانيين الذين حوّلوا لوحاتهم إلى صرخات ضد الاحتلال، وجعلوا من الفن جبهةً لا تقلّ صلابة عن الميدان. شهاداتهم ليست مجرد سردٍ فني، بل مواقف فكرية وإنسانية تعبّر عن جوهر المقاومة الثقافية في وجه الهيمنة والعدوان.
في ظل تصاعد العدوان الصهيوني، لم تكن الجبهات العسكرية وحدها من تصدت للهجوم، بل برزت جبهة ثقافية فنية حملت راية المقاومة بلغة الجمال والرمز. فيما يلي نستعرض شهادات ثلاثة فنانين إيرانيين ممن حولوا الصرخة إلى خطوط، والذاكرة إلى ألوان، وهم «ناصر سيفي»، «عباس برزكر كنجي»، «سيد عبدالله حاجي سيد حسن». شهاداتهم ليست مجرد سردٍ فني، بل مواقف فكرية وإنسانية تعبّر عن جوهر المقاومة الثقافية في وجه الهيمنة والعدوان، وتفتح باباً للتأمل في دور الفن كأداة للتحرير والوعي.
الأستاذ «ناصر سیفي» هو فنان بصري، يتمتع بخبرة واسعة في مجال التعليم الفني، وأسهم في تطوير المناهج الفنية عبر تأليف مقالات تحليلية متخصصة. شارك في لجان التحكيم لعدة مهرجانات ومسابقات فنية، وفي هذا الحوار يرى في الجمال والعدالة جوهر الفن، ويعتبر أن الريشة حين يُحسن استخدامها، تفوق الرصاصة في التأثير والرسوخ.
ويعتقد أن الفن هو مقاومة للجمال الزائف والعدالة المزيفة، ويقول: «الله جميل ويحب الجمال. من يتجه نحو الفن، فهو يقاوم القبح واليأس. الفن هو أداة للأمل، ومرتبط بالجمال والعدالة، وليس بزينة سطحية، بل بسلوك وفكر راقٍ».
ويضيف: «الغرب يدّعي الحرية، لكنه يحددها وفق مصالحه، ويصنّف من يخالفه كإرهابي، رغم أنه يمارس القتل والدمار. الفن الحقيقي لا يخضع لهذه الهيمنة، بل يقاومها.»
ويؤكد أن الفن أقوى من السلاح: « الفن لغة قوية، وإذا كان الفنانون واعين، يمكنهم استخدامه بذكاء، إذا استخدم الفنان أدواته بوعي، فإن فنه أقوى من أي سلاح. الفن يخاطب الوجدان، ويكشف زيف المحتل، ويعيد تعريف العدالة والجمال.» وتابع: «إيران اليوم تعود إلى جذورها الحضارية، وتستخدم الفن والثقافة كأدوات فعالة، وهذا واضح في الفنون البصرية والسينما وغيرها».
وعن لوحته الفنية التي رسمها في الحرب الصهيونية المفروضة على البلاد، يقول: «لوحتي تصور خريطة إيران، تتحرك فيها رايات «يا لثارات الحسين(ع)» بقيادة وليّ الله، في إشارة رمزية. إيران كلها تسير في طريق الثأر للإمام الحسين(ع) وأصحابه الشهداء، ونحن نؤمن أن شهداءنا هم من أنصار الحسين(ع)، لأنهم ساروا على نهجه في رفض الذل».
ويتابع: «إيران اليوم جسد واحد، وستبلغ القمة قريباً، وستتجاوز الهيمنة الغربية الزائفة. نحن على أعتاب نهضة حضارية إيرانية إسلامية ستقلب موازين الحضارة الغربية، لأنها تقوم على العدل والمساواة والفكر، بينما الغرب غارق في الكذب والقتل والنهب».
