الفنّان الإيراني "مسعود نجابتي" يتحدّث للوفاق حول تصميم مزار الشهيد السيد حسن نصرالله:

من الخطّ إلى الحجر.. كيف يصنع الفنّ ذاكرة المقاومة؟

خاص الوفاق: نجابتي: الإهتمام الذي نالته أعمالي يعود إلى عظمة المقاومة نفسه، و إلى الشخصيات التي قدّمت دماءها وأرواحها في هذا الطريق.

موناسادات خواسته

 

في قلب لحظة تاريخية من الحزن والوفاء، وقف الفنّان الإيراني “مسعود نجابتي” أمام تحدٍّ فني وروحي استثنائي: تصميم حجر مزار الشهيد السيد حسن نصرالله. لم يكن المشروع مجرد مهمة معمارية، بل كان فعلاً مقاوماً، يحمل في تفاصيله روح الشهادة، ويمتزج فيه الخط بالرمزية البصرية، ليصبح شاهداً على مسيرة رجل تجاوزت تأثيراته حدود الجغرافيا والسياسة. وبهذه المناسبة، أجرينا حواراً مع الأستاذ نجابتي مصمم وخطاط حجر مزار الشهيد نصرالله، ونكتشف كيف يتحول الفن إلى سلاح ناعم في جبهة المقاومة، وكيف تُكتب الرواية بالصورة قبل الكلمة. وفيما يلي نص الحوار:

 

 

 

 

الفنّ البصري كجسر عالمي

 

 

بداية، يتحدّث الأستاذ نجابتي عن فنه التايبوغرافي ويقول: “اخترت فن الغرافيك لأنه قائم على التواصل البصري، ويعتمد على الكتابة كعنصر أساسي إلى جانب الصورة. الكتابة ليست فقط وسيلة للقراءة، بل تحمل طاقة بصرية يمكن أن تكون أقوى من الصورة نفسها. في الثقافة الإسلامية، للخط مكانة خاصة، لأنه ارتبط منذ البداية بكتابة القرآن الكريم، ولهذا نجد اهتماماً كبيراً به لدى الشيعة والسنة على حد سواء”.

 

 

ويضيف: “لدينا تنوع هائل في أنواع الخطوط، وهي اليوم مصدر إلهام للمصممين، خاصة في القضايا المعاصرة كالمقاومة والسياسة. الكتابة في التصميم تحمل ثلاث وظائف: الجمال، الوضوح، والرسالة. إنها تُقرأ وتُرى في آنٍ واحد، وهذا يمنحها قوة مزدوجة. مثلاً، عندما صممت شعار “طوفان الأقصى”، كان يحمل شكلاً بصرياً ورسالة مباشرة، وهذا ما نستخدمه في تصميمات المقاومة”.

 

 

تصميم مزار الشهيد نصر الله.. تجربة روحية وفنية

 

 

عن تجربته في تصميم مزار الشهيد السيد حسن نصر الله، يقول نجابتي: “كان لنا شرف المشاركة في مراسم التشييع، لمساعدة الفنانين اللبنانيين الذين كانوا يعيشون لحظة عزاء حقيقية وكانوا بحق في حالة حداد عميق، رغم أننا جميعاً كنا في حالة حزن، إلا أن تأثرهم كان أشد. تم تكليفي بتصميم حجر المزار والكتابات المعمارية المحيطة، نظراً لتجاربي السابقة في تصميم قبور كبار العلماء في إيران”.

 

 

ذهبت إلى هناك بنية المساعدة والمؤازرة لأحبائنا الفنانين اللبنانيين، لكن حجم العمل كان كبيراً، فتم تقسيم المهام، وأُوكل إلينا قسم المزار ومكان دفن السيد حسن نصر الله، بما في ذلك الزخارف المعمارية التي تضمنت كتابة نقش كان من المقرر أن يُنفذ على البناء المعماري.

 

 

إلى جانب ذلك، كانت أهم مهمة بالنسبة لأحبائنا في حزب الله هي تصميم حجر المزار الخاص بالشهيد السيد حسن نصرالله، وقد سبق لي أن خضت تجارب مماثلة في إيران، مثل تصميم حجر مزار كبار العلماء كآية الله بهجت وآية الله مصباح يزدي، وكذلك عدد من الشخصيات البارزة والشهداء، وهي تجارب موجودة في سجلي المهني.

