باسمه تعالي الغنيّ بالمعنى ..
د. بهمن أكبري
هذه المواجهة لم تكن مجرّد تبادل للاتهامات، بل عكست رؤيتين متباينتين لموقع إيران في النظام الدولي ولطبيعة العلاقة بين القوى الكبرى ودول المنطقة.
أولاً: خطاب ترامب ـــ أمننة إيران
ركز ترامب في كلمته على ثلاثة محاور أساسية:
١. إعادة تعريف إيران كتهديد عالمي من خلال اتهامها بدعم الإرهاب والسعي لامتلاك السلاح النووي.
٢. عرض ما سماه “مبادرة سخية”: تعاون اقتصادي وسياسي مقابل وقف التخصيب النووي، وهو عرض أقرب إلى الإملاء منه إلى التفاوض.
٣. إضعاف دور الأمم المتحدة عبر تصويرها مؤسسة عاجزة، مقابل إبراز الولايات المتحدة باعتبارها الفاعل الوحيد القادر على فرض الاستقرار العالمي.
بهذا المنطق، لم يكن ترامب يتحدث إلى إيران فقط، بل إلى حلفائه الأوروبيين والعرب، ليعيد إنتاج صورة “التهديد الإيراني” كمدخل لتعزيز الهيمنة الأميركية.
ثانياً: خطاب القيادة الإيرانية ـــ التنمية والسيادة
في المقابل، شدّد خطاب القيادة الإيرانية على ثلاث مرتكزات:
١. التخصيب كحق وطني لا يقتصر عند البعد العسكري، بل يتصل بالزراعة والصناعة والطاقة والبيئة، أي بوصفه جزءاً من مشروع التنمية.
٢. رفض التفاوض تحت التهديد، باعتبار أن أي حوار مقرون بالابتزاز يفتح الباب لتنازلات متسلسلة لا نهاية لها.
٣. الوحدة الوطنية باعتبارها عامل ردع داخلي في مواجهة الضغوط الخارجية، مع التأكيد على أن التجارب السابقة (الاتفاق النووي 2015) أظهرت عدم وفاء واشنطن بوعودها.
ثالثاً: تحليل مقارن
ما بين خطاب ترامب وخطاب طهران تتضح مفارقة كبرى:
ترامب ينظر إلى التخصيب كـتهديد أمني، فيما تصفه إيران بأنه منجز علمي وتنموي.
واشنطن تطرح التفاوض كأداة لفرض الشروط، بينما ترى إيران أن التفاوض لا معنى له إذا كان مسبوقاً بنتيجة مقرّرة سلفاً.
أميركا تسعى لتكريس صورة إيران المعزولة، في حين تؤكد طهران على التضامن الداخلي والإقليمي كضمانة للاستقلال.
رابعاً: البعد الإقليمي والدولي
المواجهة الخطابية في الأمم المتحدة لا تخص إيران وأميركا فحسب، بل تعبّر عن انقسام أوسع في النظام الدولي: بين نزعة أميركية أحادية ما زالت تصر على قيادة العالم منفردة، وبين قوى صاعدة ودول الجنوب العالمي التي تطالب بتعددية حقيقية وبحقها في التنمية التكنولوجية.
من هنا، يصبح دور دول المنطقة أساسياً. فبدلاً من الارتهان لخطابات الهيمنة أو الاصطفافات الحادة، يبقى التعاون الإقليمي القائم على الاحترام المتبادل وعدم التدخل في الشؤون الداخلية هو السبيل لبناء أمن جماعي وتنمية مستدامة.
في الختام، خطاب ترامب في الأمم المتحدة لم يقدم حلولاً بقدر ما أعاد إنتاج الانقسام. في المقابل، أظهر خطاب القيادة الإيرانية تمسكاً بحق التنمية ورفضاً للإملاءات. وبين هذين الخطابين، تقف دول المنطقة أمام خيارين: إما أن تكون ساحة لصراعات القوى الكبرى، أو أن تتحول إلى فضاء للتعاون والتكامل.
إن اللحظة الدولية الراهنة فرصة تاريخية لكي تثبت شعوب المنطقة أن الأمن لا يُبنى بالتهديدات ولا بالعقوبات، بل بالثقة المتبادلة والشراكة الصادقة بين الجيران.