ويختم برسالة إلى العالم العربي، قائلاً: «العرب معروفون بالغيرة على قبائلهم، فكيف يصمت البعض على المجازر؟ فلسطين ملك لكل المسلمين، وهي قبلتهم الأولى، وقد سُلبت بالخداع. حتى غير المسلمين باتوا يشعرون بالمسؤولية تجاهها. إذا استيقظت بعض الدول العربية من غفلتها، فلن يستطيع الاحتلال وأمريكا الاستمرار في جرائمهم. رسالتي إلى بعض الحكام العرب: كفى غفلة، فالصمت اليوم يعني أنكم الهدف القادم».
كنجي: حين يتكلم الفن بدلاً من الكلمات
الأستاذ «عباس برزكر كنجي»، هو أحد النشطاء البارزين في مجال الفنون البصرية، ويُعد من أصحاب الأرقام القياسية في إنجاز وتقديم الجداريات الضخمة. يتميّز بتخصصه في رسم البورتريه، وما يمنح أعماله بريقاً خاصاً هو شغفه العميق برسم صور الشهداء، حيث تنبع لوحاته من إحساس وجداني صادق تجاههم.
في هذا الحوار يرى الأستاذ كنجي في اللوحة وسيلة للبوح حين تعجز الكلمات، ويؤمن بأن الفن واجب أخلاقي في مواجهة العدوان. ويقول: «الفنان لا يتحدث بالكلمات، بل يرسمها. اللوحة هي لغتي، ومن خلالها أخاطب العالم».
وعن دوره في مواجهة الاحتلال، يروي: «الهجوم الصهيوني وقع في منتصف الليل، الجميع كان نائماً، واستيقظنا على دويّ الانفجارات. في عام 1982، كنت أباً لطفلة صغيرة، ومع ذلك ذهبت إلى الجبهة. واليوم، أؤدي واجبي من خلال الفن، وأحاول أن ألطّف الوعي العام، وأن أنظر إلى الحدث بعين ثقافية وفنية.»
حاجي سيد حسن: «الشهادة» كفن مقاوم
الأستاذ «سيد عبدالله حاجي سيد حسن» خطاط ومبدع في فن «الخط التصويري»، يمتلك سجلاً غنياً في مجال الثقافة والفن، حيث تولّى مهام الإدارة الفنية وأمانة عدد من المهرجانات الفنية، إلى جانب نشاطه في التعليم والتدريب. وقد أبدع في إنتاج أعمال غرافيكية وفن الخط التصويري، وفي هذا الحوار يتحدث عن لوحته التي قدّم فيها كلمة «الشهادة» كصرخة بصرية تعبّر عن حلم المجاهدين، مؤمناً بأن الفن هو جبهة موازية للميدان.
يقدم حاجي سيد حسن لوحته الفنية التي رسمها في الحرب الصهيونية المفروضة كتحية لأرواح الشهداء، ويقول: فني هو «الخط التصويري»، وقد أنجزت عملي استناداً إلى حلم دائم لدى المجاهدين وقادة المقاومة في وطننا، وهي كلمة «الشهادة»، ولهذا جسّدتها في عملي الفني.
ويضيف: «اجتماع الفنانين خلال الحرب الصهيونية المفروضة الأخيرة أثبت أن هناك جبهة ثقافية موازية للجبهة العسكرية، وهي بحد ذاتها شكل من أشكال المقاومة».
وعن دور الفن في مواجهة الاحتلال، يقول: «الفن اليوم هو وسيلة إعلامية قوية. أحد قادة المقاومة قال: «كما تحمل السلاح في يد، يجب أن تحمل الكاميرا في اليد الأخرى» فهما مكملان لبعضهما. الفنان يمكن أن يكون قدوة، ويجذب الآخرين إلى صف المقاومة من خلال الفن».
ويختم برسالة مؤثرة للعالم العربي قائلاً: «أحبكم جميعاً، وأتمنى أن تتشابك قلوبنا أكثر، كما اختلطت دماؤنا في محور المقاومة. هذه الوحدة هي مصدر قوتنا، ويجب أن يكون كلّ منّا سنداً للآخر».