 

 

وبسبب معرفة الإخوة اللبنانيين بأعمالي السابقة، أوكلوا إليّ أيضاً تصميم حجر مزار الشهيد نصر الله، على أن يتم العمل بنفس الروح العلمية والعرفانية التي اكتسبتها من تلك التجارب السابقة.

 

 

محل نزول الملائكة

 

 

ويتابع: خلال وجودنا هناك، زرنا منزل السيدة الفاضلة زوجة الشهيد عماد مغنية، وهي أم الشهيد جهاد، وأخت الشهيد بدر الدين، وعمة شهيد آخر. شعرت أنني أمام امرأة تجسّد تاريخ الإيثار. تذكرت حينها قول آية الله مصباح: “هذا المكان محل نزول الملائكة، وحتى الدخول إليه يحتاج إذناً”. كانت لحظة روحية عميقة، أهديتها بعض كتب الزيارة وطلبت منها الدعاء، فقالت لي: “أنت ما زلت بحاجة للبقاء والعمل”.

 

 

بيروت.. حيث تتحقق المعجزات

 

 

يصف نجابتي لحظة وصوله إلى بيروت هكذا: كان حجم المشروع هائلاً، واعتقدنا أنه من المستحيل إنجازه قبل موعد التشييع. لكن المفاجأة كانت في الهدوء الذي يلف العاملين، وكأن الزمن لا يعنيهم. وعندما اكتمل العمل، رأينا المعجزة: حجر المزار المصقول، البنر العملاق، والدقة المتناهية في التنفيذ. تممت: “إمداد غيبي… فعلاً إمداد غيبي”. هنا بيروت، حيث يجعل الحب للشهيد المستحيل ممكناً.

 

 

بين الحداثة والرمزية

 

 

يروي نجابتي كيف واجه تحدياً في التصميم المعماري، إذ بدا الشكل المكعب وكأنه يُحاكي الكعبة، ما أثار مخاوف من استغلاله دعائياً. ومع إدراكه لذائقة اللبنانيين الحداثية، استعاد تصميماً قديماً أعدّه لقبة مصلى طهران بعنوان “شهادة الثلاثة”، وطبّقه على جدران المزار. وعندما عرض التصميم، قال أحدهم: “هذا ليس تقليدياً ولا حديثاً… إنه معماري حزب الله!”، ليعلق نجابتي: “ربما الفن الحقيقي هو ما يتجاوز القدر”.

 

 

 

 

الفنّ المقاوم

 

 

فيما يتعلق بميزات الفن المقاوم يستشهد نجابتي بكلمات قائد الثورة الإسلامية آية الله العظمى الإمام السيد علي الخامنئي الذي أشار إلى ثلاث ميزات للفن المقاوم هي:– السرعة: فالفن البصري يُنتج بسرعة ويصل إلى الجمهور فوراً.

 

– قلة التكلفة: مقارنةً بالسينما أو المسرح، يمكن إنتاجه بموارد بسيطة.

 

– اللغة العالمية: الصورة لا تحتاج إلى ترجمة، وهي مفهومة للجميع.

 

ويضيف: لدينا فنانون من عشرات الدول، من أميركا اللاتينية إلى شرق آسيا، نتواصل معهم عبر الصورة فقط. في آخر فعالية عن “الهولوكوست الصهيوني” تحت عنوان “هولوسايد”، شاركت 75 دولة دون أن نعرف لغاتهم، لكن الصورة كانت كافية.

 

 

من “طوفان الأقصى” إلى مزار الشهيديرى نجابتي أن بعض الأعمال الفنية تكتسب تأثيرها من جمالها، لكن الأكثر تأثيراً هو ما يرتبط بشخصيات عظيمة أو أحداث مفصلية. ويقول: بعد تصميم مزار الشهيد السيد حسن نصر الله، لاحظت تفاعلاً واسعاً في إيران والعراق ولبنان، حتى أن الناس كانوا يطلبون التقاط صور معي لمجرد معرفتهم بأنني مصمم المزار. هذا التقدير جاء من عظمة الشخصية، لا من شهرتي الشخصية.

 

ويضيف: هناك بعض الأعمال التي، بصرف النظر عن موضوعها، تكون جميلة ومؤثرة لدرجة أنها تُرى كعمل فني مستقل، ويمكن أن تُعرض عالمياً ويتداولها الناس. لكن هناك أيضاً أعمال تُنتج بناءً على أهمية الموضوع أو الشخصية المرتبطة بها، وهذا أمر بالغ الأهمية.

