ذاكرة جماعية، وتوثيق للبطولة والتضحية

سينما الدفاع المقدس.. سردية وطنية تُخلّد البطولة

الوفاق: سينما الدفاع المقدس ليست مجرد سرد لحكايات الدفاع المقدس، بل هي بناء للذاكرة الوطنية، وتوثيق للبطولة في أبهى صورها.

أسبوع الدفاع المقدس يذكّرنا بلحظات شكّلت أجزاءً مهمة من تاريخنا المعاصر؛ لحظات وقف فيها الأبطال الحقيقيون في ساحات النضال الحقيقية، ودافعوا عن الأرض، والإيمان، وشعبهم. هذه نقطة تمييز جوهرية ينبغي أن تبقى حاضرة في أذهاننا عندما نتحدث عن سينما الحرب وتجسيد البطل.

 

 

سينما الدفاع المقدس

 

 

تُعد سينما الدفاع المقدس في إيران تجربة فريدة من نوعها، لا تشبه أي نوع سينمائي آخر في العالم. فهي ليست مجرد سرد للحرب المفروضة التي استمرت ثماني سنوات، بل هي بناء للذاكرة الجماعية، وتوثيق للبطولة، والتضحية، والهوية الوطنية. هذه السينما، التي نشأت من قلب الجبهات ومن عمق المعاناة، استطاعت أن تحتضن موضوعات متنوعة، وتقدّم أعمالاً خالدة تتجاوز البعد العسكري لتلامس الإنسان، المجتمع، والروح. وفي هذا المقال نذكر نبذة عن البطل في سينما الدفاع المقدس كما يرويه الناقد السينمائي “جواد صفوي”، وبعد ذلك نتطرق إلى بعض أفلام سينما الدفاع المقدس.

 

 

البطل في سينما الدفاع المقدس

 

 

في السينما، البطل هو “شخصية مُصطنعة”؛ يخضع لقوانين الدراما، أي يجب أن يمر بتقلبات، يُظهر نقاط ضعف، يقع في أزمة، ويصل إلى الذروة بالإرادة أو القدر. البطل الدرامي ليس “واقعاً” بقدر ما هو تجسيد لرغبة واحتياج جماعي؛ أمنية الجمهور في النصر، الخلاص، أو حتى المواساة. أما في الدفاع المقدس، فنحن أمام “بطل حقيقي”؛ إنسان قد لا يختلف في مظهره أو حياته اليومية عنا، لكنه يتخذ في لحظة تاريخية قراراً يرسم الحد الفاصل بين “أن يكون عادياً” و”أن يصبح بطلاً”. البطل الحقيقي لا يحتاج إلى عرض درامي؛ هو يختار، ويعمل، وهذا الفعل يمنحه معنى البطولة.

 

 

سينما الدفاع المقدس في إيران تحركت دائماً بين هذين المستويين: من جهة، كما في نماذجها الكلاسيكية في أفلام الثمانينات، سعى المخرجون لتصوير الأبطال كرموز أسطورية لا تُطال. نماذج مثل “برواز در شب” أي “الطيران في الليل” لرسول ملاقلي‌ بور، أو “بلمي بسوي ساحل” أي “قارب نحو الساحل”، حوّلت المناضلين إلى رموز أسطورية مضحّية. وبمنظور ديني-روحي، إعتبر أبطال سينما الدفاع المقدس في تلك الحقبة أن التضحية والفداء واجب شرعي مستمد من التعاليم الدينية، كما في أعمال مثل “ديده بان” أي “المراقب” و”المهاجر” من إخراج إبراهيم حاتمي‌كيا، حيث كانت نظرة المناضل البطل قلبية وإيمانية.