 

على سبيل المثال، عندما نتحدث عن شخصية مثل السيد حسن نصر الله، أو شخصية مثل الشهيد الحاج قاسم سليماني، أو الشهيد السنوار أو محمد الضيف، أو أحداث كبيرة مثل “طوفان الأقصى”، أو حرب الـ33 يوماً في لبنان، أو في إيران، الدفاع المقدس، أو شخصيات بارزة وعمليات كبيرة مثل كربلاء 5 وبيت المقدس، فإن هذه الأحداث تمنح العمل الفني قيمة ومكانة، وتجعله يُرى ويُقدّر، ويُكرّم الفنان الذي أنجزه.

 

وأنا شخصياً ربما أكون من أولئك الذين نالوا هذا التوفيق، حيث أن معظم أعمالي التي أُنتجت في جبهة المقاومة، نالت الاهتمام والتقدير بفضل أهمية الموضوع أو الشخصية التي تناولتها.

 

 

الفنّ المقاوم.. بين سرعة الإستجابة وعمق التأثيروحول التأثير السريع للفن المقاوم يقول الأستاذ نجابتي: شعار “طوفان الأقصى” الذي تم تصميمه في اللحظات الأولى بعد وقوع الحدث ونشر خبره، تم إنجازه فوراً واستخدامه مباشرة، وقد نال اهتماماً كبيراً بسبب سرعة التنفيذ، وارتباطه المباشر بحدث “طوفان الأقصى”، مما جعله جذاباً وجميلاً في نظر الجمهور. فبمجرد انتشار خبر العملية، كان الشعار حاضراً معها.

 

وكذلك الأمر بالنسبة لخبر استشهاد السيد حسن نصرالله، أو مراسم تشييعه، التي ترافقت مع شعار “إنّا على العهد”، فكل هذه العناصر استمدت قيمتها من عظمة شخصية الشهيد السيد حسن نصر الله.

 

وأنا أقول بثقة إنه خلال كل هذه السنوات التي عملت فيها، ورغم أنني أقمت معارض شخصية وفردية، إلا أن هذا المستوى من الإهتمام الذي أراه من الناس، سواء بشكل مباشر وحضوري في أماكن مختلفة، أو عبر الفضاء الإفتراضي، يعود إلى الأعمال التي ارتبطت بشخصيات وأحداث مؤثرة.فعلى سبيل المثال، بعد تصميمي لحجر مزار السيد حسن نصر الله، أينما ذهبت – سواء في إيران أو لبنان، أو العراق – كان الزملاء في الإعلام ينشرون النص الذي كتبته مرفقاً بالصورة، وكان الناس قد شاهدوه، وكانوا يبدون لي اهتماماً ومحبة في الشارع.

 

 

حتى العائلات التي التقيتها في لبنان والعراق، والتي لم تكن لها علاقة مباشرة بالفن، كانت تطلب إلتقاط صور معي عندما تعلم أنني صممت حجر مزار الشهيد نصر الله، وكانوا يبدون لي لطفاً كبيراً. وهذا كان أمراً مؤثراً جداً بالنسبة لي، وقد نلت هذا التقدير من خلال ارتباطي بجبهة المقاومة.كذلك، في الأعمال التي أنجزتها لقادة شهداء لبنان خلال زيارتي هناك، التقيت بأشخاص لم يكونوا فنانين، مثل ربة منزل أو رجل بسيط يعمل في التجارة، وعندما كانوا يعلمون أنني كتبت اسم شهيدهم، مثل الشهيد فؤاد شكر، كانوا يعانقونني ويدعون لي. لقد كان لعائلات الشهداء محبة خاصة، وهذا الاهتمام والظهور الذي نالته أعمالي يعود إلى عظمة موضوع المقاومة نفسه، وإلى الشخصيات التي قدمت دماءها وأرواحها في هذا الطريق.

 

إن عظمتهم جعلت أعمالي تبدو عظيمة في أعين الآخرين، وقد نلت بفضل عملي لهؤلاء الكبار شيئاً من المكانة والإحترام.

 

ويختم بالقول: كنا يوماً صوتاً واحداً، واليوم أصبحنا تياراً عالمياً. صحيح أننا لا نملك الصواريخ، لكننا نملك الرواية، والفن هو سلاحنا. كما قال أحد الكبار: ما يهزم الكفر العالمي ليس السلاح، بل الفن الذي يحمل رسالة الحق.

المصدر: الوفاق/ خاص