 

 

من جهة أخرى، وفي أعمال العقود التالية، حاولت سينما الدفاع المقدس في إيران أن تقترب من حقيقتهم الإنسانية، بإظهار الترددات، المخاوف، وحتى نقاط الضعف. هذا التوجه برز أكثر في أعمال حاتمي‌كيا وملاقلي بور المتأخرة. في “من كرخة إلى الراين”، يواجه المناضل مرضاً وعجزاً جسدياً ناتجاً عن الحرب؛ بطل لا يقف على قمة الملحمة، بل يصارع القيود اليومية. في “السفر إلى تشازبه”، يتحرك المناضل بين الماضي والحاضر، الموت والحياة؛ بطل من نوع التردد. أما “الوكالة الزجاجية”، فتتجاوز ذلك لتُظهر حاج‌كاظم، المناضل الوفي، في مجتمع ما بعد الحرب؛ إنسان غاضب وهش يصارع المآزق الأخلاقية. النقطة الأساسية هنا أن البطل الحقيقي في الحرب لا يقاتل من أجل “أن يُشاهد”؛ بل غالباً ما يتهرب من أن يُروى.

 

 

«موقعيت مهدي» /«موقع مهدي»

 

 

الفيلم من إخراج هادي حجازي ‌فر عام 2021 م، وهو سردية حياة الشهيد مهدي باكري. أول تجربة إخراجية لهادي حجازي ‌فر، بعد تألقه في دور الشهيد أحمد متوسليان. الفيلم يقدّم سرداً متماسكاً لحياة الشهيد باكري، ويُتوقع أن يكتسب أهمية أكبر بمرور الزمن.

 

 

«غریب»

 

 

الفيلم من إخراج محمدحسین لطیفي وتأليف وإنتاج حامد عنقا في عام 2022 م، يروي الفيلم حياة أحد أبرز قادة الحرس الثوري في كردستان خلال مواجهة الحركات الإنفصالية عام 1979م. مستوحى من كتاب «محمد؛ مسیح کردستان»، ونال خمس جوائز في مهرجان فجر السينمائي، إضافة إلى جائزة لجنة التحكيم الخاصة في مهرجان المقاومة.

 

 

«آجانس شيشه اي»/«الوكالة الزجاجية»

 

 

الفيلم من تأليف وإخراج إبراهيم حاتمي، وتم إنتاجه عام 1997 م. فيلم درامي مستوحى من حدث حقيقي، يُعد من أفضل الاستعارات في السينما الحربية الإيرانية. نال عشرات الجوائز، منها أفضل فيلم سياسي بعد الثورة الإسلامية.

 

 

«دسته دختران»/«فرقة الفتيات»

 

 

الفيلم من إخراج منیر قیدي وإنتاج عام 2021 م، ويروي مقاومة نسائية في خرمشهر. يتناول الفيلم قصة مجموعة من الفتيات اللواتي قررن حمل السلاح خلال احتلال خرمشهر، متحديات القيود الاجتماعية. مستوحى من وقائع حقيقية، ويُعد شهادة فنية على شجاعة المرأة الإيرانية في الدفاع المقدس.

 

 

«ويلايي ها»/«الفيلائيون»

 

 

الفيلم من إخراج منير قيدي وإنتاج سعيد ملكان، وتم عرضه في الأيام الأخيرة من شهر مايو 2016 م، حول نساء خلف الجبهات. يروي الفيلم حياة نساء من عائلات الحرس الثوري عام 1986 م، في بلدة قريبة من ساحات النضال. نال جائزة العنقاء البلورية، ويُعد من الأعمال التي سلّطت الضوء على دور المرأة في الدفاع المقدس من زاوية اجتماعية وإنسانية.

 

 

 «ايستاده در غبار»/«الواقف في الغبار»

 

 

الفيلم من إخراج وكتابة محمد حسين مهدويان وإنتاج حبيب الله والي نجاد، وإنتاج مؤسسة أوج الاعلامية في عام 2015 م، وهو فيلم وثائقي عن حياة القائد الشهيد أحمد متوسليان، الذي يتحول من مراهق صامت إلى قائد عسكري على أبواب خرمشهر. نال جائزة العنقاء البلورية، وحقق نجاحاً واسعاً في مهرجانات سينمائية بارزة.

 

 

«شيار 143»/«الصدع 143»

 

 

الفيلم من إخراج وكتابة نرجس آبيار وإنتاج محمد حسين قاسمي، وأبوذر بور محمدي. مقتبس من مذكرات حميد داوود أبادي، يتناول الفيلم استكشاف الألغام للعثور على جثث الشهداء. شارك في أكثر من 30 مهرجاناً دولياً، وحصد 16 جائزة دولية، ويُعد من أبرز أعمال نرجس آبيار.

 

 

«هور در آتش»/«الهور في النار»

 

 

الفيلم من إخراج عزيز الله حميد نجاد وإنتاج عام 1991م، فيلم وثائقي درامي أثار إعجاب الشهيد سيد مرتضى آويني، الذي وصفه بأنه أقرب إلى الحقيقة من أي عمل آخر. وكتب حول الفيلم: “إن الجو الذي تم إنشاؤه في الفيلم قريب جداً من الحقيقة لدرجة أن المشاهد يتوهم تخيل نفسه أمام فيلم وثائقي”. نال جائزة أفضل مؤثرات خاصة، ورُشح لجائزة أفضل مخرج.

 

 

«سفر به جزّابه»/«السفر إلى جزّابه»

 

 

الفيلم من إنتاج عام 1995م، من إخراج وكتابة رسول ملاقلي بور، فيلم شخصي للمخرج رسول ملاقلي بور، يجمع بين السريالية والتصوف، ويُعد من أبرز أعماله. نال جائزة أفضل مونتاج، ورُشح لعدة جوائز فنية في مهرجان فجر.

 

 

«كيميا»

 

 

الفيلم من إنتاج عام 1994م، للمخرج أحمد رضا درويش، ويروي الأبوة في زمن الأسر، يروي قصة رضا الذي يقع في الاسر أثناء الحرب، ويفقد زوجته، ويبحث بعد خروجه من الأسر عن طفله الوحيد. نال عدة جوائز منها أفضل ممثل “خسرو شكيبائي”، ويُعد من أبرز أفلام سينما المقاومة.

 

 

«ديده بان»/ «المراقب»

 

 

الفيلم من أخراج وكتابة ابراهيم حاتمي كيا من إنتاج عام 1978م. أول أفلام الدفاع المقدس التي عُرضت دولياً، ويُعد بداية المسيرة الرسمية لإبراهيم حاتمي كيا. نال جائزة لجنة التحكيم الخاصة، ويتميّز بأسلوبه الواقعي في تصوير الحرب وتداعياتها.

 

 

«از كرخه تا راين»/«من كرخه إلى الراين»

 

 

الفيلم من تأليف وإخراج إبراهيم حاتمي كيا. يتناول هذا الفيلم الذي أنتج عام 1981م، مصير ضحايا القنابل الكيماوية في الدفاع المقدس، والموسيقى الدائمة لهذا الفيلم من عمل مجيد انتظامي. ويُعد أول تعاون سينمائي بين إيران وألمانيا. نال عدة جوائز منها أفضل فيلم وأفضل مخرج، ويُعد من أبرز أعمال حاتمي كيا.

 

 

«منصور»

 

 

الفيلم من إخراج سیاوش سرمدي في عام 2021 م، حول الطيران الإيراني، يتناول حياة الشهيد منصور ستاري، قائد سلاح الجو، وجهوده في تطوير الصناعة الجوية خلال الحرب الصدامية المفروضة. يُبرز الفيلم عزيمته في مواجهة التحديات، ويُقدّم نموذجاً للقيادة الوطنية.

 

 

«حمله به اج 3»/ «الهجوم على إج 3»

 

 

الفيلم من إخراج شهریار بحراني في عام  1994 م، ويوثّق عملية جوية جريئة نفذها الطيارون الإيرانيون ضد قواعد نظام صدام. بأسلوب بصري واقعي، يُعد من أوائل الأعمال التي أبرزت بطولات سلاح الجو الإيراني.

 

 

ذاكرة وطنية

 

 

سينما الدفاع المقدس ليست مجرد سرد لحكايات الدفاع المقدس، بل هي بناء للذاكرة الوطنية، وتوثيق للبطولة في أبهى صورها. وبينما تتطور هذه السينما، يبقى السؤال مفتوحاً: هل تستطيع الشاشة أن تحتوي عظمة الأبطال الحقيقيين؟ أم أن البطولة الحقيقية ستظل دائماً أكبر من أي إطار؟

 

 

 

 

المصدر: الوفاق